الثلاثاء، 07 ربيع الأول 1446هـ| 2024/09/10م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
تأملات قرآنية (15) الابتلاء والفتنة مدعاة للتوبة والتذكر

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 


تأملات قرآنية (15)
الابتلاء والفتنة مدعاة للتوبة والتذكر

 


إخواننا الكرام, أخواتنا الكريمات:


أيها المؤمنون والمؤمنات: الصائمون والصائمات:


مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:

 


نحييكم بأطيب تحية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله القائل في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) والصلاة والسلام على رسول الله القائل: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين". ثم أما بعد: فتعالوا معنا أحبتنا الكرام, وهلم بنا نحن وإياكم نتجه إلى مائدة القرآن الكريم نتأمل ونتدبر آياته جل وعلا عسى أن ينفعنا ويرفعنا بما فيه من الذكر الحكيم إلى أعلى الدرجات في جنات النعيم, إنه ولي ذلك والقادر عليه. ومع الآية السادسة والعشرين بعد المائة من سورة التوبة. يقول الله تعالى: ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾١٢٦


قال نخبة من المفسرين: "أولا يرى المنافقون أن الله يبتليهم بالقحط والشدة، وبإظهار ما يبطنون من النفاق مرة أو مرتين في كل عام؟ ثم هم مع ذلك لا يتوبون مِن كفرهم ونفاقهم، ولا هم يتعظون ولا يتذكرون بما يعاينون من آيات الله".


معاشر المؤمنين والمؤمنات:


إنَّ ابتلاء الله للناس على مر العصور والأزمان سنة ثابتة من سنن الله التي لا تتخلف. قال تعالى في مطلع سورة العنكبوت: بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ). (العنكبوت 1, 2). يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال: في هذا المقطع القويِّ من السُّورة، يُساق الإيقاعُ الأول في صورة استفهام استنكاري لمفهوم النَّاس للإيمان وحُسبانهم أنَّه كلمة تقال باللسان. إنَّ الإيمان ليس كلمة تقال، إنَّما هُو حقيقة ذات تكاليف! وأمانة ذات أعباء! وجهاد يحتاج إلى صبر! وجهد يحتاج إلى احتمال! فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا وهم لا يتركون لهذه الدعوى، حتى يتعرَّضوا للفتنة فيثبتوا عليها، ويَخرُجوا منها صافيةً عناصرُهم! خالصةً قلوبهم! كما تفتن النَّار الذهب! لتفصل بينَه وبينَ العناصر الرَّخيصة العالقة به! وهذا هو أصلُ الكلمة اللغوي، وله دلالته، وظلُّه وإيحاؤه، وكذلك تصنعُ الفتنةُ بالقلوب! هذه الفتنة على الإيمان أصلٌ ثابتٌ، وسنةٌ جاريةٌ في ميزان الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾. (العنكبوت3). واللهُ يعلمُ حقيقة القلوب قبل الابتلاء، ولكن الابتلاء يكشفُ في عالم الواقع، ما هو مكشوفٌ لعلم الله، مُغيَّبٌ عن علم البشر، فيُحاسِبُ النَّاسَ إذاً على ما يقع من عملهم، لا على مُجرَّد ما يعلمُهُ سبحانه من أمرهم. وهو: فضلٌ منَ الله من جَانب! وعدلٌ من جَانب! وتربيةٌ للنَّاس من جَانب! فلا يأخذُوا أحداً إلاَّ بما استعلن من أمره، وبما حقَّقه فعلُه، فليسوا بأعلم من الله بحقيقة قلبه! ونعودُ إلى سنَّة الله في ابتلاء الذين يُؤمنون، وتعريضهم للفتنة حتى يعلم الذين صدقوا منهم، ويعلم الكاذبين. إنَّ الإيمانَ أمانةُ الله في الأرض، لا يحملها إلاَّ من هم لها أهل، وفيهم على حملها قدرة، وفي قلوبهم تجرُّد لها وإخلاص، وإلاَّ الذين يؤثرونها على الرَّاحة والدَّعة، وعلى الأمن والسَّلامة، وعلى المتاع والإغراء! وإنها لأمانة الخلافة في الأرض، وقيادة الناس إلى طريق الله، وتحقيق كلمته في عالم الحياة، فهي أمانة كريمة، وهي أمانة ثقيلة، وهي من أمر الله يضطلع بها الناس، ومن ثمَّ تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتلاء! ثم يذكر سيد قطب رحمه الله الفتن التي قد يتعرض لها حامل الدعوة:


أولاً: ومن الفتنة أن يتعرض المؤمن للأذى من الباطل وأهله، ثمَّ لا يجد النَّصير الذي يُسانده، ويدفع عنه، ولا يَملكُ النُّصرة لنفسه ولا المنعة، ولا يجد القوة التي يواجه بها الطُّغيان!


ثانياً: وهناك فتنة الأهل والأحبَّة الذين يَخشى عليهم المؤمنُ أن يُصيبهم الأذى بسببه، وهو لا يملك عنهم دفعاً، وقد يَهتفون به ليُسالم أو ليستسلم، ويُنادونه باسم الحبِّ، والقرابة واتِّقاء الله في الرَّحم التي يُعرِّضُها للأذى أو الهلاك!


ثالثاً: وهناك فتنة إقبال الدنيا على الـمُـبطلين, ورؤيةُ النَّاس لهم ناجحين، مَرمُوقين تهتفُ لهم الدُّنيا، وتصفِّق لهم الجَماهير، وتتحطَّم في طريقهم العوائق، وتُصاغ لهم الأمجاد، وتصفُو لهم الحياة، وهو مُهملٌ مُنكرٌ، لا يُحسُّ به أحد، ولا يُحامي عنه أحد، ولا يَشعُر بقيمة الحقِّ الذي مَعهُ إلاَّ القليلون من أمثاله الذين لا يَملكُون من أمر الحَياة شيئاً!


رابعاً: فتنة الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة: حين ينظر المؤمن فيرى كلَّ ما حوله، وكلَّ مَن حوله غارقاً في تيار الضَّلالة، وهو وحده، مُوحش، غريبٌ، طَريد!


خامساً: وهناك فتنة من نوع آخر نراها بارزة هذه الأيام، فتنة أن يجد المؤمنُ أمماً، ودولاً غارقةً في الرذيلة، وهي مع ذلك راقية مادياً في مُجتمعها، متحضِّرة في حياتها، يجدُ الفرد فيها من الرِّعاية، والحمَاية ما يناسبُ قيمة الإنسان، ويجدها غنيةً، قويةً وهي مشاققة لله!


سادساً: وهناك الفتنة الكبرى أكبرُ من هذا كلِّه وأعنف، فتنة النَّفس والشَّهوة، وجاذبية الأرض، وثقلة اللَّحم والدَّم، والرَّغبة في المتاع والسلطان، أو في الدَّعة والاطمئنان وصُعوبة الاستقامة على صراط الإيمان، والاستواء على مرتقاه، مع المعوقات، والمثبطات في أعماق النَّفس وفي مُلابسات الحياة، وفي منطق البيئة، وفي تصورات أهل الزَّمان.


سابعاً: فتنة إبطاء نصر الله: فإذا طال الأمد، وأبطأ نصرُ الله، كانت الفتنة أشدَّ وأقسى، وكان الابتلاء أشدَّ وأعنف، ولم يثبت إلاَّ من عصمَ الله، وهؤلاء هم الذين يُحقِّقون في أنفسهم حقيقة الإيمان ويُؤتمنُون على تلك الأمانة الكبرى أمانة السماء في الأرض وأمانة الله في ضمير الإنسان وما الله حاشا الله أن يُعذِّب الـمُؤمنين بالابتلاء، وأن يُؤذيهم بالفتنة، ولكنَّه الإعداد الحقيقي لتحمُّل الأمانة، فهي في حاجة إلى إعداد خاص لا يتمُّ إلاَّ بالمعاناة العملية للمشاق، وإلاَّ بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات، وإلاَّ بالصَّبر الحقيقي على الآلام وإلاَّ بالثِّقة الحقيقيَّة في نصر الله أو في ثوابه على الرَّغم من طول الفتنة، وشدة الابتلاء.


الصابرون على المحن, هم الصَّفوة المختارة, وهم الذين يتسلَّمون الرَّاية في النهاية, والفتن تصهرها الشدائد، فتنفي عنها الخبث، وتستجيش كامن قواها المذخورة، فتستيقظ وتتجمَّع وتطرقها بعنف وبشدة، فيشتد عودها، ويصلب ويصقل، وكذلك تفعل الشدائد بالجماعات، فلا يبقى صامداً إلا أصلبها عوداً، وأقواها طبيعةً، وأشدَّها اتصالاً بالله، وثقةً بما عنده من الحسنيين: النَّصر أو الأجر، وهؤلاء هم الذين يُسلَّمون الرَّاية في النهاية، مُؤتمنين عليها بعد الاستعداد والاختبار، وإنَّهم ليتسلَّمون الأمانة وهي عزيزة على نفوسهم بما أدُّوا لها من غالي الثمن، وبما بذلوا لها من الصَّبر على المحن، وبما ذاقوا في سبيلها من الآلام والتَّضحيات، والذي يبذلُ من دمه وأعصابه، ومن راحته واطمئنانه ومن رغائبه ولذاته ثمَّ يصبر على الأذى والحرمان، يشعر ولا شك بقيمة الأمانة التي بذل فيها ما بذل فلا يُسلمُها رخيصةً بعدَ كلِّ هذه التَّضحيات والآلام. فأمَّا انتصارُ الإيمان والحقِّ في النِّهاية فأمرٌ تكفَّل به وعد الله، وما يشكُّ مُؤمنٌ في وعد الله، فإن أبطأ فلحكمة مقدَّرة، فيها الخير للإيمان وأهله، وليسَ أحدٌ بأشدَّ غيرة على الحقِّ وأهله من الله. وحَسبُ الـمؤمنين الذين تصيبُهم الفتنة، ويقع عليهم البلاء أن يكونوا هم المختارين من الله، ليكُونُوا أُمناء على حقِّ الله، وأن يشهد الله لهم بأنَّ في دينهم صلابة، فهو يختارهم للابتلاء. جاء في الصحيح: «أشدُّ النَّاس بلاء الأنبياءُ، ثمَّ الصَّالحون، ثمَّ الأمثلُ فالأمثلُ».


معاشر المؤمنين والمؤمنات: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:


اللهم اجعل شهر القرآن الكريم هذا, شهر عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين بقيام دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة, واجعلنا اللهمَّ ممَّن يتدبرون آياتك, فيأتمرون بأمرك, وينتهون عن نهيك: يستمعون القول فيتبعون أحسنه, ويقدرونك حق قدرك, ترضى عنهم, ويرضون عنك, واجعلنا اللهم ممن تقبلت منهم الصلاة والصيام, والدعاء والسجود والقيام, ومن عتقائك في هذا الشهر الكريم من النار, وأدخلنا الجنة مع الأبرار, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع