الأربعاء، 25 محرّم 1446هـ| 2024/07/31م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
تأملات قرآنية (20) الله تعالى مجيب دعوة المضطرين

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تأملات قرآنية (20)
الله تعالى مجيب دعوة المضطرين

 


إخواننا الكرام, أخواتنا الكريمات:


أيها المؤمنون والمؤمنات: الصائمون والصائمات:


مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:


نحييكم بأطيب تحية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله القائل في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) والصلاة والسلام على رسول الله القائل: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين". ثم أما بعد: فتعالوا معنا أحبتنا الكرام, وهلم بنا نحن وإياكم نتجه إلى مائدة القرآن الكريم نتأمل ونتدبر آياته جل وعلا عسى أن ينفعنا ويرفعنا بما فيه من الذكر الحكيم إلى أعلى الدرجات في جنات النعيم, إنه ولي ذلك والقادر عليه. ومع الآية الثانية والستين من سورة النمل. يقول الله تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾. ﴿النمل ٦٢﴾. قال نخبة من المفسرين: "أي: هل يجيب المضطرب الذي أقلقته الكروب, وتعسر عليه المطلوب, واضطر للخلاص مما هو فيه إلا الله وحده؟ ومن يكشف السوء أي: البلاء والشر والنقمة إلا الله وحده؟ ومن يجعلكم خلفاء الأرض, يمكنكم منها, ويمد لكم بالرزق, ويوصل إليكم نعمه, وتكونون خلفاء من كان قبلكم, كما أنه سيميتكم, ويأتي بقوم بعدكم, أإله مع الله يفعل هذه الأفعال؟ لا أحد يفعل مع الله شيئا من ذلك حتى بإقراركم أيها المشركون، ولهذا كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله مخلصين له الدين لعلمهم أنه وحده المقتدر على دفعه وإزالته، {قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} أي: قليل تذكركم وتدبركم للأمور التي إذا تذكرتموها ادَّكرتم ورجعتم إلى الهدى، ولكن الغفلة والإعراض شامل لكم؛ فلذلك ما أرعويتم ولا اهتديتم".


معاشر المؤمنين والمؤمنات:


دخل طاوس اليماني على عبيد الله بن أبي صالح يعوده من مرضه، فقال له عبيد الله: ادعُ الله لي يا أبا عبد الرحمن! قال: ادعُ لنفسك، فإنه يجيب المضطر إذا دعاه. وجاء رجُلٌ إلى مالك بن دينار فقال: أنا أسألك بالله أن تدعو لي فأنا مُضْطَرٌّ، فقال: إذًا فاسأله, فإنَّه يُجيبُ المضطَّر إذا دعاه. فمن هو المضطر بحق؟ فاسمع أقوالهم: قال ابن عبَّاس: هو ذو الضَّرورة المجهود, وقال السُّدِّيُّ: الذي لا حول له ولا قوة, وقال ذو النُّون: هو الَّذي قطع العلائق عما دون الله. ومن أنواع المضطرين: المريض، ولذا كان طاووس يقول: دعاء المريض مستجاب، أما سمعت قوله تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾؟


سبحانه وتعالى, فَارجَ الهمِّ, وكاشِفَ الغَمِّ, ومُزيلَ الكَربِ! ومُجيبَ دَعوَةِ المضطرين من الكفرة ممن بارزوه بالعصيان حين عدَّد عليهم نعمه في كتابه العزيز، فقال جل من قائل: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّـهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ﴿٢١﴾ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴿٢٢﴾ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. ﴿يونس ٢٣﴾ فسبحان من أشهد الكفار على إجابته دعوة المضطرين منهم فما بالك بالمضطرين من عباده المؤمنين؟ ولذا قيل في قيمة الاضطرار وأثرها على إصابة سهم الدعاء: خيرُ الدعاء ما هيَّجَته الأحزان. وسبب إجابة دعوة المضطرين هو ما ذكره الإمام القرطبي قال: والسبب في ذلك أنَّ الاضطرار باللُّجُوء إليه سبحانه ينشأ عن الإخلاص, وقطع القلب عما سواه، وللإخلاص عنده سبحانه موقعٌ وذمّةٌ, سواء وُجِدَ ذلك مِنْ مؤمن أو كافر، من طائع أو فاجر.


معاشر المؤمنين والمؤمنات:


انظروا اضطرار سيد الخلق صلى الله عليه وسلم, وتقطع أسبابه يوم بدر لتذوقوا معنى الاضطرار، ثم تقلِّدوا شعوره في دعائكم، وتسلكوا طريقه في رفع حاجاتكم: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه داعيا حتى سقط الرداء عن كتفيه, ورؤي بياض إبطيه، وهو يلهج بالدعاء: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض». فما زال يهتف بها مُستقبِلًا القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر الصديق متأثِّرا بحاله، ثم التزمه من ورائه قائلا: "يا رسول الله! كفاك مناشدتك ربَّك، فإنه سينجز لك ما وعدك".


كان هذا دعاء سيد النبيين وقدوة العالمين وهو يُعلِّم أمته فنَّ الاضطرار, وسبل الافتقار، فما أسرع الخير والمدد بالانهمار. قال تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ﴾. وهنا خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خففة وهو في العريش، ثُمَّ انتبه وقال: «أبشِر يا أبا بكر! أتاك نَصْرُ الله.. هذا جبريل آخِذٌ بِعنان فرس يقوده على ثناياه النَّقع». ولذا جاء في الحِكَم: ما طُلِبَ لك شيءٌ مثل الاضطرار، ولا أسرعَ بالمواهب مثل الذلة والافتقار. إن الاضطرار مالٌ يمنحك الله إياه لتستجلب به أرباحا غزيرة، وإن الاضطرار في قلبك جزء يسير من عطاء رباني ينتظرك, وفضل عظيم ترفل فيه عن قريب، ولذا كانت الشدائد عند المؤمنين مفتاح المواهب, ولعل هذا ما اكتشفه ابن القيم في قيمة كنز الاضطرار الذي أهدته له أيادي المحن، وذلك حين قصَّ تجربته الإيمانية قائلا: "من كمال إحسان الرَّب تعالى أن يُذيق عبده مرارة الكسر قبل حلاوة الجبر، ويُعَرِّفَهُ قَدْرَ نعمته عليه بأن يبتليه بِضِدِّها.


معاشر المؤمنين والمؤمنات:


اسمعوا ماذا كان يقول صلى الله عليه وسلم عندما يُحزِنه شيء في كلمات تعبِّر عن اضطراره وغاية افتقاره: «كان إذا كرَبه أمر قال: يا حي يا قيوم .. برحمتك أستغيث». وهو ما أوصى به ابنته فاطمة في كلمات تنبعث منها حرارة الحاجة ولوعة الفاقة، ثم أوصاها أن تكرِّر ذلك مرتين يوميا كجرعة لازمة واقية من الكروب والأحزان: «ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به؟ أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، وأصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا». وقوله صلى الله عليه وسلم كذلك لأسماء بنت عميس .. يعلِّمها قطع الروابط والعلائق إلا بالله، وذلك بترديد كلمة التوحيد مع كل كرب شديد: «ألا أعلمك كلمات تقولينَهُنَّ عند الكَربِ؟ اللهُ .. اللهُ ربي لا أشرك به شيئًا».


يا خالــــق الخلــــق يا رب العبـــاد ومن ... قــــــد قــــال في محكم التنزيل ادعونــــــي
إنّي دعوتك مُضطــــــــــرا فخُـــذ بيــــدي ... يا جاعل الأمر بين الكاف والنــــــون
نجَّيــــــــــــتَ أيوب من بلـــــواه حين دعا ... بِصَبْــــــرِ أَيُّوبَ يَا ذَا اللُّطــــــفِ نجّيـــــــني
وأطلق سراحي وامنُن بالخلاص كما ... نجَّيتَ من ظلمات البحر ذا النـــــون


معاشر المؤمنين والمؤمنات: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:


اللهم ربَّ كلِّ شيءٍ وَمَلِيكَهُ, ربَّ السماوات والأرض, نسألك يا الله في هذا الشهر الكريم المبارك أن تكرمنا بإقامة دولة الإسلام, وأن تعيننا يا مولانا على أن نقيمها دولة قوية... دولة عظيمة... نقهر بها عدوك وعدونا, ونحتفل بعدها بها في ذكرى قيامها إلى قيام الساعة, رافعي الهامات, رافعي الرؤوس, معتزين بنصرك, يا من بيدك العزة, يا قوي يا عزيز, يا من بيدك النصر, عجل اللهم لنا بالنصر, يا ذا الجلال والإكرام, وحد اللهم صفنا, واهزم خصمنا, وفرّج كربنا, واستجب دعاءنا يا مولانا, اللهم ارحم ضعفنا, واجبر كسرنا, وكن اللهم معنا ولا تكن علينا.


اللهم اجعل شهر القرآن الكريم هذا, شهر عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين بقيام دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة, واجعلنا اللهمَّ ممَّن يتدبرون آياتك, فيأتمرون بأمرك, وينتهون عن نهيك: يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وَيَقْدُرُونَكَ حَقَّ قَدِرك, ترضى عنهم, ويرضون عنك, واجعلنا اللهم ممن تقبلت منهم الصلاة والصيام, والدعاء والسجود والقيام, ومن عتقائك في هذا الشهر الكريم من النار, وأدخلنا الجنة مع الأبرار, وصل اللهم على نبينا المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

آخر تعديل علىالأربعاء, 13 أيار/مايو 2020

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع