- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
مناقب ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(ح18) نعم الراعي عمر رضي الله عنه، ورعيته نعم الرعية
الحَمْدُ للهِ مُنْزِلِ الكِتَابْ، وَمُجْرِي السَّحَابْ، وَهَازِمِ الأَحْزَابِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا محمد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الأَلْبَابْ، وَعَلَى وَزِيرَيهِ: أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقْ، مَنْ لِدَعْوَةِ الحَقِّ استَجَابْ، وَالفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابْ، الحَاكِمِ بِالعَدْلِ، وَالنَّاطِقِ بِالصَّوَابْ، ارزُقنَا الَّلهُمَّ خَلِيفَةً مِثْلَهُ، يَخَافُكَ وَيَتَّقِيكَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَرْضَى عَنْهُ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابْ، وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمرَتِهِمْ، بِرَحْمَتِكَ يَا كَرِيمُ يَا وَهَابْ... آمِينَ يَا رَبَّ العَالَـمِينَ.
أيها المؤمنون:
مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا: "مَنَاقِبُ ثَانِي الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه". وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "نعم الراعي عُمَرُ رضي الله عنه، ورعيته نعم الرعية". نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:
أَرَادَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه الزَّوَاجَ مِنْ أُمِّ كُلثُومٍ رضي الله عنها بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، وَكَانَ حِينَئِذٍ أَمَيرَ المؤْمِنِينَ ... فَبَعَثَ إِلَى أُخْتِهَا السَّيِّدَةِ عائِشَةَ رضي الله عنها ... فَرَحَّبَتْ بِذَلِكَ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رضي الله عنها، وَسَعِدَتْ بِهَذَا الخَبَرِ ... فَأَسْرَعَتْ إِلَى أُخْتِهَا تُبَشِّرُهَا بِالنَّبَأ السَّعِيد ... فَفُوجِئَتْ بِأُمِّ كُلثُومٍ رضي الله عنها تَقُولُ لَهَا: وَمَا أَفْعَلُ بِعُمَرَ؟!!! ذَلِكَ رَجُلٌ خَشِنُ العَيشِ، شَدِيدُ الغِيرَةِ، لَا يَملَأُ رَأْسَهُ إِلَّا الرَّعِيَّةُ .. وَأَنَا شَابَّةٌ أُرِيدُ مَنْ يَصُبُّ عَلَيَّ الحُبَّ صَبًّا، وَيَكُونُ عَابِدًا للهِ.
فَاسْتَنْكَرَتْ عَلَيهَا ذَلِكَ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَائِلَةً: يَا بُنَيَّتِي إِنَّهُ عُمَرُ أَمِيرُ المؤْمِنِينَ ... فَغَضِبَتْ أُمُّ كُلثُومٍ رضي الله عنها، وَقَالَتْ: "وَاللهِ إِنْ لَم تَتْرُكِينِي، لَأَصْرُخَنَّ أَمَامَ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي لَا أُرِيدُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه... فَحَارَتِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رضي الله عنها فِي أَمْرِهَا، فَذَهَبَتْ تَسْتَنْجِدُ بَعَمْروِ بنِ العَاصِ رضي الله عنه تُخبِرُهُ أَنَّهَا حَائِرَةٌ فِي أَمْرِهَا ... فَذَهَبَ عَمْرُو بنُ العَاصِ رضي الله عنه إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، وَقَالَ لَهُ: أَلَا تَتَزَوَّجُ؟ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه بِسَعَادَةٍ: بَلَى، ... فَسَأَلَهُ عَمْرُو بنُ العَاصِ: مِمَّنْ؟ فَرَدَّ عَلَيهِ: أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه ...!! فَرَدَّ عَلَيهِ عَمْرُو بنُ العَاصِ: وَمَا لَكَ، وَتِلْكَ الجَارِيَةَ؟ مَاتَ أَبُوهَا مُنذُ شُهُورٍ؛ فَتَبْكِي لَكَ بِاللَّيلِ، وَالنَّهَارِ تَنْعِي أَبَاهَا ...
فَنَظَرَ إِلَيهِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه نَظْرَةً ذَاتَ مَغْزَى سَائِلًا إِيَّاهُ: أَوَحَدَّثَتْكَ عَائِشَةُ؟ فَرَدَّ عَمْرُو بنُ العَاصِ: نَعَمْ، فَفَهِمُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه، ثُمَّ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ: إِذًا لَا دَاعِيَ لَهَا ...
إِنَّنِي كُلَّمَا قَرَأْتُ سَطرًا مِنْ سُطُورِ هَذِهِ القِصَّةِ، أَحْسَسْتُ بِوُجُودِ دَرْسٍ كَبِيرٍ مِنَ الدُّرُوسِ المسْتَفَادَةِ مِنْ سِيرَةِ الخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، وَعِبْرَةً عَظِيمَةً مِنَ العِبَرِ الكَثِيرَةِ المسْتَنْبَطَةِ مِنْ هَذِهِ السِّيرَةِ العَطِرَةِ ... انْظُرُوا إِلَى جُرْأَةِ هَذِهِ الفَتَاةِ الصَّغِيرَةِ، وَهِيَ تَرفُضُ الزَّوَاجَ مِنْ أَمِيرِ المؤْمِنِينَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه!! وَانْظُرُوا إِلَى هَذَا الـمُجْتَمَعِ الرَّائِعِ الَّذِي تَقَبَّلَ وُجْهَةَ نَظَرِهَا بِاحْتِرَامٍ ...!! وَانظُرُوا إِلَى حُسْنِ تَدْبِيرِ أُمِّنَا السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، هي والصَّحَابِيِّ عَمْرِو بنِ العَاصِ رضي الله عنه فِي إِيجَادِ طَرِيقَةٍ لَبِقَةٍ لِإِبْلَاغِ عُمَرَ رضي الله عنه بِالأَمْرِ ...!! وِانظُرُوا إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، وَهُوَ يَتَقَبَّلُ هَذَا الرَّفْضَ - بِرُوحٍ رِيَاضِيَّةٍ عَالِيَةٍ - كَمَا نُقُولُ فِي عَصْرِنَا - وَهُوَ الفَارُوقُ أَمِيرُ المؤْمِنِينَ-، وَانظُرُوا لِأُمِّ كُلْثُومٍ رضي الله عنها، وَهِيَ تُعْلِنُ دُونَ حَرَجٍ حَاجَتَهَا لِرَجُلٍ يَصُبُّ عَلَيهَا الحُبَّ صَبًّا، دُونَ أَنْ يَتَنَافَى ذَلِكَ مَعَ اشْتِرَاطِهَا لِلدِّينِ حِينَ قَالَتْ: "وَيَكُونَ عَابِدًا للهِ"؛ وَلِهَذَا تَزَوَّجَتْ رضي الله عنها بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابِيِّ طَلْحَةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ رضي الله عنه، وَهُوَ مِنَ العَشَرَةِ المبَشَّرِينَ بِالجَنَّةِ رضي الله عنهم وَأَرضَاهُمْ أَجْمَعِينَ!!
المصدر: القصة أوردها الطبري في كتابه: "تاريخ الطبري" الجزء الثالث (صفحة 720) ووردت في كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير في الجزء السابع صفحة 157
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ: محمد أحمد النادي