- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من نظام الإسلام
(ح19)
الإيمان الآتي عن طريق العقل ركيزة الإيمان بالمغيبات كلها
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بُلُوغُ المَرَامْ مِنْ نِظَامِ الإِسلامْ" وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ, وَعُنوَانُهَا: "الإِيمَانُ الآتِي عَنْ طَرِيقِ العَقْلِ رَكِيزَةُ الإِيمَانِ بِالمُغَيَّبَاتِ كُلِّهَا". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتَينِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَالثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ كِتَابِ "نظَامِ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "وعَلَى ذَلِكَ كَانَ الإيمَانُ بِاللهِ آتِياً عَنْ طَرِيقِ العَقْلِ، وَلا بُدَّ مِنْ أنْ يَكُونَ هَذَا الإِيمَانُ عَنْ طَرِيقِ العَقلِ. فَكَانَ بِذَلِكَ الرَّكِيزَةَ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا الإِيمَانُ بِالْمُغَيَّباتِ كُلِّهَا وبِكُلِّ ما أَخْبَرَنَا اللهُ بهِ، لأنَّنَا مَا دُمْنَا قَدْ آمَنَّا بِهِ تَعَالَى وَهُوَ يَتَّصِفُ بِصِفَاتِ الأُلُوهِيَّةِ يَجِبُ حَتمًا أنْ نُؤمِنَ بِكُلِّ مَا أخْبَرَ بِهِ سَوَاءٌ أدْرَكَهُ العَقْلُ أو كَانَ مِنْ وَرَاءِ العَقْلِ، لأنَّهُ أخَبَرَنَا بِهِ اللهُ تَعَالَى. وَمِنْ هُنَا يَجِبُ الإِيمَانُ بِالبَعْثِ وَالنُشُورِ وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالحِسَابِ وَالعَذابِ، وَبِالملائِكَةِ وَالجِنِّ وَالشَّياطِينِ وَغَيرِ ذَلِكَ، مِمَّا جَاءَ بِالقُرآنِ الكَريمِ أو بِحَدِيثٍ قَطْعِيٍّ. وَهَذَا الإِيمَانُ وَإِنْ كَانَ عَنْ طَرِيقِ النَّقلِ وَالسَّمْعِ لَكِنَّهُ فِي أصْلِهِ إِيمَانٌ عَقْلِيٌّ، لأنَّ أصْلَهُ ثَبَتَ بِالعَقْلِ. وَلِذَلكَ كَانَ لا بُدَّ مِنْ أنْ تَكُونَ العَقِيدَةُ لِلمُسلِمِ مُستَنِدَةً إِلَى العَقْلِ أو إِلَى مَا ثَبَتَ أَصْلُهُ عَنْ طَرِيقِ العَقْلِ.
فَالْمُسلِمُ يَجِبُ أَنْ يَعتَقِدَ مَا ثَبَتَ لَهُ عَنْ طَريقِ العَقْلِ أو طَرِيقِ السَّمْعِ اليَقِينِيِّ الْمَقطُوعِ بِهِ، أي مَا ثَبَتَ بِا لقُرآنِ الكَرِيمِ وَالحَدِيثِ الْقَطْعِيِّ وَهُوَ الْمُتَوَاتِرُ، وَمَا لَمْ يَثبُتْ عَنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ: العَقْلِ وَنَصِّ الكِتَابِ وَالسُنَّةِ القَطعِيَّةِ، يَحْرُمُ عَلَيهِ أنْ يَعتَقِدَهُ، لأنَّ العَقَائِدَ لا تُؤخَذُ إِلا عَنْ يَقِينٍ. وَعَلَى ذَلِكَ وَجَبَ الإِيمَانُ بِمَا قَبلَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَهُوَ اللهُ تَعَالَى، وَبِمَا بَعدَهَا وَهُوَ يَومُ القِيَامَةِ. وَبِمَا أنَّ أوَامِرَ اللهِ هِيَ صِلةُ مَا قَبْلَ الحَيَاةِ بِالحَيَاةِ بِالإِضَافَةِ إِلَى صِلَةِ الخلْقِ، وَأنَّ الْمُحَاسَبَةَ عَمَّا عَمِلَ الإِنسَانُ فِي الحَيَاةِ صِلَةُ مَا بَعْدَ الحيَاةِ بِالحيَاةِ بِالإِضَافَةِ إِلَى صِلَةِ البَعْثِ وَالنُشُورِ، فَإِنَّهُ لا بُدَّ مِنْ أنْ تَكُونَ لِهَذِهِ الحَيَاةِ صِلَةٌ بِمَا قَبلَهَا وَمَا بَعدَهَا، وَأنْ تَكُونَ أحْوَالُ الإِنسَانِ فِيهَا مُقيَّدةً بِهَذِهِ الصِّلَةِ، فَالإِنسَانُ إِذَنْ يَجِبُ أنْ يَكُونَ سَائِرًا فِي الحَيَاةِ وَفْقَ أنظِمَةِ اللهِ، وَأنْ يَعتَقِدَ أنَّهُ يُحَاسِبُهُ يَومَ القِيَامَةِ عَلَى أعْمَالِهِ فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا. وَبِهَذَا يَكُونُ قَدْ وُجِدَ الفِكرُ المُستَنِيرُ عَمَّا وَرَاءَ الكَونِ وَالحَيَاةِ وَالإِنسَانِ، وَوُجِدَ الفِكرُ الْمُستَنِيرُ أيضًا عَمَّا قَبلَ الْحَيَاةِ وَعَمَّا بَعْدَهَا، وَأنَّ لَهَا صِلَةً بِمَا قَبلَهَا وَمَا بَعدَهَا. وَبِهَذَا تَكُونُ العُقْدَةُ الكُبْرَى قَد حُلَّتْ جَمِيعُهَا بِالعَقِيدَةِ الإِسلامِيَّةِ".
ونَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: كَثِيرًا مَا كَانَتْ تَجرِي بَينَ النَّاسِ مُنَاقَشَاتٌ عَقِيمَةٌ, وَغَيرُ مُجدِيَةٍ فِي مَسَائِلَ فَرعِيَّةٍ دُونَ أنْ يُكُونُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى المَسألَةِ الأسَاسِيَّةِ, فَلا يَصِلُونَ إِلَى نَتِيجَةٍ, بَلْ يَبقَى كُلُّ فَرِيقٍ مُتَمَسِّكًا بِرَأيِهِ, وَلا يَستَطِيعُ أحَدُ الفَرِيقَينِ إِقتَاعَ الفَرِيقِ الآخَرِ بِرَأيِهِ, وَذَلِكَ لأنَّ نِقَاشَهُمْ يَفقِدُ الأسَاسَ الَّذِي يَنبَنِي عَلَيهِ. فَالشُّيوعِيُّونَ مَثلاً لا يُؤمِنُونَ وَلا يَعتَقِدُونَ إِلاَّ بِمَا هُوَ مَادِيُّ وَمَحْسُوسٌ, وَمِنَ الخَطَأ مُنَاقَشَتُهُمْ بِوُجُودِ المَلائِكَةِ, وَوُجُودِ الجَنَّةِ وَالنَّار, وَوُجُودِ اليَومِ الآخِرِ؛ لأنَّ هَذِهِ المَسَائِلَ الغَيبِيَّةَ مُتَفَرِّعَةٌ عَنِ المَسألَةِ الأسَاسِيَّةِ, وَهِيَ مَسألَةُ إِثبَاتِ وُجُودِ الخَالِقِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فَمَنْ يُرِيدُ مُنَاقَشَةَ الشُّيوعِيِّينَ أوِ المُلحِدِينَ فِي هَذِهِ المَسَائِلِ الفَرعِيَّةِ, عَلَيهِ أوَّلاً أنْ يَحسِمَ مَعَهُمْ مَسألَةَ إِثبَاتِ وُجُودِ الخَالِقِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وَأنْ يَسِيرَ مَعَهُمْ فِي النِّقَاشِ العَقْلِيِّ المُستَنِيرِ عَلَى مَنهَجِ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي كِتَابِهِ "نِظَامِ الإِسلامِ" مُتِّبِعًا الخُطْوَاتِ الثَّلاثَةَ الآتِيَةَ خُطْوَةً خُطْوَةً, لا يَنتَقِلُ مِنْ خُطوَةٍ إِلَى أخْرَى إِلاَّ إِذَا سَلَّمَ الخَصْمُ تَسلِيمًا كَامِلاً وَمُطلَقًا بِالخُطْوَةِ الَّتِي سَبَقَتْهَا, فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أوجَدَ الأسَاسَ القَوِيَّ لِمُنَاقَشَةِ الْمَسَائِلِ الفَرعِيَّةِ, بَلْ سَيُصبِحُ فِي غِنًى عَنْ مُنَاقَشَتِهَا, لأنَّ الفَرْعَ يَتبَعُ الأصْلُ فِي ثُبُوتِهِ, فَإِذَا ثَبَتَ الأصْلُ ثَبَتَ الفَرْعُ, وَالعَكْسُ صَحِيحٌ, وَهَذِهِ الخُطُوَاتُ هِيَ:
أولاً: إِثبَاتُ وُجُودِ الخَالِقِ.
ثانيًا: إثبَاتُ الحَاجَةِ إِلَى الرُّسُلِ, وَإِثبَاتُ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.
ثالثًا: إثبَاتُ أنَّ القُرآنَ مِنْ عِندِ اللهِ تَعَالَى.
فَإِذَا اتَّبَعَ حَامِلُ الدَّعوَةِ هَذَا الْمَنهَجَ فِي النِّقَاشِ مَعَ الشُّيوعِيِّينَ وَالمُلحِدِينَ, فَإِنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ قَد نَجَحَ نَجَاحًا بَاهِرًا مُنقَطِعَ النَّظِيرِ فِي إِقنَاعِهِمْ بُوُجُودِ المَلائِكَةِ, وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ, وَاليَومِ الآخِرِ, بَلْ وَسَائِرِ المُغَيَّبَاتِ, وَمَا عَلَيهِ إِلاَّ أنْ يَتلُوَ عَلَيهِمُ الآيَاتِ الَّتِي تتَضَمَّنُ الحَدِيثَ عَنْهَا مِثْلَ قَولِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). (التحريم 6) وَيَتلُو عَلَيهِمْ مِثلَ قَولِهِ تَعَالَى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ). (الانفطار 13- 19) وَيَتلُو عَلَيهِمْ مِثلَ قَولِهِ تَعَالَى: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ). (سورة يس 55- 58). فَإِذَا تَلا عَلَيهِمْ مِثْلَ تِلْكَ الآيَاتِ بَعدَ أنْ كَانَ قَد اتَّبَعَ تِلْكَ الخُطُوَاتِ, فَإِنَّهُمْ لا يَملِكُونَ إِلاَّ أنْ يَرفَعُوا أيدِيَهُمْ مُستَسلِمِينَ, وَلا يَملِكُونَ إِلاَّ أنْ يَقُولُوا: "إنَّ قَولَ اللهِ تَعَالَى عَلَى أعيُنِنَا, وَفَوقَ رُؤُوسِنَا". وَذَلِكَ مِثلَمَا فَعَلَ طُلابِي الشُّيوعِيُونَ الَّذِينَ كُنتُ أدَرِّسُ لَهُمْ مَادَّةَ التَّربِيَةَ الإِسلامِيَّةَ, وَكَانُوا مُنكِرِينَ لِوُجُودِ الخَالِقِ وَرَفَضُوا - وَحُقَّ لهُمْ – أن يَرفُضُوا الاستِمَاعَ إِلَى دَرْسٍ كَانَ بِعُنوَانِ: "المَسحِ عَلَى الخُفَّينِ" قَبْلَ أنْ يُوجَدَ فِي عُقُولِهِمُ الإِيمَانُ القَوِيُّ الرَّاسِخُ بِوُجُودِ الخَالِقِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
فَإِذَا كَانَ الإيمَانُ بِاللهِ آتِياً عَنْ طَرِيقِ العَقْلِ، وَلا بُدَّ مِنْ أنْ يَكُونَ كَذَلِكَ, كَانَ هَذَا الإِيمَانُ الرَّكِيزَةَ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا الإِيمَانُ بِالْمُغَيَّباتِ كُلِّهَا وبِكُلِّ ما أَخْبَرَنَا اللهُ بهِ، لأنَّنَا مَا دُمْنَا قَدْ آمَنَّا بِهِ تَعَالَى وَهُوَ يَتَّصِفُ بِصِفَاتِ الأُلُوهِيَّةِ يَجِبُ حَتمًا أنْ نُؤمِنَ بِكُلِّ مَا أخْبَرَ بِهِ, سَوَاءٌ أدْرَكَهُ العَقْلُ أو لَمْ يُدرِكْهُ، لأنَّهُ أخَبَرَنَا بِهِ اللهُ تَعَالَى. وَهَذَا مَا يُعَبَّرُ عَنهُ فِي عِلْمِ أُصُولِ الفِقْهِ: "مَا يَقتَضِيهِ صِدْقُ المُتَكَلِّمِ المَقطُوعِ بِصِدقِهِ شَرعًا وَهُوَ اللهُ تَعَالَى". وَمِنْ هُنَا يَجِبُ الإِيمَانُ بِالبَعْثِ وَالنُشُورِ وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالحِسَابِ وَالعَذابِ، وَبِالملائِكَةِ وَالجِنِّ وَالشَّياطِينِ وَغَيرِ ذَلِكَ، مِمَّا جَاءَ بِالقُرآنِ الكَريمِ أو بِحَدِيثٍ قَطْعِيٍّ. وَهَذَا الإِيمَانُ وَإِنْ كَانَ عَنْ طَرِيقِ النَّقلِ وَالسَّمْعِ لَكِنَّهُ فِي أصْلِهِ إِيمَانٌ عَقْلِيٌّ، لأنَّ أصْلَهُ ثَبَتَ بِالعَقْلِ. وَلِذَلكَ كَانَ لا بُدَّ مِنْ أنْ تَكُونَ العَقِيدَةُ لِلمُسلِمِ مُستَنِدَةً إِلَى العَقْلِ أو إِلَى مَا ثَبَتَ أَصْلُهُ عَنْ طَرِيقِ العَقْلِ. فَالْمُسلِمُ يَجِبُ أَنْ يَعتَقِدَ مَا ثَبَتَ لَهُ عَنْ طَريقِ العَقْلِ أو طَرِيقِ السَّمْعِ اليَقِينِيِّ الْمَقطُوعِ بِهِ، أي مَا ثَبَتَ بِالقُرآنِ الكَرِيمِ وَالحَدِيثِ الْقَطْعِيِّ وَهُوَ الْمُتَوَاتِرُ، وَمَا لَمْ يَثبُتْ عَنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ: العَقْلِ وَنَصِّ الكِتَابِ وَالسُنَّةِ القَطعِيَّةِ، يَحْرُمُ عَلَيهِ أنْ يَعتَقِدَهُ، لأنَّ العَقَائِدَ لا تُؤخَذُ إِلا عَنْ يَقِينٍ.
وَعَلَى ذَلِكَ وَجَبَ الإِيمَانُ بِمَا قَبلَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَهُوَ اللهُ تَعَالَى، وَبِمَا بَعدَهَا وَهُوَ يَومُ القِيَامَةِ. وَبِمَا أنَّ أوَامِرَ اللهِ هِيَ صِلةُ مَا قَبْلَ الحَيَاةِ بِالحَيَاةِ بِالإِضَافَةِ إِلَى صِلَةِ الخلْقِ، وَأنَّ الْمُحَاسَبَةَ عَمَّا عَمِلَ الإِنسَانُ فِي الحَيَاةِ صِلَةُ مَا بَعْدَ الحيَاةِ بِالحيَاةِ بِالإِضَافَةِ إِلَى صِلَةِ البَعْثِ وَالنُشُورِ، فَإِنَّهُ لا بُدَّ مِنْ أنْ تَكُونَ لِهَذِهِ الحَيَاةِ صِلَةٌ بِمَا قَبلَهَا وَمَا بَعدَهَا، وَأنْ تَكُونَ أحْوَالُ الإِنسَانِ فِيهَا مُقيَّدةً بِهَذِهِ الصِّلَةِ، فَالإِنسَانُ إِذَنْ يَجِبُ أنْ يَكُونَ سَائِرًا فِي الحَيَاةِ وَفْقَ أنظِمَةِ اللهِ، وَأنْ يَعتَقِدَ أنَّهُ يُحَاسِبُهُ يَومَ القِيَامَةِ عَلَى أعْمَالِهِ فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا. وَبِهَذَا يَكُونُ قَدْ وُجِدَ الفِكرُ المُستَنِيرُ عَمَّا وَرَاءَ الكَونِ وَالحَيَاةِ وَالإِنسَانِ، وَوُجِدَ الفِكرُ الْمُستَنِيرُ أيضًا عَمَّا قَبلَ الْحَيَاةِ وَعَمَّا بَعْدَهَا، وَأنَّ لَهَا صِلَةً بِمَا قَبلَهَا وَمَا بَعدَهَا. وَبِهَذَا تَكُونُ العُقْدَةُ الكُبْرَى قَد حُلَّتْ جَمِيعُهَا بِالعَقِيدَةِ الإِسلامِيَّةِ".
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.