- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الميزان
ميزان الفكر والنفس والسلوك
الحلقة الثانية عشرة
ومن ميزان الفكر بمعنى التفكير طريقة التفكير، أي استخدام طريقة تفكير محددة فيما هي له وتصلح له، والابتعاد عن طريقة تفكير أخرى لا تصلح لهذا الأمر، فمن ذلك استخدام الطريقة العقلية في موقعها، واستخدام الطريقة العلمية في مجالها.
فإنه مما ابتليت أمة الإسلام به الغزو الفكري، ومنه تقديس الطريقة العلمية في التفكير، واستخدامُها في كل شيء، فيما تصلح له وفيما لا تصلح له، وكذلك ابتليت بالطريقة المنطقية في التفكير في مرحلة من مراحل تاريخ الأمة الإسلامية.
والفرق بين هاتين الطريقتين والطريقة العقلية أن الطريقة العقلية تستند إلى الملاحظة والاستنتاج، أي النظر في الواقع المبحوث وربطه بالمعلومات السابقة والخروج بنتيجة أي إصدار حكم، وهي الطريقة الأصلية في التفكير.
أما الطريقة العلمية فبالإضافة إلى ركني الطريقة العقلية فإنها تقتضي التجربة، أي: تجربة فملاحظة فاستنتاج، وهذه الطريقة تصلح في بحث الماديات التي تقع تحت الحس مباشرة، ويمكن إخضاعها للتجربة وتغيير ظروفها، كالمواضيع العلمية في الفيزياء والكيمياء مثلا، لكنها لا تصلح لبحث الأفكار أو العقائد أو الأحكام الشرعية، ولا تصلح للحكم على سلوك الفرد ولا على المجتمع، والطريقة الصالحة لكل ذلك هي الطريقة العقلية التي تكفي فيها الملاحظة ثم الاستنتاج بربط الملاحَظة بالمعلومات السابقة.
أما الطريقة المنطقية فهي تستند إلى بناء مقدمات ثم الاستنتاج من المقدمات، وهي فرع من الطريقة العقلية، ويشترط فيها صحة المقدمات وصحة الربط وصحة الاستنتاج، أي استناد المقدمات إلى الحس مع صحتها، ووجوب صحة الاستنتاج، وإلا فهي قابلة للتضليل، وربما أدت إلى نتائج متناقضة، لاحتمال تطرق الخلل إما في المقدمات وإما في الربط بينها والبناء عليها، فقول بعض العلماء المضللين: (الديمقراطية تعني انتخاب الحاكم) مقدمة أولى، والقول: (الإسلام أمر بانتخاب الحاكم) مقدمة ثانية، فالنتيجة المنطقية هي أن (الديمقراطية من الإسلام)، والتضليل وقع في المقدمة الأولى فهي غير صحيحة، وإنه وإن كانت الديمقراطية تتضمن انتخاب الحاكم ولكنها ليست انتخاب الحاكم وحسب، بل إنها تعني أن التشريع للبشر، وهذا عين الكفر، حتى لو كان فيها انتخاب الحاكم، فالنتيجة خاطئة، لخطأ المقدمة الأولى.
بخلاف ما لو قلت في المقدمة الأولى: الديمقراطية تعني إعطاء حق التشريع للبشر، وفي المقدمة الثانية: الإسلام حصر حق التشريع في الله سبحانه وتعالى، فالنتيجة أن الديمقراطية تناقض الإسلام، فالمقدمتان صحيحتان والبناء عليهما صحيح، فانظر إلى محاذير الطريقة المنطقية، علماً أن في الطريقة العقلية ما يغني عن الطريقة المنطقية.
ومن الأخطاء التي وقع فيها بعض الناس استخدامهم الطريقة المنطقية في الغيبيات في مراحل سابقة متقدمة من التاريخ الإسلامي فخرجوا بنتائج لا تليق بالله سبحانه وتعالى، فقاسوا صفاته سبحانه وتعالى على صفات البشر، ونسبوا إليه -حاشاه- علماً محدوداً، وقدرة محدودة، وغير ذلك مما لا يليق بجلاله سبحانه، تعالى الله عما يصفون.
ومن الأخطاء المعاصرة إخضاع الغيبيات للطريقة العلمية، فوجدت فئة من الناس لا تؤمن إلا بما يقع عليه الحس مباشرة، ويريدون إخضاع كل شيء للتجربة وتغيير الظروف ليلاحظوا النتائج، فضلوا وأضلوا وخرجوا بنتائج لا يقر بها العقل السليم، ومن ذلك إخضاعهم السلوك البشري للتجربة، وإخضاعهم السلوك المجتمعي للتجربة، فخرجوا بنتائج فيما يسمى بعلم النفس وعلم التربية وعلم الاجتماع خرجوا بنتائج خاطئة ومتناقضة ولا تطابق واقع الإنسان، علماً أن كل ما سبق يمكن إخضاعه للملاحظة والاستنتاج ولا يمكن إخضاعه للتجربة.
كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد- الأردن