الإثنين، 06 ربيع الأول 1446هـ| 2024/09/09م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
تأملات قرآنية (16) جزاء كفر النعمة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تأملات قرآنية (16)
جزاء كفر النعمة

 


إخواننا الكرام, أخواتنا الكريمات:


أيها المؤمنون والمؤمنات: الصائمون والصائمات:


مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:


نحييكم بأطيب تحية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله القائل في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) والصلاة والسلام على رسول الله القائل: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين". ثم أما بعد: فتعالوا معنا أحبتنا الكرام, وهلم بنا نحن وإياكم نتجه إلى مائدة القرآن الكريم نتأمل ونتدبر آياته جل وعلا عسى أن ينفعنا ويرفعنا بما فيه من الذكر الحكيم إلى أعلى الدرجات في جنات النعيم, إنه ولي ذلك والقادر عليه. ومع الآيتين الثانية عشرة بعد المائة والثالثة عشرة بعد المائة من سورة النحل. يقول الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّـهِ فَأَذَاقَهَا اللَّـهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴿١١٢﴾ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴿١١٣﴾. صدق الله العظيم.


قال نخبة من المفسرين: "وضرب الله مثلا بلدة "مكة" كانت في أمان من الاعتداء، واطمئنان مِن ضيق العيش، يأتيها رزقها هنيئًا سهلًا من كل جهة، فجحد أهلُها نِعَمَ الله عليهم، وأشركوا به، ولم يشكروا له، فعاقبهم الله بالجوع، والخوف من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيوشه، التي كانت تخيفهم؛ وذلك بسبب كفرهم وصنيعهم الباطل".


نقول وبالله التوفيق: الحمد لله معز الإسلام بنصره, ومذل الشرك بقهره, ومصرف الأمور بأمره, ومديم النعم بشكره, ومستدرج الكفار بمكره, الذي قدر الأيام دولا بعدله, وجعل العاقبة للمتقين بفضله, وأفاء على عباده من فضله, وأظهر دينه على الدين كله, القاهر فوق عباده فلا يمانع, والظاهر على خليقته فلا ينازع, والآمر بما يشاء فلا يراجع, والحاكم بما يريد فلا يدافع.


معاشر المؤمنين والمؤمنات:


كنت أستمع إلى تلاوة خاشعة بصوت أحد القراء وأنا أستخرج الآية الكريمة الثانية عشرة بعد المائة من سورة النحل, وقد اخترتها لأكتب تأملاتي حولها, فساق الله - جل في علاه - إلى سمعيَ الآياتِ الكريمةَ من الآيةِ الثانيةِ والثلاثين إلى الأربعين من سورة الأنفال, لا أنسى تلك الساعة التي انبعث في أذني صوت فرد رخيم, وهو يرتل: ﴿وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. كان القارئ يملك صوته أتم ما يملك ذو الصوتِ الـمُجَوِّدُ, فكان يتصرف بصوته أحلى ما يتصرف القُمْرِيُّ, وهو ينُوحُ في أنغامِهِ, وبلغ في التجويد كُلَّ مبلغٍ يقدر عليه القادر, يجود الآيات؛ فتتركز معانيها في نفسي وعقلي, وسبحان الله - جل في علاه - فقد أحسست أن هناك رابطا وثيقا, وعلاقة وطيدة بين الآية التي نتأملها وهذه الآيات, وانتابني شعور وإحساس غريب, كأن التاريخ يعيد نفسه, وكأن هذه الآيات التي تنزلت أيام النبي صلى الله عليه وسلم تتحدث عن أهل مكة الذين عاقبهم الله بالجوع والخوف بسبب كفرهم وعنادهم, أحسست كأنها تتنزل الآن, وفي هذه اللحظة تتحدث حكام الحرمين الشريفين ومن شايعهم وناصرهم على ما هم فيه من ضلال وفسق وفجور, فلقد عادوا أعرابا جاهليين جاهليةً أشدَّ من الجاهليةِ الأولى: جحدوا نعم الله تعالى, وخالفوا أوامره, وتعدوا حدوده, وجاهروا بمعاصيهم له, وحاربوا حملة الدعوة, وقتلوا المعارضين لهم, وسجنوا العلماء, وَوالَوا أعداءَ الله يهود, وسفكوا الدم الحرام, فقتلوا المسلمين في اليمن وغيرها, وصدُّوا عن سبيل الله, وأغلقوا بيت الله الحرام أمام المعتمرين, والطائفين, والعاكفين, والركع السجود, وربما يمنعون الحج هذا العام, غير عابئين بقول الله جل في علاه: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّـهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا أُولَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾. ﴿ البقرة ١١٤﴾. بل انطبق عليهم قول الله هذا تمام الانطباق, فصاروا خائفين أشد الخوف, ولحقهم الخزي في الدنيا, والعذاب العظيم في الآخرة ينتظرهم. ليس هذا فحسب, بل ووافقوا على بناء الكنائس والمعابد للوثنيين والهندوس, فخالفوا بذلك هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوصى أن لا يجتمع في جزيرة العرب دينان, ولم يقف الأمر عند هذا الحد, بل سمحوا بجلب الراقصات والمغنيات, واستيراد أنواع الخمور, وفتحوا صالات للرقص, والقمار, وألغوا هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, واستحدثوا بدلا منها هيئة جديدة سموها: "هيئة الترفيه"؛ وهنا في هذا المقام استحضرت قول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾. وقوله: ﴿مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ أي تَصفِيقًا وَتَصفِيرًا. ثم تساءلت: هل هؤلاء الحكام جديرين بالولاية على بيت الله الحرام؟؟ فجاء الجواب من رب العزة: ﴿وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾. أجل يا ربنا, ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾ نسألك اللهم في هذه الليلة المباركة من ليالي هذا الشهر المبارك أن تكتب للمسلمين ميثاق عز ونصر وتمكين تعز به الإسلام وأهله, وتذل به الكفر وأهله. واجعلنا الله ممن قلت فيهم: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾. ﴿الحج٤١﴾.


معاشر المؤمنين والمؤمنات: لقد أعرضت البشرية جمعاء عن منهج الله, وضلت طريق الهدى, والله جل في علاه هو أرحم الراحمين, وأحكم الحاكمين كان قد وعد - ووعده الحق - أن يُعزَّ دينه, وينصُرَ عباده المؤمنين, ولكنْ للهِ تعالى سُنَّةٌ لا تتخلف ذكرها لنا في كتابه العزيز فقال جَلَّ من قائل: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾. ﴿آل عمران ١٤١﴾. لأجل ذلك - والله أعلى وأعلم - أراد أن يرد المؤمنين إليه ردا جميلا, وأن يعرف الناس قدر أنفسهم فلا يعلوا على الله, وأن يَقْدُرُوا اللهَ تعالى حَقَّ قَدرِهِ, فيطيعوا أوامره ويجتنبوا نَواهِيَهُ, فبعث عليهم, وعلى سكان المعمورة عقابًا من عنده, جنديٌّ صغيرٌ من جنود الله لا يرى بالعين أرعب سكان الكرة الأرضية, وبغض النظر عمَّا قيل عن فيروس كورونا من أنه من صنع البشر, فسيظل هذا الفيروس جنديًا من جنود الله, وقد عمهم العقاب جميعًا عُصَاةً وطائعين, انسجامًا واتفاقاً مع قول الله جل في علاه: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾. (الأنفال٢٥) وكان هذا العقاب جزاءً وفاقاً لما اقترفته أيدي الحكام من جرائم وضلالات وآثام, ولسكوت العلماء وعامة الناس عن منكراتهم. خطرت ببالي كل تلك الخواطر وأنا أستمع وأصغي إلى تلك الآيات.


تعالَوا بنا معاشر المؤمنين نستمع إليها ونتدبرها معًا, قال تعالى: (وَإِذْ قَالُوا اللَّـهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٣٢﴾ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴿٣٣﴾ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّـهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٣٤﴾ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴿٣٥﴾ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴿٣٦﴾ لِيَمِيزَ اللَّـهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿٣٧﴾ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ ﴿٣٨﴾ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّـهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّـهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿٣٩﴾ وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ). ﴿الأنفال٤٠﴾.


معاشر المؤمنين والمؤمنات: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:


اللهم اجعل شهر القرآن الكريم هذا, شهر عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين بقيام دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة, واجعلنا اللهمَّ ممَّن يتدبرون آياتك, فيأتمرون بأمرك, وينتهون عن نهيك: يستمعون القول فيتبعون أحسنه, ويقدرونك حق قدرك, ترضى عنهم, ويرضون عنك, واجعلنا اللهم ممن تقبلت منهم الصلاة والصيام, والدعاء والسجود والقيام, ومن عتقائك في هذا الشهر الكريم من النار, وأدخلنا الجنة مع الأبرار, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع