- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الميزان
ميزان الفكر والنفس والسلوك
الحلقة العاشرة
فالميزان هو ميزان العدل والاستقامة والطريق المستقيم، ويشمل كل ميزان، فيقاس به الفكر والميل والسلوك، وتقاس به معاملات الناس بعضهم مع بعض، ووردت آيات كثيرة تأمر بالوفاء بالكيل، وبالوزن بالقسطاس المستقيم، وهو جزء من وزن السلوك البشري.
ووردت عشرات الآيات تأمر بالعدل بعمومه، وبعضها يأمر بالعدل خاصاً في أمورٍ معينة، كما وردت آيات تأمر بالقسط، وآيات تأمر بالاستقامة، وآيات تخبر أن ما أنزله الله سبحانه وتعالى هو الصراط المستقيم، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الصراط المستقيم، وتبين آيات أخرى أن هذا الكتاب هو الهدى وهو صراط ربنا المستقيم، وهو الحاكم بالعدل بين الناس في ما اختلفوا فيه، قال سبحانه: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس في ما اختلفوا فيه..)، وأن هذا الكتاب هو الميزان مع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من بيان لما فيه.
وعليه فإن شريعة الله سبحانه وتعالى هي الميزان لحياة الإنسان، هي الميزان لفكره، وهي الميزان لنفسيته، وهي الميزان لسلوكه وتصرفاته، وبحسب هذا الميزان تقاس أفكار الإنسان وميوله وسلوكاته، وفي ما يلي بيان ذلك.
ميزان الفكر
تطلق كلمة الفكر ويراد بها أحد معنيين:
1- الفكر بمعنى التفكير.
2- والفكر بمعنى الأفكار التي هي ناتج عملية التفكير.
وميزان الفكر يشمل المعنيين، وتفصيل ذلك:
أولاً: ميزان الفكر {التفكير}
واقع التفكير أن له أربعة أركان لا يتم بنقص شيء منها وهي:
1- الواقع المراد التفكير فيه.
2- الحواس التي تنقل الواقع إلى الدماغ.
3- الدماغ الصالح للربط.
4- المعلومات السابقة
وتتم عملية التفكير في الواقع المراد التفكير فيه بنقل هذا الواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ الصالح للربط، ويقوم الدماغ بالبحث عن معلومات سابقة مختزنة فيه عن هذا الواقع، فيربط ذلك الواقع بتلك المعلومات المتعلقة به فيفسره ويصدر حكماً عليه.
ولا بد أن يكون الواقع المراد التفكير فيه خارجياً، ومعنى خارجي أنه ليس جزءا من تركيبة الدماغ، ولكنه قد لا يتم التفكير فيه حين نقله، بل قد ينقل ويختزن في الدماغ، ثم يعاد التفكير فيه مرة أخرى، وبهذا لا يزول عنه وصف أنه خارجي، فربما يحصل الإنسان على معلومات عن واقع سبق أن اطّلع عليه من قبل ولم يستطع تفسيره حين مشاهدته، بل يستطيع تفسيره بعد الحصول على معلومات عنه، وفي هذه الحالة لا ينتفي عن المعلومات وصف أنها سابقة، لأن العبرة ليست بالسبق الزمني، بل العبرة بالسبق الترتيبي في عملية التفكير، لأن الإنسان في هذه الحالة بعد حصوله على المعلومات عن ذلك الواقع يستعيد ذلك الواقع في ذهنه ويربطه بالمعلومات الجديدة التي صارت سابقة بالنسبة لذلك الواقع، أي شرطاً لفهمه.
هذا التعريف للتفكير هو فكرة تحتاج إلى ميزان توزن به في الشرع.
وميزان الأفكار يتضمن شرطين:
الأول: مطابقة الفكرة لواقعها، أي صحتها في الواقع بأن يدرك العقل صحتها في الواقع.
الثاني: بناء الفكرة على العقيدة، أو انبثاقها عنها، فالانبثاق أن ترد الفكرة نفسها في مصادر التشريع، كفكرة (الشمس مخلوقة) أو (السموات والأرض مخلوقات) وغير ذلك، أما البناء فموافقة الفكرة للعقيدة وعدم مخالفتها لها. ونترك للأمثلة توضيح ذلك، ولنبدأ بتعريف التفكير.
فتعريف التفكير بهذه الأركان الأربعة، وبهذه الآلية فكرة إسلامية صحيحة، فالعقل يدرك مطابقة تعريف التفكير هذا لواقع التفكير، فالمشاهد المحسوس أن كل البشر يفكرون بهذه الآلية، ينقلون الواقع بحواسهم إلى أدمغتهم، فمن كان لديه معلومات سابقة متعلقة بالواقع أدركه وفهمه وفسره وأصدر حكماً عليه، ومن لم يكن لديه معلومات سابقة متعلقة بذلك الواقع لم يجب ولم يفهم الواقع، وإن أجاب فسيخطئ في ذلك، فالعقل يصدّق هذا التعريف ويدرك انطباقه على واقعه.
كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد- الأردن