- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من نظام الإسلام
(ح23)
القضاء
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بُلُوغُ المَرَامْ مِنْ نِظَامِ الإِسلامْ" وَمَعَ الحَلْقَةِ العِشْرُونَ, وَعُنوَانُهَا: "القَضَاءُ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ مِنْ كِتَابِ "نظَامِ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "والمدقِّقُ في الأفعالِ يرَى أَنَّ الإنسانَ يعيشُ في دائرَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا يُسَيطِرُ عَلَيْهَا، وَهِيَ الدَّائِرَةُ الَّتِي تَقَعُ فِي نِطَاقِ تَصَرُّفَاتِهِ وَضِمْنَ نطَاقِهَا تحصُلُ أفعالُهُ الَّتِي يَقُومُ بِهَا بِمَحْضِ اختِيَارِهِ، وَالأُخْرَى تُسَيْطِرُ عَلَيْهِ، وَهِيَ الدَّائِرَةُ الَّتِي يَقَعُ هُوَ فِي نِطَاقِهَا, وَتَقَعُ ضِمْنَ هَذِهِ الدَّائِرَةِ الأفعَالُ الَّتِي لا دَخْلَ لَهُ بِهَا، سَوَاءٌ أَوَقَعَتْ مِنْهُ أمْ عليهِ. فَالأفعَالُ الَّتِي تَقَعُ فِي الدَّائِرَةِ الَّتِي تُسَيطِرُ عَلَيهِ لا دَخْلَ لَهُ بِهَا وَلا شَأْنَ لَهُ بِوُجُودِهَا، وَهِيَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ يَقتَضِيهِ نِظَامُ الوُجُودِ، وَقِسْمٌ تَقَعُ فِيهِ الأفعَالُ الَّتِي لَيسَتْ فِي مَقدُورِهِ وَالَّتِي لا قِبَلَ لَهُ بِدَفْعِهَا, وَلا يَقتَضِيهَا نِظَامُ الوُجُودِ. أمَّا مَا تَقْتَضيهِ أنْظِمَةُ الوُجودِ فَهُوَ يخْضَعُ لَهَا؛ وَلِذَلِكَ يَسِيرُ بِحَسْبِهَا سَيرًا جَبْرِيًّا؛ لأنَّهُ يَسِيرُ مَعَ الكَونِ وَمَعَ الحيَاةِ طِبْقَ نِظَامٍ مَخْصُوصٍ لا يَتَخَلَّفُ. وَلِذَلِكَ تَقَعُ الأعْمَالُ فِي هَذِهِ الدَّائِرَةِ عَلَى غَيرِ إِرَادَةٍ مِنْهُ، وَهُوَ فِيهَا مُسَيَّرٌ وَلَيْسَ بِمُخَيَّرٍ. فَقَدْ أَتَى إِلَى هَذِهِ الدُّنيَا عَلَى غَيرِ إِرَادَتِهِ، وَسَيَذْهَبُ عَنْهَا عَلَى غَيرِ إِرَادَتِهِ، وَلا يَستَطِيعُ أنْ يَطِيرَ بِجِسمِهِ فَقَطْ فِي الهَوَاءِ، وَلا أنْ يَمشِيَ بِوَضْعِهِ الطَّبِيعِيِّ عَلَى المَاءِ، وَلا يُمْكِنُ أنْ يَخلُقَ لِنَفسِهِ لَونَ عَينَيْهِ، وَلَمْ يُوْجِدْ شَكْلَ رَأْسِهِ، وَلا حَجْمَ جِسْمِهِ، وَإنَّمَا الَّذِيْ أوْجَدَ ذَلِكَ كُلَّهُ هُوَ اللهُ تَعَالَى دُونَ أنْ يَكُونَ لِلْعَبدِ المَخلُوقِ أيُّ أثرٍ وَلا أيَّةُ عَلاقَةٍ فِي ذَلِكَ، لأنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ نِظَامَ الوُجُودِ، وَجَعَلَهُ مُنَظِّماً لِلوُجُودِ، وَجَعَلَ الوُجُودَ يَسِيرُ حَسَبَهُ, وَلا يَملِكُ التَّخَلُّفَ عَنهُ. وَأمَّا الأفعَالُ الَّتِي لَيسَتْ فِي مَقدُورِهِ، وَالَّتِي لا قِبَلَ لَهُ بِدفْعِهَا، وَلا يَقْتَضِيهَا نِظَامُ الوُجُودِ فَهِيَ الأفعَالُ الَّتِي تَحْصُلُ مِنَ الإِنسَانِ أوْ عَلَيهِ جَبْرًا عَنْهُ، وَلا يَملِكُ دَفْعَهَا مُطْلَقَاً، كَمَا لَوْ سَقَطَ شَخْصٌ عَنْ ظَهْرِ حَائِطٍ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ فَقَتَلَهُ، وَكَمَا لَو أطلقَ شَخْصٌ النارَ عَلَى طَيرٍ فَأصَابَتْ إِِنسَاناً لَمْ يَكُنْ يَعلَمُهُ فَقَتَلَهُ، وَكَمَا لَوْ تَدَهْوَرَ قِطَارٌ أوْ سَيَارةٌ أو سَقَطَتْ طائرةٌ لِخَلَلٍ طَارِئٍ لَمْ يَكُنْ بِالإمكَانِ تَلافِيهِ, فَتَسَبَّبَ عَنْ هَذَا التَّدَهْوُرِ وَالسُّقُوطِ قَتْلُ الرُّكَّابِ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ، فَإنَّ هَذِهِ الأفعَالَ الَّتِي حَصَلَتْ مِنَ الإِنسَانِ أوْ عَلَيهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَيسَتْ مِمَّا يَقتَضِيهِ نِظَامُ الوُجُودِ، وَلَكنَّهَا وَقَعَتْ مِنَ الإِنسَانِ أوْ عَلَيْهِ عَلَى غَيِر إِرَادَةٍ مِنْهُ، وَهِيَ لَيسَتْ فِي مَقْدورِهِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الدَّائِرَةِ الَّتِي تُسَيطِرُ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ الأفعَالُ كُلُّهَا الَّتِي حَصَلَتْ فِي الدَّائِرَةِ الَّتِي تُسَيطِرُ عَلَى الإِنسَانِ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى قَضَاءً، لأنَّ اللهَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي قَضَاهُ. وَلِذَلِكَ لا يُحَاسَبُ العَبدُ عَلَى هَذِهِ الأفعَالِ مَهْمَا كَانَ فيهَا منْ نَفْعٍ أوْ ضُرٍّ أوْ حُبٍّ أوْ كراهِيَّةٍ بِالنِّسبَةِ لِلإنسَانِ، أيْ مَهْمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خَيرٍ وَشَرٍ حَسَبَ تَفسِيرِ الإِنسَانِ لَهَا، وَإِنْ كَانَ اللهُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَعلَمُ الشَّرَّ وَالْخَيرَ فِي هَذِهِ الأفعَالِ، لأنَّ الإِنسَانَ لا أثَرَ لَهُ بِهَا، وَلا يَعلَمُ عَنهَا, وَلا عَنْ كَيْفِيَّةِ إِيجَادِهَا، وَلا يَمْلِكُ دَفعَهَا أوْ جَلْبَهَا مُطْلَقاً، وَعَلَى الإِنسَانِ أنْ يُؤْمِنَ بِهَذَا القَضَاءِ وَأنَّهُ مِنَ اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: ألا جَزَى اللهُ الشَّيخَ تَقِيَّ الدِّينِ النَّبهَانِيَّ عَنِ الإِسلامِ وَالمُسلِمِينَ خَيرَ الجَزَاءِ, وَأنَارَ لَهُ قُصُورًا فِي الفِردَوسِ الأعلَى مِثلَمَا أنَارَ عُقُولَنَا بِالفِكْر المُستَنِيرِ, وَأرَاحَ قُلُوبَنَا بِبَحْثِ مِثْلِ تِلْكَ الْمَسائِلِ الَّتِي نَحنُ فِي أمَسِّ الحَاجَةِ إِلَيهَا. نَحْنُ الآنَ نَقرَأُ فِي وَاحِدٍ مِنْ كُتُبِهِ ألا وَهَوُ كِتَابُ: "نِظَامِ الإِسلامِ" وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ سِلْسِلَةِ كُتُبٍ نَفِيسَةٍ تُكتَبُ بِمَاءٍ الذَّهَبِ, وَضَعَ فِيهَا شَيخُنَا - رَحِمَهُ اللهُ - عُصَارَةَ وَخُلاصَةَ, بَل زُبدَةَ أفكَارهِ الَّتِي انتَقَاهَا وَاستَخلَصَهَا مِنْ آلافِ بَلْ مَلايِينِ الكُتُبِ الَّتِي كَانَ قَد قَرَأهَا, وَاطَّلَعَ عَلَيهَا, فَوَجَدَ فِيهَا الغَثَّ وَالسَّمِينَ, والصَّالِحَ وَالفَاسِدَ, وَالصَّوَابَ وَالخَطَأ, وَالحَقَّ وَالبَاطِلَ, فَمَا زَالَ يَنتَقِي لَنَا أطَايِبَ الفِكْرِ كَمَا نَنتَقِي أطَايِبَ الثَّمَرِ حَتَّى أخرَجَ لَنَا هَذَا الفِكْرَ نَقِيًا, صَافِيًا, مُبلوَرًا وَاضِحًا وُضُوحَ الشَّمسِ فِي رَابِِعَةِ النَّهَارِ, لا لَبسَ فِيهِ وَلا غُموضَ, فَاستَحَقَّتْ كُتُبُهُ أنْ تُقرَأ وَتُدرَسَ وَتُفهَمَ, وَتُنشَرَ فِي رُبُوعِ العَالَمِ. حَقًا لَقَد تَبَيَّنَ لَدَينَا مِنْ خِلالِ دِرَاسَتِنَا, وَتَعَمُّقِنَا فِي بَحْثِ مَوضُوعِ القَضَاءِ وَالقَدَرِ أنَّ دِقَّةَ البَحْثِ تَستَوجِبُ مَعرِفَةَ الأسَاسِ الَّذِي يَنبَنِي عَلَيهِ البَحثُ, وَتَبَيَّنَ لَدَينَا أيضًا أنَّ العُلَمَاءَ الَّذِينَ بَحَثُوا مَسألَةَ القَضَاءِ وَالقَدَرِ, وَذَكَرُوا أُمُورًا أربَعَةً عَدُّوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنهَا أسَاسًا لَبَحْثِهَا, وَثَبَتَ لَنَا أنَّهَا كُلَّهَا لا تَصلُحُ لِهَذَا المَوضُوعِ, وَأنَّ الأسَاسَ الصَّحِيحَ هُوَ الثَّوَابُ وَالعِقَابُ.
وَقَد أبدَعَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ أيَّمَا إِبدَاعٍ فِي إِيصَالِ الفِكْرَةِ إِلَى عُقُولِنَا حِينَمَا صَوَّرَ الإنسَانَ مِنْ خِلالِ النِّظرَةِ إِلَى أفعَالِهِ بِأنَّهُ يَعِيشُ فِي دَائِرَتَينِ: الأولَى يُسَيطِرُ عَلَيهَا, وَالثَّانِيَةُ تُسَيطِرُ هِيَ عَلَيهِ. وَعِندَمَا أخَذَ يُفَصِّلُ الحَدِيثَ عَنْ هَاتَينِ الدَّائِرَتَينِ, فَقَالَ عَنِ الدَّائِرَةِ الأُولَى بِأنَّهَا الدَّائِرَةُ الَّتِي تَقَعُ فِي نِطَاقِ تَصَرُّفَاتِهِ وَضِمْنَ نطَاقِهَا تحصُلُ أفعالُهُ الَّتِي يَقُومُ بِهَا بِمَحْضِ اختِيَارِهِ، وَهُوَ مَسؤُولٌ عَنْ أفعَالِهِ هذه, وَمُحَاسَبٌ عَلَيهَا, وَقَالَ عَنِ الدَّائِرَةِ الثَّانِيَةِ بِأنَّهَا الدَّائِرَةُ الَّتِي يَقَعُ هُوَ فِي نِطَاقِهَا, وَتَقَعُ ضِمْنَ هَذِهِ الدَّائِرَةِ الأفعَالُ الَّتِي لا دَخْلَ لَهُ بِهَا، سَوَاءٌ أَوَقَعَتْ مِنْهُ أمْ عليهِ, وَذَكَرَ أنَّ هَذِهِ الأفعَالَ قِسْمَانِ:
القِسْمُ الأوَّلُ: أفعَالٌ يَقتَضِيهَا نِظَامُ الوُجُودِ، فَهُوَ يخْضَعُ لَهَا, وَيَسِيرُ بِحَسْبِهَا سَيرًا جَبْرِيًّا؛ لأنَّهُ يَسِيرُ مَعَ الكَونِ وَمَعَ الحيَاةِ طِبْقَ نِظَامٍ مَخْصُوصٍ لا يَتَخَلَّفُ. وَأعْمَالُ الإنسَانِ فِي هَذِهِ الدَّائِرَةِ تَقَعُ عَلَى غَيرِ إِرَادَةٍ مِنْهُ، وَهُوَ فِيهَا مُسَيَّرٌ وَلَيْسَ بِمُخَيَّرٍ. وَيُورِدُ عَلَى تِلْكَ الأفعَالِ أمْثِلَةً نَذكُرُ مِنهَا أنَّ الإِنسَانَ أَتَى إِلَى هَذِهِ الدُّنيَا عَلَى غَيرِ إِرَادَتِهِ، وَسَيَذْهَبُ عَنْهَا عَلَى غَيرِ إِرَادَتِهِ، وَلا يَستَطِيعُ أنْ يَطِيرَ بِجِسمِهِ فَقَطْ فِي الهَوَاءِ.
القِسمُ الثَّانِي: تَقَعُ فِيهِ الأفعَالُ الَّتِي لَيسَتْ فِي مَقدُورِ الإِنْسَانِ, وَالَّتِي لا قِبَلَ لَهُ بِدَفْعِهَا, وَلا يَقتَضِيهَا نِظَامُ الوُجُودِ, وَهِيَ الأفعَالُ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْهُ أوْ عَلَيهِ جَبْرًا عَنْهُ، وَلا يَملِكُ دَفْعَهَا مُطْلَقَاً، وَيُورِدُ عَلَى تِلْكَ الأفعَالِ أمْثِلَةً نَذكُرُ مِنْهَا: كَمَا لَوْ سَقَطَ شَخْصٌ عَنْ ظَهْرِ حَائِطٍ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ فَقَتَلَهُ، وَكَمَا لَو أطلقَ شَخْصٌ النارَ عَلَى طَيرٍ فَأصَابَتْ إِنسَاناً لَمْ يَكُنْ يَعلَمُهُ فَقَتَلَهُ.
وَبَعدَ أنْ صَنَّفَ الشَّيخُ - رَحِمَهُ اللهُ - الأفْعَالَ تِلْكَ التَّصنِيفَاتِ مِنْ حَيثُ أنَّ الإِنسَانَ يَقُومُ بِهَا مُجْبرًا أم مُختَارًا, وَمِنْ حَيثُ أنَّهَا مِمَّا يَقتَضِيهَا نِظَامُ الوُجُودِ أو لَيسَتْ مِمَّا يَقتَضِيهَا نِظَامُ الوُجُودِ انتَقَلَ إِلَى تَصنِيفِ الأفْعَالِ مِنْ حَيثُ الثَّوَابُ وَالعِقَابُ, وَذَكَرَ أنَّ الأفْعَالَ الَّتِي يَفعَلُهَا العَبدُ بِاختِيَارِهِ يُحَاسَبُ عَلَيهَا, وَأنَّ الأفعَالَ الَّتِي لا دَخْلَ لَهُ بِهَا, وَتَقَعُ مِنهُ أو عَلَيهِ رَغْمًا عَنهُ لا يُحَاسَبُ عَلَيهَا مَهْمَا كَانَ فيهَا منْ نَفْعٍ أوْ ضُرٍّ, أوْ حُبٍّ أوْ كراهِيَّةٍ بِالنِّسبَةِ لِلإنسَانِ، أيْ مَهْمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خَيرٍ وَشَرٍ حَسَبَ تَفسِيرِ الإِنسَانِ لَهَا، وَإِنْ كَانَ اللهُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَعلَمُ الشَّرَّ وَالْخَيرَ فِي هَذِهِ الأفعَالِ، لأنَّ الإِنسَانَ لا أثَرَ لَهُ بِهَا، وَلا يَعلَمُ عَنهَا, وَلا عَنْ كَيْفِيَّةِ إِيجَادِهَا، وَلا يَمْلِكُ دَفعَهَا أوْ جَلْبَهَا مُطْلَقاً.
وَفِي خِتَامِ المَوضُوعِ يَذكُرُ الشَّيخَ - رَحِمَهُ اللهُ - صِلَةَ بَحْثِ مَسألَةِ القَضَاءِ بِعَقِيدَةِ الإِسلامِ فَيَقُولُ: فَإنَّ هَذِهِ الأفعَالَ الَّتِي حَصَلَتْ مِنَ الإِنسَانِ أوْ عَلَيهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَيسَتْ مِمَّا يَقتَضِيهِ نِظَامُ الوُجُودِ، وَلَكنَّهَا وَقَعَتْ مِنَ الإِنسَانِ أوْ عَلَيْهِ عَلَى غَيِر إِرَادَةٍ مِنْهُ، وَهِيَ لَيسَتْ فِي مَقْدورِهِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الدَّائِرَةِ الَّتِي تُسَيطِرُ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ الأفعَالُ كُلُّهَا الَّتِي حَصَلَتْ فِي الدَّائِرَةِ الَّتِي تُسَيطِرُ عَلَى الإِنسَانِ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى قَضَاءً، لأنَّ اللهَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي قَضَاهُ, وَعَلَى الإِنسَانِ أنْ يُؤْمِنَ بِهَذَا القَضَاءِ, وَأنَّهُ مِنَ اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى".
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.