- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح80) تناقض الحضارة الإسلامية مع الحضارة الغربية
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّمَانِينَ, وَعُنوَانُهَا: "تَنَاقُضُ الحَضَارَةِ الإِسلامِيَّةِ مَعَ الحَضَارَةِ الغَربِيَّةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتين: الرَّابِعَةِ وَالسِّتِينَ, وَالخَامِسَةِ وَالستينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "أمَّا الحَضَارَةُ الإِسْلامِيَّةُ فإِنَّهَا تَقُومُ عَلَى أَسَاسٍ هُوَ النَقِيضُ مِنْ أَسَاسِ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ، وتَصْوِيرُهَا للحَيَاةِ غَيْرُ تَصْوِيرِ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ لَهَا، ومَفْهُوَمُ السَعَادَةِ فِيهِا يَخْتَلِفُ عَنْ مَفْهُوَمِهَا في الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ كُلَّ الاخْتِلافِ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: فِي هَذِهِ الحَلْقَةِ نُرِيدُ أنْ نُؤَكِّدَ مَوضُوعَ تَنَاقُضِ الحَضَارَةِ الإِسلامِيَّةِ مَعَ الحَضَارَةِ الغَربِيَّةِ, فَشَتَّانَ شَتَّانَ مَا بَينَ الثَّرَى وَالثُّرَيَّا, وَشَتَّانَ شَتَّانَ مَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ, وَشَتَّانَ شَتَّانَ مَا بَينَ العَمَى وَالإِبصَارِ, وَشَتَّانَ شَتَّانَ مَا بَينَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ, وَشَتَّانَ شَتَّانَ مَا بَينَ الهُدَى وَالضَّلالِ, وَشَتَّانَ شَتَّانَ مَا بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ!! قال تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (٢٠) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (٢١) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ). (فاطر 19- 23)
أجَلْ إِخوَتَنَا الكِرَامَ شَتَّانَ مَا بَينَ حَضَارَةٍ تَقُوم عَلَى أَسَاسِ الإِيمَانِ باللهِ، وأَنَّهُ جَعَلَ لِلْكَوْنِ والإِنْسَانِ والحَيَاةِ نِظَامَاً يَسِيرُ بِمُوجِبِهِ، وَحَضَارَةٍ تَقُومُ عَلَى أَسَاسِ فَصْلِ الدِينِ عَنِ الحَيَاةِ، وإِنْكَارِ أَنَّ للدِينِ أَثَرًا في الحَيَاةِ!!
شَتَّانَ مَا بَينَ حَضَارَةٍ تَصْوِيرُ الحَيَاةِ فِيهَا يَتَمَثَّلُ في فَلْسَفَةِ الإِسْلامِ الَّتِي اِنْبَثَقَتْ عَنِ العَقِيدَةِ الإِسْلامِيَّةِ، والَّتِي هِيَ مَزْجُ المَادَّةِ بالرُوحِ، أَيْ جَعْلُ الأَعْمَا لِ مُسَيَّرَةً بِأَوَامِرِ اللهِ ونَوَاهِيهِ، وَحَضَارَةٍ نَفْعِيَّةٍ بَحْتَةٍ، تَصْوِيرُ الحَيَاةِ فِيهَا هُوَ المَنفَعَةُ, حَضَارَةٍ لا تُقِيمُ لغَيْرِ المَنْفَعَةِ أَيَّ وَزْنٍ، ولا تَعْتَرِفُ إِلاَّ بالنَفْعِيَّةِ، وتَجْعَلُهَا هِيَ المِقْيَاسَ للأَعْمَالِ.
شَتَّانَ مَا بَينَ حَضَارَةٍ مَفْهُوَمُ السَعَادَةِ فِيهِا هُوَ نَيْلُ رِضْوَانِ اللهِ، ولَيْسَتْ إِشْبَاعَ جَوْعَاتِ الإِنْسَانِ، لأَنَّ إِشْبَاعَ جَوْعَاتِ الإِنْسَانِ هُوَ وَسِيلَةٌ لازِمَةٌ للمُحَافَظَةِ عَلَى ذاتِ الإِنْسَانِ، ولا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَ السَعَادَةُ, وَحَضَارَةٍ مَفْهُوَمُ السَعَادَةِ فِيهِا هو إِعْطَاءُ الإِنْسَانِ أَكْبَرَ قِسْطٍ مِنَ المُتْعَةِ الجَسَدِيَّةِ وتَوْفِيرَ أَسْبَابِهَا لَهُ.
شَتَّانَ مَا بَينَ حَضَارَةٍ تُوجَدُ فِيهَا قِيَمٌ مُتَعَدِّدَةٌ لأعْمَالِ الإِنسَانِ حَسَبَ نَوعِ العَمَلِ: فَتُوجَدُ فِيهَا قِيَمٌ خُلُقِيَّةٌ كَالصِّدْقِ وَالأمَانَةِ، وَتُوجَدُ فِيهَا قِيَمٌ رُوحِيَّةٌ كالصَّلاةِ والزَّكَاةِ والصَّوْمِ والحَجِّ، وَتُوجَدُ فِيهَا قِيَمٌ إِنْسَانيَّةٌ كإِنْقَاذِ الغَرِيقِ وإِغَاثَةِ المَلْهُوفِ، وَتُوجَدُ فِيهَا قِيَمٌ مَادِّيَّةٌ كَمَنْ يُتَاجِرُ بِقَصْدِ الرِبْحِ. وَحَضَارَةٍ لا تُوجَدُ فِيهَا قِيَمٌ خُلُقِيَّةٌ، أَوْ رُوحِيَّةٌ، أَوْ إِنْسَانيَّةٌ، وإِنَّما تُوجَدُ قِيم مَادِّيَّةٌ ونَفْعِيَّةٌ فَقَطْ.
شَتَّانَ شَتَّانَ مَا بَينَ حَضَارَةٍ تَجعَلُ الأعْمَالَ الإِنسَانِيَّةَ مَنُوطَةً بِالدَّولَةِ وَأفرَادِ الرَّعِيَّةِ القَادِريِنَ, وَحَضَارَةٍ تَجعَلُ الأَعْمَالَ الإِنْسَانيَّةَ تابَعَةً لمُنَظَّمَاتٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنِ الدَوْلَةِ، كَمُؤَسَّسَةِ الصَليبِ الأَحْمَرِ، والإِرْسَالِيَّاتِ التَبْشِيرِيَّةِ.
شَتَّانَ شَتَّانَ مَا بَينَ حَضَارَةٍ يَعرِفُ فِيهَا المَرْءُ أَصْلَهُ وَفَصْلَهُ, وَحَسَبَهُ وَنَسَبَهُ, وَحَضَارَةٍ تَختَلِطُ فِيهَا الأنْسَابُ لا يَعْرِفُ فِيهَا المَرْءُ أبَاهُ وَلا أُمَّهُ, وَلا خَالَهُ وَلا عَمَّهُ.
شَتَّانَ شَتَّانَ مَا بَينَ حَضَارَةٍ مِنْ ثِمَارِهَا إِقَامَةُ حَدِّ السَّرِقَةِ فِيهَا عَلَى خَمْسَةِ أشْخَاصٍ فَقَطْ فِي أوَّلِ أرْبَعَةِ قُرُونٍ مِنْ عُمْرِ الدَّولَةِ الإِسلامِيَّةِ, وَحَضَارَةٍ مِنْ ثِمَارِهَا حُدُوثُ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسَبعِينَ حَالَةِ سَرِقَةٍ يَومِيًا فِي مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ هِيَ مَدِينَةُ لَنْدَن!!
شَتَّانَ شَتَّانَ مَا بَينَ حَضَارَةٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ رَبِّ البَشَرِ, قَائِمَةٍ عَلَى الحَقِّ وَالخَيرِ, وَالعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ, وَحَضَارَةٍ مِنْ عِنْدِ البَشَرِ قَائِمَةٍ عَلَى البَاطِلِ وَالشَّرِ, وَالظٌّلْمِ والقَسْوَةِ!!
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.