- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح58) تطبيق الحاكم للإسلام: (النظام الاجتماعي, والنظام الاقتصادي) (ج2)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّامِنَةِ وَالخَمسِينَ, وَعُنوَانُهَا: "تَطبِيقُ الحَاكِمِ لِلإِسلامِ: (النِّظَامِ الاجتِمَاعِيِّ, وَالنِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتَينِ الخَامِسَةِ وَالأربَعِينَ, وَالسَّادِسَةِ وَالأربَعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظَامِ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "أمَّا تَطبِِِيقُ الحَاكِمِ لِلإِسلامِِ فإنَّهُ يَتَمَثَّلُ في خَمْسَةِ أشيَاءَ: فِي الأحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ المُتَعَلِّقَةِ بِالاجْتِمَاعِ، وَالاقتِصَادِ، وَالتَّعلِيمِ، وَالسِّيَاسَةِ الخَارِجِيَّةِ، وَالحُكْمِ. وَقَدْ طُبِّقَتْ هَذِهِ الأشيَاءُ الخَمْسَةُ جَمِيعُهَا مِنْ قِبَلِ الدَّولَةِ الإِسلامِيَّةِ. أمَّا النِّظَامُ الاجتِمَاعيُّ الَّذِي يُعَيِّنُ عَلاقَةَ المَرأةِ بِالرَّجُلِ, وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ العَلاقَةِ أي الأحوَالَ الشخصيَّةَ، فَإِنَّهَا لا تَزَالُ تُطبَّقُ حتَّى الآنَ رَغْمَ وُجُودِ الاستِعمَارِ وُوُجُودِ حُكْمِ الكُفْرِ، وَلَمْ يُطَبَّقْ غَيرُهَا مُطلَقًا حَتَّى الآنََ. وَأمَّا النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ فَيتَمَثَّلُ فِي نَاحِيَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا كَيْفِيَّةُ أخْذِ الدَّولَةِ لِلمَالِ مِنَ الشَّعْبِ لِتُعَالِجَ مَشَاكِلَ النَّاسِ، وَالثَّانِيَةُ كَيفِيَّةُ إنْفَاقِهِ. أمَّا كيفيَّةُ أخْذِهِ فَقَدْ كَانَتْ تَأخُذُ الزَّكَاةَ عَلَى الأموَالِ، وَالأرَاضِي، وَالأنعَامِ، بِاعْتِبَارِهَا عِبادَةً، وتُوَزِّعُهَا فَقَطْ عَلَى الأصْنَافِ الثَّمَانِيَّةِ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي القُرآنِ الكَرِيمِ, وَلا تَستَعمِلُهَا فِي إِدَارَةِ شُؤُونِ الدَّولَةِ، وَتَأخُذُ الأمْوَالَ لإِدَارَةِ شُؤُونِ الدَّولَةِ وَالأُمَّةِ حَسَبَ الشَّرْعِ الإِسلامِيِّ، فَتأخُذُ الخَرَاجَ عَلَى الأرْضِ، وَتَأخُذُ الجِزْيَةَ مِنْ غَيرِ المُسلِمِينَ، وَتَأخُذُ ضَرَائِبَ الجَمَارِكِ بِحُكْمِ إشْرَافِهَا عَلَى التِّجِارَةِ الخَارِجِيَّةِ وَالدَّاخِلِيَّةِ، وَمَا كَانَتْ تُحَصِّلُ الأمْوَالَ إلاَّ حَسَبَ الشَّرِيعَةِ الإِسلامِيَّةِ. وَأمَّا تَوْزِيعُ المَالِ فَقَدْ كَانَتْ تُطَبِّقُ أحكَامَ النَّفَقَةِ لِلعَاجِزِ، وتَحْجُرُ عَلَى السَّفِيهِ وَالمُبَذِّرِ، وتُنَصِّبُ عَلَيهِ وَصِيَّاً، وَكَانَتْ تُقِيمُ أمْكِنَةً فِي كُلِّ مَدِينةٍ، وَفِي طَرِيقِ الحَجِّ، لإطعَامِ الفَقِيرِ وَالمِسكِينِ وَابنِ السَّبِيلِ، وَلا تَزَالُ آثارُهَا مَوجُودَةً حَتَّى اليَومِ فِي أمَّهَاتِ بِلادِ المُسلِمِينَ. وَبِالجُمْلَةِ كَانَ يَجْرِي إِنفَاقُ المَالِ مِنَ الدَّولَةِ حَسَبَ الشَّرِيعَةِ، وَلَمْ يَجْرِ حَسَبَ غَيرِهَا مُطلقًا, وَمَا شُوهِدُ مِنَ التَّقصِيرِ فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ هُوَ إِهْمَالٌ، وَإِسَاءَةُ تَطبِيقٍ، وَلَيسَ عَدَمَ تَطبيقٍ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يُوَاصِلُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَعرِضِ بَحثِهِ لِلقِيَادَةِ الفِكرِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ إِجَابَتَهُ عَنْ مَسألةٍ فِي غَايَةِ الأهَمِيَّةِ وَهِيَ: هَلْ طَبَّقَ المُسلِمُونَ الإِسلامَ, أمْ أنَّهُمْ كَانُوا يَعتَنِقُونَ عَقِيدَتَهُ وَيُطَبِّقُونَ غَيرَهُ مِنَ الأنظِمَةِ وَالأحكَامِ؟!
وَيُمكِنُ إِجْمَالُ الإِجَابَةِ الوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الفَقْرَةِ بِالنُّقَاطِ الآتِيَةِ:
1. يَتَمَثَّلُ تَطبِِِِِيقُ الحَاكِمُِ لِلإِسلامِِ في الأحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ المُتَعَلِّقَةِ بِخَمْسَةِ أشيَاءَ هِيَ: فالاجْتِمَاعِ، وَالاقتِصَادِ، وَالتَّعلِيمِ، وَالسِّيَاسَةِ الخَارِجِيَّةِ، وَالحُكْمِ.
2. طُبِّقَتْ هَذِهِ الأشيَاءُ الخَمْسَةُ جَمِيعُهَا مِنْ قِبَلِ الدَّولَةِ الإِسلامِيَّةِ. وَسَنبَيِّنُ تطبِيقَ الدَّولَةِ لِلإسلامِ مِنْ نَاحِيَتَي الاجتِمَاعِ وَالاقتِصَادِ:
أولاً: النِّظَامُ الاجتِمَاعيُّ:
1. يُعَيِّنُ النِّظَامُ الاجتِمَاعيُّ عَلاقَةَ المَرأةِ بِالرَّجُلِ, وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ العَلاقَةِ أي الأحوَالَ الشخصيَّةَ.
2. لا تَزَالُ الأحوَالُ الشخصيَّةُ تُطبَّقُ حتَّى الآنَ رَغْمَ وُجُودِ الاستِعمَارِ وُوُجُودِ حُكْمِ الكُفْرِ، وَلَمْ يُطَبَّقْ غَيرُهَا مُطلَقًا حَتَّى الآنََ.
ثانيًا: النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ:
يتَمَثَّلُ تَطبِيقُ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ فِي نَاحِيَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا كَيْفِيَّةُ أخْذِ الدَّولَةِ لِلمَالِ مِنَ الشَّعْبِ لِتُعَالِجَ مَشَاكِلَ النَّاسِ، وَالثَّانِيَةُ كَيفِيَّةُ إنْفَاقِهِ.
أولاً: كيفيَّةُ أخْذِ الدَّولَةِ لِلمَالِ:
1. كَانَتِ الدَّولَةُ تَأخُذُ الزَّكَاةَ عَلَى الأموَالِ، وَالأرَاضِي، وَالأنعَامِ، بِاعْتِبَارِهَا عِبادَةً.
2. كَانَتِ الدَّولَةُ تُوَزِّعُ أموَالَ الزَّكَاةِ فَقَطْ عَلَى الأصْنَافِ الثَّمَانِيَّةِ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي القُرآنِ الكَرِيمِ, وَلا تَستَعمِلُهَا فِي إِدَارَةِ شُؤُونِ الدَّولَةِ.
3. كَانَتِ الدَّولَةُ تَأخُذُ الأمْوَالَ لإِدَارَةِ شُؤُونِ الدَّولَةِ وَالأُمَّةِ حَسَبَ الشَّرْعِ الإِسلامِيِّ:
1) تأخُذُ الخَرَاجَ عَلَى الأرْضِ.
2) تَأخُذُ الجِزْيَةَ مِنْ غَيرِ المُسلِمِينَ.
3) تَأخُذُ ضَرَائِبَ الجَمَارِكِ بِحُكْمِ إشْرَافِهَا عَلَى التِّجِارَةِ الخَارِجِيَّةِ وَالدَّاخِلِيَّةِ.
وَمَا كَانَتْ تُحَصِّلُ الأمْوَالَ إلاَّ حَسَبَ الشَّرِيعَةِ الإِسلامِيَّةِ.
ثانيا: كيفية تَوْزِيعُ الدَّولَةِ لِلمَالِ:
1. كَانَ إِنفَاقُ المَالِ مِنَ الدَّولَةِ يَجْرِي حَسَبَ الشَّرِيعَةِ، وَلَمْ يَجْرِ حَسَبَ غَيرِهَا مُطلقًا.
2. كَانَتِ الدَّولَةُ تُطَبِّقُ أحكَامَ النَّفَقَةِ لِلعَاجِزِ.
3. كَانَتِ الدَّولَةُ تَحْجُرُ عَلَى السَّفِيهِ وَالمُبَذِّرِ، وتُنَصِّبُ عَلَيهِ وَصِيَّاً.
4. كَانَتِ الدَّولَةُ تُقِيمُ أمْكِنَةً فِي كُلِّ مَدِينةٍ، وَفِي طَرِيقِ الحَجِّ، لإطعَامِ الفَقِيرِ وَالمِسكِينِ وَابنِ السَّبِيلِ، وَلا تَزَالُ آثارُهَا مَوجُودَةً حَتَّى اليَومِ فِي أمَّهَاتِ بِلادِ المُسلِمِينَ.
5. مَا شُوهِدُ مِنَ التَّقصِيرِ فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ هُوَ إِهْمَالٌ، وَإِسَاءَةُ تَطبِيقٍ، وَلَيسَ عَدَمَ تَطبيقٍ.
بَقِيَ أنْ نَقُولَ: إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنزَلَ شَرِيعَةً سَمْحَاءَ, وَنِظَامًا كَامِلاً لِلحَيَاةِ, وَقَدْ أحْسَنَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ تَطبِيقِ نِظَامِ الإِسلامِ عَلَى أنفُسِهِمْ دَاخِلَ الدَّولَةِ الإِسلامِيَّةِ, وَحَمَلُوهُ رِسَالَةً إِلَى العَالَمِ خَارِجَهَا, فَسَعِدُوا غَايَةَ السَّعَادَةِ, وَكَانُوا سَادَةَ البَشَرِيَّةِ, وَالدَّولَةَ الأُولَى فِي العَالَمِ, وَمِنْ إِحسَانِهِمْ لِتَطبِيقِهِ أنَّهُم كَانُوا يَضَعُونَ فِي طُرُقَاتِ الدَّولَةِ مَا يُسَمَّى "حَجَرَ الصَّدَقَةِ" وَقَد حُفِرَتْ فِيهِ حُفرَتَانِ: حُفْرَةٌ أُفُقِيَّةٌ أمَامِيَّةٌ, وَأُخرَى عَمُودِيَّةٌ, تَدخُلُ فِيهَا اليَدُ, فَلا أحَدٌ يَعلَمُ هَلْ مَنْ مَدَّ يَدَهُ مُتَبَرِّعٌ مُتَصَدِّقٌ أو ذُو حَاجَةٍ آخِذٌ!!
وَقَدْ سَنَّ الإِمَامُ أبُو حَنِيفَةَ النُّعمَان t سُنَّةً حَسَنَةً فِي التَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ تَعَالَى عَنْ طريق مَا يُعرَفُ بِـ "الصَّدَقَةِ الخَفِيَّةِ فِي البَيعِ وَالشِّرَاءِ", وَهِيَ أنْ يَبِيعَ السِّلعَةَ لِلفَقِيرِ المُعسِرِ بِأقَلَّ مِنْ ثَمَنِهَا, أو أنْ يَشتَرِيَ السِّلعَةَ مِنَ الفَقِيرِ المُعسِرِ بِأكثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا, دُونَ عِلْمِ الفَقِيرِ بِذَلِكَ, فَيَكُونُ المَبلَغُ الَّذِي تَخَلَّى عَنهُ البَائِعُ أوِ المُشتَرِي فِي كِلا الحَالَتَينِ صَدَقَةً خَفِيَّةً لا يَعلَمُهَا إِلاَّ اللهُ تَعَالَى وَالمُتَصَدِّقُ. كَمَا وَرَدَ فِي مُصَنَّفِ ابنِ أبِي شَيبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَوَكِيعٌ، عَنْ إسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أبِي حَازِمٍ، قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ t: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبِيءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ». «خَبِيءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ»: أي مِنَ الأعْمَالِ الخَفِيَّةِ الَّتِي لا يَِطَّلِعُ عَلَيهَا أحَدٌ مِنَ النَّاسِ, خَالِيَةٍ مِنَ الرِّيَاءِ, فَتَكُونُ خَالِصَةً للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِثلُ: صَلاةِ النَّافِلَةِ فِي جَوفِ اللَّيلِ, أوْ صَدَقَةُ السِّرِّ, أو أيُّ عَمَلٍ آخَرَ مِنَ الأعْمَالِ الصَّالِحَةِ.
رَوَى مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t - وَالاثنَانِ الأخِيرَانِ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ هُمَا مَوضِعُ الشَّاهِدِ - عَنْ النَّبِيِّ e قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ, وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللهِ, وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في الْمَسَاجِدِ, وَرَجُلَانِ تَحَابَّا في اللهِ: اجْتَمَعَا عَلَيْهِ, وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ, وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ, وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا, حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ, وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي المُعجَمِ الكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ e: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ».
وَقَدْ أعجَبَنِي قَولٌ مَنسُوبٌ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ t وَهُوَ أنَّهُ "جَمَعَ صَلاحَ المَالِ فِي ثَلاثٍ: أنْ يُؤخَذَ مِنْ حَقٍّ, وَيُعطَى فِي حَقٍّ, وَيُمنَعَ مِنْ بَاطِلٍ!!". وَإِعجَابِي بِالأمرِ الثَّالِثِ عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ, وَهُوَ قَولُهُ: "وَيُمنَعَ مِنْ بَاطِلٍ" فَقَدْ جَاءَ شَابٌ يَدَّعِي أنَّهُ جَائِعٌ, وَطَلَبَ مِنْ صَدِيقٍ لِي أنْ يُعطِيَهُ مَبلَغًا زَهِيدًا مِنَ المَالِ لِيَشتَرِيَ بِهِ طَعَامًا, فَأعطَاهُ صَدِيقَي مَا طَلَبَ ثُمَّ انصَرَفَ الشَّابُّ, وَعَنَّتْ لِصَدِيقِي حَاجَةٌ طَارِئَةٌ, فَخَرَجَ لِبَعْضِ شَأنِهِ, وَإِذَا بِهَذَا الشَّابِّ يَقِفُ عَلَى بَابِ خَمَّارَةٍ, يَمُدُّ يَدَهُ بِالمَالِ يُرِيدُ أنْ يَشتَرِيَ بِهِ خَمْرًا, فَمَا كَانَ مِنْ صَدِيقِي إِلاَّ أنْ استَرَدَّ مَالَهُ مِنهُ؛ لِيَمنَعَهُ مِنْ هَذَا البَاطِلِ!!
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ., وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.