- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح74) كتاب "الإسلام والحضارة الغربية" (ج1)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ وَالسَّبعِينَ, وَعُنوَانُهَا: "كِتَابُ: "الإِسلامُ وَالحَضَارَةُ الغَربِيَّةُ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتين: الرَّابِعَةِ وَالسِّتِينَ, وَالخَامِسَةِ وَالستينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "أمَّا الحَضَارَةُ الإِسْلامِيَّةُ فإِنَّهَا تَقُومُ عَلَى أَسَاسٍ هُوَ النَقِيضُ مِنْ أَسَاسِ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ، وتَصْوِيرُهَا للحَيَاةِ غَيْرُ تَصْوِيرِ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ لَهَا، ومَفْهُوَمُ السَعَادَةِ فِيهِا يَخْتَلِفُ عَنْ مَفْهُوَمِهَا في الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ كُلَّ الاخْتِلافِ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: لَقَد تَأثَّر عَدَدٌ مِنَ الكُتَّابِ وَالمُفَكِّرِينَ وَأسَاتِذَةِ الجَامِعَاتِ بِفِكْرِ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالمَوضُوعَاتِ الَّتِي بَحَثَهَا فِي كِتَابِه كِتَابِ: "نِظَامُ الإِسلامِ" وَمِنهَا مَوضُوعُ "الحَضَارَةِ وَالمَدَنِيَّةِ", وَمَوضُوعِ "القَومِيَّةِ وَالوَطَنِيَّةِ" نَذكُرُ اثنَينِ مِنهُمْ عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ لا الحَصْرِ, وَهُمَا الدُّكتُور مُحَمَّد مُحَمَّد حُسَين, والدُّكتُور عَبدُ المَجِيدِ عَبدُ السَّلامِ المُحتَسِبُ. أمَّا الأوَّلُ وَهُوَ الدُّكتُور مُحَمَّد مُحَمَّد حُسَين, كان أستاذًا فِي كُليَّةِ الآدَابِ بِجَامِعَةِ الإسكندَرِيَّةِ, فَقَدْ كَتَبَ كِتَابَينَ قَيِّمَينِ هُمَا خَيرُ مَا كُتِبَ فِي هَذَا البَابِ وَيَستَحِقَّانِ القِرَاءَةَ فِعْلاً, وَمَنْ فَاتَتهُ قِرَاءَتُهُمَا فَاتَهُ خَيرٌ عَظِيمٌ: الكِتَابُ الأَوَّلُ: "الإسلام والحضارة الغربية" وَهُوَ كِتَابٌ مِنْ أهَمِّ الكُتُبِ, فَلَو قَضَيتَ عُمُرَكَ كُلَّهُ, وَلَمْ تَقرَأ فِي الفِكْرِ أو فِي التَّارِيخِ الحَدِيثِ إِلاَّ هَذَا الكِتَابَ لَكَفَى. فَكِتَابُ: "الاتِّجَاهَاتُ الوَطنِيَّةُ فِي الأدَبِ المُعَاصِرِ" مِنْ قِيَامِ الحَربِ العَالَمِيَّةِ الأُولَى, إِلَى قِيَامِ الجَامِعَةِ العَرَبِيَّةِ, هُوَ مِنْ تَألِيفِ الدُّكتُور مُحَمَّد مُحَمَّد حُسَين, عِلْمًا بِأنَّ الكُتُبَ الفِكرِيَّةَ فِيهَا غُثَاءٌ كَثِيرٌ, لَكِنْ هَذَا الكِتَابُ مُمَيَّزٌ جِدًا جِدًا, كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لا يُدرِكُونَ قِيمَةَ هَذَا الكِتَابِ, يُخدَعُونَ بِعُنوَانِهِ, يَظُنُّونَهُ يَبحَثُ فِي القَضَايَا الوَطَنِيَّةِ فَقَط, مَعَ أنَّهُ كِتَابٌ إِسلامِيٌّ خَالِصٌ ألَّفَهُ صَاحِبُهُ, وَهُوَ مَحبُوسٌ دَاخِلَ فَمِ الأدَبِ النَّاصِرِيِّ, وَهُوَ مِنَ النَّمَاذِجِ الأصُولِيَّةِ فِي التَّألِيفِ؛ لأنَّهُ ألَّفَهُ قِي عَهْدِ عَبدِ النَّاصِرِ, وَفِيهِ نَوعٌ مِنَ التَّموِيهِ فِي عُنوَانِ الكِتَابِ؛ لِئَلا يَأخُذَ صِبغَةً إِسلامِيَّةً كَي لا يُحَارَبَ. وَكَانَ لَهُ دَورٌ عَظِيمٌ جِدًا, وَلَكِنْ كَيفَ يَكُونُ هَذَا الكِتَابُ مُنحَصِرَةً دِرَاسَتُهُ بِهَذِهِ الفَترَةِ الزَّمَانِيَّةِ ثُمَّ نَقُولُ: إِنَّهُ يُمكِنُ أنْ يَكفِيَ فِي التَّوعِيَةِ بِقَضَايَا أسَاسِيَّةٍ تَهُمُّ المُسلِمِينَ فِي العَصْرِ الحَاضِرِ مَعَ البُعدِ الزَّمَانِي؟ نَقُولُ: لأنَّ التَّارِيخَ يُعِيدُ نَفسَهُ, فَمَنْ يُرَاجِعْ مُحتَوَيَاتِ هَذَا الكِتَابِ بِإِتقَانٍ يُدْرِكْ أنَّ التَّارِيخَ يُعِيدُ نَفْسَهُ فِعلاً, فَكُلُّ الأحدَاثِ تَتَكَرَّرُ بِصُورَةٍ أو بِأُخرَى. وَأمَّا الكِتَابُ الثَّانِي الَّذِي ألَّفَهُ الدُّكتُور مُحَمَّد مُحَمَّد حُسَين فِيمَا يَخُصُّ مَوضُوعَ الحَضَارَةِ, فَهُوَ كِتَابُ: "الإِسلامُ وَالحَضَارَةُ الغَربِيَّةُ".
وَأمَّا الدُّكتُور عَبدُ المَجِيدِ عَبدُ السَّلامِ سَالِم المُحتَسِبُ, حَامِلُ الدَّعوَةِ مِنَ الرَّعِيلِ الأَوَّلِ الَّذِي قَضَى الشَّطْرَ الأكبَرَ مِنْ عُمُرِهِ فِي التَّثقِيفِ مِنْ خِلالِ عَمَلِهِ أستَاذًا لِلدِّرَاسَاتِ القُرآنِيَّةِ فِي الجَامِعَةِ الأُردُنِيَّةِ, وَمِنْ خِلالِ الكُتُبِ الَّتِي كَانَ يُصدِرُهَا وَمِنهَا: (اتِّجَاهَاتُ التَّفسِيرِ فِي العَصْرِ الرَّاهِنِ) وَ (طَهَ حُسَين مُفَكِّرًا) وَ (مَنهَجُ أبِي حَيَّانَ فِي تَفسِيرِهِ "البَحْرُ المُحِيطُ"). وَقَدْ كَتَبَ كِتَابَهُ: "طَهَ حُسَين مُفَكِّرًا" وَكَانَ هَذَا الكِتَابُ رِسَالَةً أعَدَّهَا المُؤَلِّفُ لِنَيلِ شَهَادَةِ الدُّكتُورَاة, وَلَمَّا تَبَيَّنَتِ اللَّجنَةُ المُشرِفَةُ عَلَى مُنَاقَشَةِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ أنَّ مُؤَلِّفَهَا يَطعَنُ بِمَنْ يُسَمَّى "عَمِيدَ الأدَبِ العَرَبِيِّ" زُورًا وَبُهتَانًا رَفَضَتْ مَنحَهُ دَرَجَةَ الدُّكتُورَاة. وَفِي هَذِهِ الحَلْقَةِ وَالحَلْقَاتِ الَّتِي تَلِيهَا نَعرِضُ عَلَى أسْمَاعِكُمْ مَا يُشَجِّعُكُمْ عَلَى قَرَاءَةِ كُتُبِ هَذَينِ الأُستَاذَينِ الفَاضِلَينِ, عَلَيهِمَا رَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى, وَنَبدَأُ بِمَا كَتَبَهُ الدُّكتُور مُحَمَّد مُحَمَّد حُسَين فِي كِتَابِهِ "الإِسلامُ وَالحَضَارَةُ الغَربِيَّةُ": "فِي العَالَمِ الإِسلامِيِّ المُعَاصِرِ ألوَانٌ مِنَ الصِّرَاعِ تَستَحِقُّ الدِّرَاسَةَ وَالتَّأمُّلَ, وَإِذَا كَانَ الصِّرَاعُ السِّيَاسِيُّ وَالاقِتَصَادِيُّ هُوَ أبرَزُ مَا يَستَلفِتُ النَّظَرَ فِي هَذِهِ الصِّرَاعَاتِ, وَقَد يَبدُو لِلنَّظرَةِ المُتَعَجِّلَةِ أخْطَرَهَا, فَهُوَ عِندَ التَّأمُّلِ المُتَأنِّي المُتَعَمِّقِ يَبدُو أقَلَّ خَطَرًا مِنَ الصِّرَاعِ الفِكرِيِّ وَالحَضَارِيِّ, ذَلِكَ لأنَّ الظُّرُوفَ السِّيَاسِيَّةَ وَالاقتِصَادِيَّةَ كَثِيرَةُ التَّقَلُّبِ, سَرِيعَةُ التَّبَدُّلِ, أمَّا التَّغَيُّرُ الفِكْرِيِّ وَالحَضَارِيُّ, فَهُوَ بَطِيءٌ في سَيرِهِ, وَفِي تَفَاعُلِهِ, وَلَكِنَّهُ فِي الوَقْتِ نَفسِهِ طَوِيلُ المَدَى فِي تَأثِيرِهِ. فَالتَّغَيُّرُ السِّيَاسِيُّ وَالاقِتَصَادِيُّ قَد يَحدُثُ فَجأَةً بَينَ عَشِيَّةٍ وَضُحَاهَا بِسَبَبِ انتِصَارِ حَرْبٍ, أو بِسَبَبِ تَغَيُّرِ أشخَاصٍ ذَوِي فَاعِلِيَّةٍ سِيَاسِيَّةٍ كَبِيرَةٍ أو ثِقَلٍ دَولِيًّ, أو بِسَبَبِ ضُغُوطٍ اقتصَِادِيَّةٍ أو حَربِيَّةٍ أو نَفسِيَّةٍ لِهَذَا أو ذَاكَ مِنَ الأسبَابِ, وَفِي هَذِهِ أو تِلْكَ مِنَ الصُّوَرِ وَالأسَالِيبِ الظَّاهِرَةِ أو الخَفِيَّةِ. وَبِمِقدَارِ مَا هُوَ سَرِيعٌ فِي التَّغَيُّرِ وَالتَّقَلُّبِ, فَهُوَسَرِيعٌ أيضًا فِي زَوَالِ أثَرِهِ, بَحِيثُ تَتَغَيَّرُ الأُمُورُ حِينَ تَزُولُ أسبَابُ التَّغَيُّرِ السِّيَاسِيِّ وَالاقتِصَادِيِّ, وَكَأنَّهُ لَمْ يَكُنْ. أمَّا الصِّرَاعُ الفِكْرِيُّ وَالحَضَارِيُّ, أوِ التَّفَاعُلُ الفِكرِيُّ وَالحَضَارِيُّ فَهُوَ لا يَتِمُّ بِهَذِهِ السُّرعَةِ, وَلا يَكَادُ الَّذِينَ يَعِيشُونَهُ وَيُعَاصِرُونَهُ يُدرِكُونَ أثَرَهُ, فَلَيسَ مِنَ السَّهلِ فَصْلُ النَّاسِ عَمَّا ألِفُوا مِنْ عَادَاتٍ وَتَقَالِيدَ, وَلا مَا تَوَارَثُوا مِنْ عَقَائِدَ, وَمَا أكثَرَ مَا عَانَى دُعَاةُ الإِصلاحِ مِنْ ذَلِكَ فِي شُعُوبِهِمْ, بَلْ مَا أكثَرَ مَا عَانَى مِنهُ الأنبِيَاءُ وَالمُرسَلُونَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِمْ أجْمَعِينَ. وَالقُرآنُ الكَرِيمُ يُصَوِّرُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ بَينَ مَا سَاقَهُ مِنْ قَصَصِ الأنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ, في مثل قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ). (البقرة ١٧٠) وقوله تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ). (إبراهيم 9, 10) وَقَولَهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ أهْلِ جَهَنَّمَ: (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ). (الصافات 68- 70) وقوله تعالى: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (٢٢) وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (٢٣) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (الزخرف 22- 24) كُلُّ ذَلِكَ يُبَيِّنُ بِوُضُوحٍ قُوَّةَ سُلطَانِ العَادَاتِ وَالتَّقَالِيدِ عَلَى النَّاسِ, وَأنَّ النَّفسَ إِذَا ألِفَتْ شَيئًا لَمْ تَكَدْ تَتَحَوَّلُ عَنهُ إِلاَّ فِي صُعُوبَةٍ بَالِغَةٍ, وَبِبُطءٍ شَدِيدٍ, فَإِذَا حَدَثَ هَذَا التَّحَوُّلُ بَعدَ لأيٍ رَسَخَ الطَّارِئُ المُستَحدَثُ فِي النَّفسِ, وَازدَادَتْ قُوَّةُ سُلطَانِهِ عَلى تِكرَارِ المُمَارَسَةِ, وَمَعَ مُرُورِ الزَّمَنِ وَتَعَاقُبِ الأجيَالِ. مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَانَ التَّغَيُّرُ الفِكرِيُّ وَالحَضَارِيُّ إِذَا تَمَّ عَمِيقَ الجُذُورِ, صَعْبَ العِلاجِ, بِقَدْرِ مَا هُوَ بَطِيءُ التَّفَاعِلِ وَالتَّحَوُّلِ, لأنَّهُ لا يَهجُمُ عَلَى النَّفسِ دَفعَةً وَاحِدَةً, وَلَكِنَّ النَّفسَ تَتَشَرَّبُهُ آنًا بَعدَ آنٍ, وَيَسرِي فِيهَا بَطِيئًا سَرَيَانَ الغِذَاءِ فِي الأبدَانِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.