الإثنين، 23 محرّم 1446هـ| 2024/07/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح101) مشروع الدستور - أحكامٌ عامّة - تبني الخليفة (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

(ح101) مشروع الدستور - أحكامٌ عامّة - تبني الخليفة (1)

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الأولى بَعدَ المِئَةِ, وَعُنوَانُهَا: "مَشرُوعُ الدُّستُور - أحكَامٌ عَامَّةٌ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّانِيَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 4 - لا يَتَبَنَّى الخَلِيفَةُ أيَّ حُكْمٍ شَرعِيٍّ مُعَيَّنٍ فِي العِبَادَاتِ مَا عَدَا الزَّكَاةَ وَالجِهَادَ، وَمَا يَلْزَمُ لِحِفْظِ وَحْدَةِ الـمُسلِمِينَ, وَلا يَتَبَنَّى أيَّ فِكْرٍ مِنَ الأفكَارِ الـمُتَعَلِّقَةِ بِالعَقِيدَةِ الإِسلامِيَّةِ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمُسلِمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذِهِ هي الـمَادَّةُ الرَّابِعَةُ مِنهُ, وَإِلَيكُمْ أَدِلَّةَ هَذِهِ الـمَّادَّةِ مِنْ خِلَالِ النُّقَاطِ الآتِيَةِ:

 

  1. الدَّلِيلُ عَلَيهَا أنَّ التَّبَنِّيَ مِنْ حَيثُ هُوَ مُبَاحٌ لِلخَلِيفَةِ, وَلَيسَ بِوَاجِبٍ عَلَيهِ، فَكَمَا أنَّ لَهُ أنْ يَتَبَنَّى أحْكَامًا مُعَيَّنَةً فَكَذَلِكَ لَهُ أنْ لا يَتَبَنَّى أحكَامًا مُعَيَّنَةً، فَهُوَ لَيسَ أمرًا يُلزِمُ النَّاسَ بِهِ لأنَّهُمْ لَيسُوا هُمُ الَّذِينَ يَتَبَنَّونَ، وَإِنَّمَا هُوَ أمرٌ خَاصٌّ بِهِ فَلَهُ أنْ يَتَبَنَّى, وَلَهُ أنْ لا يَتَبَنَّى، يَفْعَلُ مَا يَرَاهُ.
  2. ظَهَرَ مِنْ حَوَادِثِ المأمُونِ فِي فِتنَةِ خَلْقِ القُرآنِ أنَّ التَّبَنِّيَ فِي الأفكَارِ المُتعَلِّقَةِ بِالعَقَائِدِ قَد أوجَدَ مَشَاكِلَ لِلخَلِيفَةِ وَفِتنَةً بَينَ الـمُسلِمِينَ، وَظَهَرَ مِنْ تَبَنِّي الفَاطِمِيينَ لِمَذهَبِ الإِمَامِ جَعفَرٍ تَبَرُّمٌ مِنْ أصحَابِ المَذَاهِبِ الأُخرَى وَتَذَمُّرٌ مِنْ هَذَا التَّبَنِّي، وَخَاصَّةً فِي الآرَاءِ المُتَعَلِّقَةِ بالعَقَائِدِ, وَفِي أحكَامِ العِبَادَاتِ، لِهَذَا فَإِنَّنا نَرَى أنْ لا يَتَبَنَّى الخَلِيفَةُ فِي العَقَائِدِ وَالعِبَادَاتِ تَوْسِعَةً على الناس، وإِبعاداً للمشقةِ عن المسلمين، أي أنْ لا يَختَارَ التَّبَنِّيَ فِي هَذَينِ الأمرَينِ، وَالشَّرعُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيهِ التَّبَنِّي، فَكَانَ لَهُ أنْ لا يَتَبَنَّى فِيهِمَا.
  3. عَدَمُ التَّبَنِّي فِي العَقَائِدِ وَالعِبَادَاتِ لَيسَ مَعنَاهُ أنَّهُ يَحرُمُ عَلَى الخَلِيفَةِ أنْ يَتَبَنَّى فِيهِمَا, بَلْ مَعنَاهُ أنَّ الخَلِيفَةَ يَختَارُ عَدَمَ التَّبَنِّي فِيهِمَا، إِذْ لَهُ أنْ يَتَبَنَّى, وَلَهُ أنْ لا يَتَبَنَّى، فَاختَارَ عَدَمَ التَّبَنِّي، وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي المَادَّةِ تَعبِيرُ "لا يَتَبَنَّى" وَلَمْ يَأتِ بِهَا تَعبِيرُ "لا يَجُوزُ أنْ يَتَبَنَّى" مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ يَختَارُ أنْ لا يَتَبَنَّى.
  4. هَذَا مِنْ حَيثُ الدَّلِيلُ عَلَى المَادَّةِ، أمَّا مِنْ حَيثُ اختِيَارُ عَدَمِ التَّبَنِّي فِي العَقَائِدِ وَالعِبَادَاتِ فَإِنَّهُ مَبنِيٌّ عَلَى أمرَينِ: أحَدِهِمَا مَا يُسَبِّبُهُ الإِكرَاهُ فِي العَقِيدَةِ عَلَى رَأيٍ مُعَيَّنٍ مِنْ حَرَج. وَالثَّانِي أنَّ الَّذِي يَحمِلُ الخَلِيفَةَ عَلَى التَّبَنِّي إِنَّمَا هُوَ رِعَايَةُ شُؤُونِ الـمُسلِمِينَ بِرَأيٍ وَاحِدٍ، وَالـمُحَافَظَةُ عَلَى وَحْدَةِ الدَّولَةِ وَوَحْدَةِ الحُكْمِ، فَيَتَبَنَّى مَا يَتَعَلَّقُ بِالعَلاقَاتِ بَينَ الأفرَادِ وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالشُّؤُونِ العَامَّةِ, وَلا يَتَبَنَّى مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِعَلاقَةِ الإِنسَانِ بِرَبَّهِ.
  5. أمَّا بِالنِّسبَةِ لِلأمرِ الأَوَّلِ فَإِنَّ اللهَ نَهَى عَنْ إِكرَاهِ الكُفَّارِ عَلَى تَركِ عَقَائِدِهِمْ, وَاعتِنَاقِ عَقِيدَةِ الإِسلامِ، وَنَهَى عَنْ إِكرَاهِهِمْ عَلَى تَركِ عِبَادَاتِهِمْ، وَأمَرَ بِإِجبَارِهِمْ عَلَى التَّقَيُّدِ بِأحكَامِ الشَّرعِ الأُخرَى، فَالمُسلِمُونَ مِنْ بَابِ أولَى أنْ لا يُكرَهُوا عَلَى تَرْكِ الأحكَامِ المُتَعَلِّقَةِ بِالعَقَائِدِ مَا دَامَتْ عَقَائِدَ إِسلامِيَّةً، وَأنْ لا يُكرَهُوا عَلَى تَركِ الأحكَامِ المُتَعَلِّقَةِ بِالعِبَادَاتِ مَا دَامَتْ أحكَامًا شَرعِيَّةً. وَأيضًا فَإِنَّ الإِكرَاهَ عَلَى تَركِ الأفكَارِ المُتَعَلِّقَةِ بِالعَقَائِدِ يُسَبِّبُ الحَرَجَ قَطعًا، وَيُثِيرُ الحَفَائِظَ بِغَيرِ شَكٍّ، بِدَلِيلِ مَا جَرَى مِنَ الأئِمَّةِ مِثلِ الإِمَامِ أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ فِي فِتنَةِ خَلْقِ القُرآنِ حَيثُ تَحَمَّلُوا الضَّربَ وَالإِهَانَةَ, وَلَمْ يُذعِنُوا, وَلَمْ يَترُكُوا مَا يَعتَقِدُونَ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: (مَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). وَمِثلُ العَقَائِدِ: العِبَادَاتُ، فَإِنَّ الإِكراَهَ فِيهَا عَلَى أحكَامٍ مُعَيَّنَةٍ يَرَى الشَّخصُ غَيرَهَا هُوَ الحُكْمَ الشَّرعِيَّ, يُسَبِّبُ حَرَجًا عَلَى النَّفْسِ لأنَّهَا مِنْ عَلاقَةِ الإِنسَانِ بِاللهِ وَلأنَّهَا مَقرُونَةٌ بِالعَقِيدَةِ، فَلا يَتَبَنَّى الخَلِيفَةُ كُلَّ مَا فِيهِ حَرَجٌ عَلَى الـمُسلِمِينَ, وَلَكِنَّهُ لا يَحرُمُ عَلَيهِ التَّبَنِّي.
  6. بِالنِّسبَةِ لِلأمرِ الثَّانِي، فَإِن العَقَائِدَ وَالعِبَادَاتِ عَلاقَةٌ بَينَ الإِنسَانِ وَالخَالِقِ، وَهِيَ لا تُسَبِّبُ حُدُوثَ عَلاقَاتٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيهَا مَشَاكِلُ بِخِلافِ الـمُعَامَلاتِ وَالعُقُوبَاتِ فَإِنَّهَا عَلاقَةٌ بَينَ أفرَادِ المُجتَمَعِ، وَتُسَبِّبُ حُدُوثَ عَلاقَاتٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيهَا مَشَاكِلُ.
  7. الأَصلُ فِي الـمُعَامَلاتِ هُوَ قَطعُ الـمُنَازَعَاتِ بَينَ النَّاسِ، وَالأَصْلُ فِي تَبَنِّي الخَلِيفَةِ هُوَ رِعَايَةُ شُؤُونِ النَّاسِ، وَشُؤُونُهُم تَظهَرُ رِعَايَتُهَا مِنْ قِبلِ الخَلِيفَةِ فِيمَا بَينَهُمْ مِنْ عَلاقَاتٍ, وَلا مَحَلَّ لَهَا فِي عَلاقَاتِهِمْ بِاللهِ أي فِي العَقَائِدِ وَالعِبَادَاتِ، لِذَلِكَ كَانَ وَاقِعُ التَّبَنِّي مِنْ قِبَلِ الخَلِيفَةِ أنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الَعلاقَاتِ بَينَ النَّاسِ لِرِعَايَةِ شُؤُونِهِمْ, وَلا يَكُونُ فِي العَلاقَاتِ بَينَهُمْ وَبَينَ اللهِ. وَمِنْ هُنَا كَانَ وَاقِعُ التَّبَنِّي أنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي عَلاقَاتِ النَّاسِ بَينَ بَعضِهِمْ, وَفِي العَلاقَاتِ العَامَّةِ. فَكَانَ التَّبَنِّي فِي العَلاقَاتِ بَينَ الإِنسَانِ وَالخَالِقِ أي فِي العَقَائِدِ وَالعِبَادَاتِ مُخَالِفًا لِوَاقِعِ التَّبَنِّي. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لا يَتَبَنَّى الخَلِيفَةُ فِيمَا هُوَ مُخَالِفٌ لِوَاقِعِ التَّبَنِّي وَلَكِنَّهُ لا يَحرُمُ عَلَيهِ أنْ يَتَبَنى.

586

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع