- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول
(ح 13)
عالج الإسلام الإنسان معالجة كاملة لإيجاد شخصية متميزة له
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:
أيها المؤمنون:
أحبّتنا الكرام :
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةَ عشرة، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "عالج الإسلام الإنسان معالجة كاملة لإيجاد شخصية متميزة له". يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -:
الشـخصـية الإسـلامية
"عالج الإسلام الإنسان معالجة كاملة لإيجاد شخصية معينة له متميزة عن غيرها. فعالج بالعقيدة أفكاره إذ جعل له بها قاعدة فكرية يبني عليها أفكاره، ويكوِّن على أساسها مفاهيمه. فيميز الفكر الصائب من الفكر الخطأ حين يقيس هذا الفكر بالعقيدة الإسلامية، يبنيه عليها باعتبارها قاعدة فكرية. فتتكون عقليته على هذه العقيدة، وتكون له بذلك عقلية متميزة بهذه القاعدة الفكرية، ويوجد لديه مقياس صحيح للأفكار، فيأمن بذلك زلل الفكر، وينفي الفاسد من الأفكار، ويظل صادق الفكر سليم الإدراك. وفي الوقت نفسه عالج الإسلام أعمال الإنسان الصادرة عن حاجاته العضوية وغرائزه بالأحكام الشرعية المنبثقة عن هذه العقيدة نفسها معالجة صادقة، تنظم الغرائز ولا تكبتها، وتنسقها ولا تطلقها، وتهيئ له إشباع جميع جوعاته اشباعًا متناسقًا يؤدي إلى الطمأنينة والاستقرار. فالإسلام قد جعل العقيدة الإسلامية عقلية، فَصَلُحت لأن تكون قاعدة فكرية تقاس عليها الأفكار، وجعلها فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة. وبما أن الشخص إنسان يحيا في الكون فقد حلت له هذه الفكرة الكلية جميع عقده في الداخل والخارج فصلحت لأن تكون مفهوماً عاماً، أي مقياساً يستعمل طبيعياً حين يجري الامتزاج بين الدوافع والمفاهيم، أي مقياساً تتكون على أساسه الميول. وبذلك أوجد عند الإنسان قاعدة قطعية كانت مقياساً قطعياً للمفاهيم والميول معاً. أي للعقلية والنفسية في وقت واحد. وبذلك كوَّن الشخصية تكويناً معيناً متميزاً عن غيرها من الشخصيات".
ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: أرسل الله سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين برسالة الإسلام للناس أجمعين، وقد عالج الإسلام الإنسان معالجة كاملة لإيجاد شخصية معينة له متميزة عن غيرها. والسؤال الأول في هذه الحلقة يتكون من شقين، وهو كيف عالج الإسلام الإنسان؟ وما مميزات هذه المعالجة؟ وجواب الشق الأول من السؤال أن الإسلام عالج في الإنسان ما يأتي:
أولا: عالج بالعقيدة أفكار الإنسان: إذ جعل له بها قاعدة فكرية يبني عليها أفكاره، ويكوِّن على أساسها مفاهيمه. فيميز الفكر الصائب من الفكر الخطأ حين يقيس هذا الفكر بالعقيدة الإسلامية، يبنيه عليها باعتبارها قاعدة فكرية. فتتكون عقليته على هذه العقيدة، وتكون له بذلك عقلية متميزة بهذه القاعدة الفكرية، ويوجد لديه مقياس صحيح للأفكار، فيأمن بذلك زلل الفكر، وينفي الفاسد من الأفكار، ويظل صادق الفكر سليم الإدراك.
ثانيا: عالج الإسلام أعمال الإنسان الصادرة عن حاجاته العضوية وغرائزه بالأحكام الشرعية المنبثقة عن هذه العقيدة نفسها معالجة صادقة، تنظم الغرائز ولا تكبتها، وتنسقها ولا تطلقها، وتهيئ له إشباع جميع جوعاته اشباعًا متناسقًا يؤدي إلى الطمأنينة والاستقرار.
أما الشق الثاني من السؤال فجوابه أن معالجة الإسلام للإنسان تتميز بالمميزات الآتية:
أولا: أن الإسلام قد جعل العقيدة الإسلامية عقلية، فَصَلُحت لأن تكون قاعدة فكرية تقاس عليها الأفكار، وجعلها فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة.
ثانيا: بما أن الإنسان يحيا في الكون، فقد حلت له هذه الفكرة الكلية جميع عقده في الداخل والخارج؛ فصلحت لأن تكون مفهومًا عامًا، أي مقياسًا يستعمل طبيعيًا حين يجري الامتزاج بين الدوافع والمفاهيم، أي مقياساً تتكون على أساسه الميول.
ثالثا: بذلك يكون الإسلام قد أوجد عند الإنسان قاعدة قطعية كانت مقياسًا قطعيًا للمفاهيم والميول معًا. أي للعقلية والنفسية في وقت واحد. وبذلك كوَّن الشخصية تكوينًا معينًا متميزًا عن غيرها من الشخصيات.
عن خريم فاتك الأسدي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنكم قادمون على إخوانكم، فأصلحوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس؛ فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش». وفي رواية: «حتى تكونوا كالشامة في الناس». (رواه الإمام أحمد في المسند، وهو في سنن أبي داود، ورواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي).
أقوال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي أعظم منارات الدنيا. وقانون الشامة هذا هو قانون التميز؛ فالمسلم الداعية الذي يؤثر في الآخرين لا بد له من مواصفات النجاح، وهي أن يكون:
متميزًا في علمه كالشامة متمكنًا فيه، يعد إعدادًا جيدًا لكل محاضراته.
متميزًا في سلوكه وتعامله، هينًا، لينًا، سَهْلَ العِشرةِ، قريبًا من الناس.
متميزًا في شكله، وملبسه، مهذبًا، ونظيفًا، كل من يراه يُسرُّ برؤيته. وهذا التميز أضفناه من باب النزوع إلى الكمال، ولا نرى به بأسًا رغم علمنا أنه ليس من مكونات الشخصية بل هو من القشور؛ فالله عز وجل قد علمنا دعاءً فقال جل وعلا: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).(الفرقان74) وفي هذا الدعاء دعوة للرقي في كل شيء: في الأقوال، والأفعال، والعقائد، والأفكار، والعبادات، والأخلاق، والمعاملات.
تأمل وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل بعد أن سأله عن ما يدخله الجنة ويباعده عن النار؛ فدله الحبيب المصطفى على أبواب الخير، ودله على رأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه، ثم قال له الحبيب المصطفى: «ألا أدلك على ملاك ذلك كله؟». قلت: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسانه ثم قال: «كفّ عليك هذا». قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم».
هل أنت شامة في لسانك؟ عفيف اللسان، لا تغتاب أحدًا، ولا تتنابز بالألقاب، ولا تلمز، ولا تسخر؟ هل حديثك خال من كل هذه المخالفات؟ تميز أخي الحبيب حتى تصبح كالشامة بين الناس، اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم آمين يا رب العالمين .
رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن شخص فيقول: أين فلان؟ فقالوا له: بتبوك، فقال أحدهم: لقد شغله بستانه، فقام أحد أصحاب رسول الله، وقال له: لا، والله يا رسول الله، ما علمنا عليه إلا خيرًا، لقد تخلّف عنك أناس ما نحن بأشد حبًا لك منهم، ولو علموا أنك تلقى عدوًا ما تخلفوا عنك!!، ما هذا الدفاع؟! ما هذا الوفاء من الأخ لأخيه في ظهر الغيب؟!
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.