الإثنين، 21 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح3) معنى النهضة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

(ح3)

معنى النهضة

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا أحْكَامَهُ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

02

 

أيها المؤمنون:

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ, وَعُنوَانُهَا: "مَعْنَى النَّهْضَةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ كِتَابِ "نظَامُ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.

 

يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "يَنهَضُ الإِنسَانُ بِمَا عِندَهُ مِنْ فِكرٍ عَنِ الحَيَاةِ وَالكَونِ وَالإِنسَانِ، وَعَن عَلاقَتِهَا جَمِيعِهَا بِمَا قَبْلَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَمَا بَعدَهَا. فَكَانَ لا بُدَّ مِنْ تَغيِيرِ فِكْرِ الإِنسَانِ الحَاضِرِ تَغْيِيراً أسَاسِيًا شَامِلاً، وَإِيجَادِ فِكْرٍ آخَرَ لَهُ حَتَّى يَنهَضَ، لأَنَّ الفِكْرَ هُوَ الَّذِي يُوجِدُ المَفَاهِيمَ عَنِ الأشيَاءِ، وَيُرَكِّزُ هَذِهِ المَفَاهِيمَ. وَالإِنسَانُ يُكَيِّفُ سُلُوكَهُ ِفي الحَيَاةِ بِحَسَبِ مَفَاهِيمِهِ عَنْهَا، فَمَفَاهِيمُ الإِنسَانِ عَنْ شْخْصٍ يُحِبُّهُ تُكيِّفُ سُلُوكَهُ نَحْوَهُ، عَلَى النَّقِيضِ مِنْ سُلُوكِهِ مَعَ شَخْصٍ يُبغِضُهُ وَعِندَهُ مَفَاهِيمُ البُغْضِ عَنْهُ، وَعَلَى خِلافِ سُلُوكِهِ مَعَ شَخْصٍ لا يَعْرِفُهُ وَلا يُوجَدُ لَدَيْهِ أيُّ مَفهُومٍ عَنْهُ، فَالسُّلُوكُ الإِنسَانيُّ مَربُوطٌ بِمَفَاهِيمِ الإِنسَانِ، وَعِنْدَ إِرَادَتِنَا أَنْ نُغَيِّرَ سُلُوكَ الإِنسَانِ المُنخَفِضِ وَنَجْعَلَهُ سُلُوكًا رَاقِيًا لا بُدَّ مِنْ أَنْ نُغَيِّرَ مَفهُومَهُ أَوَّلاً: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)".

 

ونَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: المَعنَى اللُّغَوِيُّ لِكَلِمَةِ "نَهضَة" أنَّهَا اسمٌ, وَجَمْعُهُ: نَهَضَاتٌ (بِفَتْحِ الهَاءِ) وَنَهْضَاتٌ (بِتَسكِينِها). وَالنَّهْضَةُ اسْمُ مَرَّةٍ مِنَ الفِعْلِ "نَهَضَ". وَالنَّهْضَة: الطَّاقةُ والقُوَّةُ. وَالنَّهْضَةُ: الوَثْبةُ فِي سَبِيلِ التَّقَدُّمِ الاجتِمَاعِيِّ أَو غَيرِهِ. نَقُولُ: فُلانٌ كَثِيرُ النَهَضَاتِ: أي كَثِيرُ الحَرَكَةِ.

 

وَنَقُولُ: كَانَ مْنْ فُلانٍ نَهضَةٌ إِلَى الخَيرِ: أيْ حَرَكَةٌ وَهِمَّةٌ. وَبَاعِثُ النَّهْضَةِ: هُوَ أوَّلُ الدُّعَاةِ إِلَيهَا، وَعَصْرُ النَّهضَةِ: أي عَصْرُ التَّجدِيدِ. وَالنَّهْضَةُ: هِيَ الاِنْبِعَاثُ، وَالاِرْتِفَاعُ، وَالتَّجَدُّدُ، وَالتَّقَدُّمُ بَعْدَ التَّأَخُّرِ وَالاِنْحِطَاطِ. وَنَهَضَ فَلانٌ مِنْ نَومِهِ أو مِنْ فِرَاشِهِ: أيْ قَامَ.     

 

03

 

أمَّا النَّهضَةُ اصطِلاحًا؛ فَهِيَ الارتِقاء الفِكْرِيَّ بِالسُّلُوكِ الإِنسَانِي, وَالارتِفَاعَ بِهِ عَنْ مُستَوَى الحَيوَانِ في غَرَائِزِهِ البَهِيمِيَّةِ, فَهَمُّ كُلِّ الحَيوَانَاتِ كَالكِلابِ وَالْحَمِيرِ أكْلَةٌ تَأكُلُهَا, وَشَرْبَةُ مَاءٍ تَشرَبُهَا, وَشَهْوَةٌ غَرَائِزِيَّةٌ تَشتَهِيهَا ثُمَّ تُشبِعُهَا, وَمَأوىً آمِنٌ تَأوِي إِلَيهِ, فَهِيَ تَأكُلُ وَتَشْرَبُ وَتَنَامُ وَتَتَكَاثَرُ, فَإِذَا تَحَقَّقَ لَهَا كُلُّ ذَلِكَ فَعَلَى الدُّنيَا العَفَاءُ!!

 

أمَّا الإِنسَانُ فَقَد شَرَّفَهُ اللهُ تَعَالَى, وَمَيَّزَهُ عَنْ سَائِرِ مَخلُوقَاتِهِ بِالعَقْلِ, وَالبَيَانِ, وَالعِلْمِ, وَالعِبَادَةِ: فَوَهَبَهُ عَقلاً مُفَكِّرًا, قَالَ تَعَالَى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُ‌وا فِي أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى). (الروم 8) وَأعطَاهُ القُدرَةَ عَلَى بَيَانِ مَا يُفَكِّرُ بِهِ, قَالَ تَعَالَى: (الرَّ‌حْمَـٰنُ.عَلَّمَ الْقُرْ‌آنَ.خَلَقَ الْإِنسَانَ.عَلَّمَهُ الْبَيَانَ). (الرحمن 1-4) وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَعْلَمُ, قَالَ تَعَالَى: (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). (العلق 5) وَشَرَّفَهُ بِأنْ خَلَقَهُ لِعِبَادَتِهِ, قَالَ تَعَالَى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). (الذاريات 56) وَلَكِنَّ السُّؤَالَ الَّذِي يَحتَاجُ إِلَى بَيَانٍ هُوَ بِمَ يَنهَضُ الإِنسَانَ؟ لَقَد تَعَدَّدَتِ وَتَشعَّبَتِ الآرَاءُ فِي بَيَانِ طَرِيقِ النَّهضَةِ, فَذَكَرُوا أُمُورًا لَمْ يَصِلُوا فِيهَا إِلَى الطَّرِيقِ المُوصِلَةِ إِلَى النَّهضَةِ الحَقِيقِيَّةِ الصَّحِيحَةِ. فَمِنْ قَائِلٍ: يَنهَضُ الإِنسَانُ بِالأخْلاقِ, وَقَد ذَكَرَ ذَلِكَ بِشِعْرِهِ أمِيرُ الشُّعَرَاءِ أحْمَد شَوقِي حَيثُ قَالَ:

 

صَلاحُ أمْرِكَ  لِلأخْـلاقِ مَرجِعُهُ                 فَقَوِّمِ النَّفْسَ  بِالأخْـلاقِ تَستَقِمِ

وَالنَّفْسُ مِنْ خَيرِهَا فِي خَيرِ عَافِيَةٍ                 وَالنَّفْسُ مِنْ شَرِّهَا فِي مَرتَعٍ وَخِمِ

 

هَذَا مَا قَالَهُ شَوقِي عَلَى صَعِيدِ صَلاحِ الأفرَادِ, أمَّا عَلَى صَعِيدِ صَلاحِ الأُمَمِ فَقَالَ:

 

إنَّمَا الأُمَمُ الأخْـلاقُ مَا بَقِيَتْ                    فَإِنْ همُو ذَهَبَتْ أخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا

وَإِذَا أُصِيبَ القَومُ فِي أخْلاقِهِمْ                     فَأقِـم عَلَيهِمْ مَأتَمًا وَعَويِـلا

 

وَقَد أخَذَ بَعضُ قَادَةِ الحَرَكَاتِ الإِسلامِيَّةِ بِقَولِ أحْمَد شَوقِي هَذَا, فَأسَّسُوا جَمْعِيَّاتٍ خَيرِيَّةً مُهِمَّتُهَا النُّهُوضُ بِالأمَّةِ عَنْ طَرِيقِ الدَّعوَةُ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالأخْلاقِ الفَاضِلَةِ, وَقَد أيَّدُوا مَا قَامُوا بِهِ بِبَعضِ نُصُوصِ القُرآنِ مِنْ مِثلِ قَولِهِ تَعَالَى: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ). (القمر 4) وَبِبَعضِ نُصُوصِ السُّنةِ النَّبوِيَّةِ مِنْ مِثلِ قَولِهِ r: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأخْلاقِ». وَهُنَاكَ مِنْ قَادَةِ الحَرَكَاتِ مَنْ رَأى أنَّ النَّهضَةَ إِنَّمَا تَتِمُّ بِالرُّجُوعِ إِلَى الإِسلامِ, وَدِرَاسَةِ عِلْم الحَدِيثِ لِتَميِيزِ الصَّحِيحِ مِنَ الضَّعِيفِ, وَرَفَعُوا شِعَارَاتٍ عَامَّةٍ مُبهمَةٍ غَيرِ وَاضِحَةٍ, وَغَيرِ مُحَدَّدَةٍ مِنْ مِثْلِ: "الإِسلامُ هُوَ الحَلُّ" وَمِنهُمْ مَنْ دَعَا إِلَى حَمْلِ الدَّعوَةِ إِلَى الإِسلامِ بِشَكْلٍ مَفتُوحٍ يَقُولُونَ: "إِنَّ نَجَاحَنَا وَفَلاحَنَا بِاتِّبَاعِ أوَامِرِ اللهِ وَعَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللهِ, وَإِذَا سَألتَهُ عَنْ أوَامِرِ اللهِ فَإِنَّهُ يَنتَقِي مِنْهَا الأوَامِرَ المُتَعَلِّقَةَ بِالأحوَالِ الشَّخصِيَّةِ التي تَهُمُّ الفَردَ, وَإِذَا سَألتَهُ عَنْ طَرِيقِ رَسُولِ اللهِ أجَابَكَ بِكَلامٍ عَامٍّ غَيرِ مُحَدَّدٍ, يَقُولُ لَكَ: إِنَّنَا نَدعُوكَ لِسَمَاعِ كَلامِ الدِّينِ وَالإِيمَانِ. وَمِنْ قَائِلٍ: يَنهَضُ الإِنسَانَ بِسُلُوكِهِ سَبِيلَ الفُنُونِ, وَصَاحِبُ هَذَا الرَّأيِ هُوَ الشَّاعِرُ مَعرُوفٌ الرُّصَافِيُّ فَهُوَ يَقُولُ:

 

إِنْ رُمْتَ عَيشًا نَاعِمًا وَرَقِيقَـا                  فَاسلُكْ إِلَيهِ مِنَ الفُنُونِ طَريقَـا

وَاجْعَلْ حَيَاتَـكَ غَضَّةً بِالشَّعْرِ                  وَالتَّمثِيلِ وَالتَّصوِيـرِ وَالمُوسِيقَا

تِلْكَ الفُنُونُ المُشتَهَـاةُ هِيَ الَّتِي                  غُصْنُ الحَيَاةِ بِهَا يَكُونُ وَرِيقَـا

وَهِيَ الَّتِي تَجلُو النُّفُوسَ فَتمتَلِي                  مِنهَا الوُجُوهُ تَلألُـؤًا وَبَرِيقَـا

 

وَمِنهُمْ مَنْ قَالَ: "إِنَّ الشُّعُوبَ لا تَرقَى إِلاَّ بِالرِّيَاضَةِ" وَصَاحِبُ هَذَا الرَّأيِ هُوَ الشَّاعِرُ عَلِي الجُندِيّ حَيثُ قَالَ مُتَحَدِّثًا عَنِ الرِّيَاضَةِ:

 

هَيهَاتَ أنْ تَرقَى الشُّعُوبُ بِدُونِهَا               وَهِيَ السَّبِيـلُ إِلَى عُلُـوِّ الشَّانِ

فَحَيَاتُنَـا بَحْـرٌ خِضَـمٌّ زَاخِـرٌ               خَاضَ القَـوِيُّ غِمَـارَهُ بِأمَـانِ

إِنْ صَحَّتِ الأجْسَامُ أطْلَعَتِ النُّهَى                ثَمَـرَ المَعَارِفِ يَانعـًا لِلجَـانِي

مَا العَقلُ إِلاَّ فِي السَّلِيمِ فَمَنْ يَكُنْ                ذَا عِلَّـةٍ لَـم يَحْـظَ بِالعِرفَـانِ

 

وَمِنهُمْ مَنْ يَرَى أنَّ النُّهُوضَ يَتَحَقَّقُ بِالقُوَّةِ والثَّورَةِ المُسَلَّحَةِ, فَقَامُوا بِإنشَاءِ وَتَأسِيسِ المُنَظَّمَاتِ الفِدَائِيَّةِ وَالجَمَاعَاتِ المُسَلَّحَةِ وَصَاحِبُ هَذَا الرَّأيِ الشَّاعِرُ العِرَاقِي مُحَمَّد مَهدِي الجَوَاهِرِي الَّذِي قَالَ:   

بِالمَدفَـعِ استَشهِـدِي إِنْ كُنتِ نَاطِقَـةً     أو رُمْتِ أنْ تُسمِعِي مَنْ يَشتَكِي الصَّمَمَا

سَلِي الحَوَادِثَ وَالتَّارِيـخَ هَـلْ عَرَفَـا     حَقـًّا وَرأيـًا بِغَـيرِ القُـوَّةِ احتُرِمَـا

لا تَطلُبِي مِـنْ يَـد الجَبَّـار مَرْحَمَـةً      ضَعِـي عَلَى هَامَـةٍ جَبَّـارَةٍ قَدَمَــا

 

وَمِنهُمْ مَنْ يَرَى أنَّ النُّهُوضَ يَتَحَقَّقُ بِإِقَامَةِ رَوَابِطَ تَربِطُ بَينَ الإِنسَانِ وَالإِنسَانِ, فَقَامُوا بِتَأسِيسِ الأحزَابِ الوَطَنِيَّةِ وَالقَومِيَّةِ. وَهَكَذَا تَعَدَّدَتْ وَتَشعَّبَتِ الآرَاءُ فِي بَيَانِ طَرِيقِ النَّهضَةِ, فَمِنْ قَائِلٍ: "يَنهَضُ الإِنسَانُ بِالأخْلاقِ", وَمِنْ قَائِلٍ: "يَنهَضُ الإِنسَانَ بِسُلُوكِهِ سَبِيلَ الفُنُونِ", وَمِنهُمْ مَنْ قَالَ: "إِنَّ الشُّعُوبَ لا تَرقَى إِلاَّ بِالرِّيَاضَةِ", وَلَكِنَّهُمْ جَمِيعًا ذَكَرُوا أمُورًا فَرعِيَّةً لا عَلاقَةَ لَهَا بِالنَّهضَةِ, ولَمْ يُرْجِعُوا المَسألَةَ إِلَى أصلِهَا أو أسَاسِهَا لِيَصِلُوا إِلَى الطَّرِيقِ المُوصِلَةِ إِلَى النَّهضَةِ الحَقِيقِيَّةِ الصَّحِيحَةِ, الَّتِي تَوَصَّلَ إِلَيهَا الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ مِنْ خِلالِ العُلُومِ الشَّرعِيَّةِ الَّتِي تَلَقَّاهَا فِي الأزْهَرِ الشَّرِيفِ, وَمِنْ خِلالِ دِرَاسَاتِهِ العَمِيقَةِ المُستَفِيضَةِ وَالمُستَنِيرَةِ, ألا وَهِيَ الفِكْرُ الأسَاسِيُّ الشَّامِلُ الَّذِي يُبنَى عَلَيهِ كُلُّ فِكْرٍ, وَيَنبَثِقُ عَنهُ نِظَامٌ يُعَالِجُ جَمِيعَ مَشَاكِلِ الإِنسَانِ, أيِ الفِكْرُ المَبدَئِيُّ المُستَنِدُ إِلَى عَقِيدَةٍ. حَيثُ قَالَ فِي مُستَهَلِّ كِتَابِهِ: "نِظَامُ الإِسلامِ": "يَنهَضُ الإِنسَانُ بِمَا عِندَهُ مِنْ فِكرٍ عَنِ الحَيَاةِ وَالكَونِ وَالإِنسَانِ، وَعَن عَلاقَتِهَا جَمِيعِهَا بِمَا قَبْلَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَمَا بَعدَهَا".

 

حَقًّا إِنَّ هَذِهِ هِيَ النَّهضَةُ الحَقِيقِيَّةُ الصَّحِيحَةُ بِمَا عِندَ الإِنسَانِ مِنْ فِكْرٍ عَنْ الكَونُ وَالإِنسَانُ وَالحَيَاةُ. هَذِهِ الثَّلاثَةُ الأسَاسِيَّةُ تَندَرِجُ تَحْتَهَا كُلُّ الأشيَاءِ الفَرعِيَّةِ المُدرَكَةِ المَحْسُوسَةِ الَّتِي يَنطَلِقُ مِنهَا مَنْ يُفَكِّرُ بِالنُّهُوضِ؛ كَي يَصِلَ فِي النِّهَايَةِ إِلَى القَاعِدَةِ الفِكرِيَّةِ الَّتِي يُبنَى عَلَيهَا كُلُّ فَكْرٍ, أي إِلَى المَبدَأ  الَّذِي هُوَ العَقِيدَةُ العَقلِيَّةُ الَّتِي يَنبَثِقُ عَنهَا نِظَامٌ يُعَالِجُ جَمِيعَ مَشَاكِلِ الإِنسَانِ حِينَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ النُّهُوضِ.

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع