الثلاثاء، 24 محرّم 1446هـ| 2024/07/30م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول  (ح 22)  أشكال الشـخصـية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول

(ح 22)

أشكال الشـخصـية

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:

 

أيها المؤمنون:

 

مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا: "وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ الثانيةِ وَالعِشرِينَ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "أشكال الشخصية".

 

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "حين يجري عقلُ الإنسان للأشياء أي إدراكه لها حسب كيفية معينة تكون له عقلية معينة. وحين يجري ربط دوافع الإشباع المبلورة بواسطة امتزاجها الحتمي بالمفاهيم عن الأشياء بمفاهيم معينة عن الحياة تكون له نفسية معينة. وحين تتحد مفاهيمه عن الحياة في تحكمها به عند عقل الأشياء وعند ميله لها تكون له شخصية معينة. فالشخصية هي جعل الاتجاه لدى الإنسان في عقله للأشياء وميله لها اتجاهاً واحداً مبنياً على أساس واحد. وعلى ذلك يكون تكوين الشخصية إيجاد أساس واحد للتفكير والميول لدى الإنسان. وهذا الأساس قد يكون واحداً، وقد يكون متعدداً. فإن كان متعدداً كأن جعلت عدة قواعد أُسساً للتفكير والميول، كانت للإنسان شخصية، ولكنها شخصية لا لون لها. وإن كان الأساس واحداً كأن جُعلت قاعدة واحدة أساساً للتفكير والميول كانت للإنسان شخصية معينة لها لون معين، وهذا هو الذي يجب أن يكون للإنسان، والذي يجب أن يسعى إليه عند القيام بتهذيب الأفراد". 

 

ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: اللهم اغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا بالعافية.

 

يَا مَن لَهُ عَنَتِ الوُجُوهُ بِأسْرِهَا ... رَغَبــًا وَكُـلُّ الكَائِنَــاتِ تُوَحِّــدُ

أنتَ الإلـهُ الواحِـدُ الحَـقُّ الذي ... كــلُّ القلــوبِ لَـهُ تُقِرُّ وَتَشْــهَدُ

 

وصلى الله وسلم وبارك على عين الرحمة وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، سيدنا محـمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: لدينا في هذه الحلقة عدة أسئلة:

 

أولا: السؤال الأول في هذه الحلقة هو: متى تكون للإنسان عقلية معينة ونفسية معينة؟؟ والجواب هو الآتي: حين يجري عقلُ الإنسان للأشياء أي إدراكه لها حسب كيفية معينة تكون له عقلية معينة. وحين يجري ربط دوافع الإشباع المبلورة بواسطة امتزاجها الحتمي بالمفاهيم عن الأشياء بمفاهيم معينة عن الحياة تكون له نفسية معينة.

 

ثانيًا: والسؤال الثاني في هذه الحلقة هو: متى تكون لإنسان شخصية معينة؟ وجوابه هو الآتي: حين تتحد مفاهيمه عن الحياة في تحكمها به عند عقل الأشياء، وعند ميله لها تكون له شخصية معينة.

 

ثالثا: والسؤال الثالث هو: ماذا نعني بقولنا: إن للإنسان شخصية معينة؟ وجوابه أن الشخصية هي جعل الاتجاه لدى الإنسان في عقله للأشياء، وميله لها اتجاهًا واحدًا مبنيًا على أساس واحد.

 

رابعا: أما السؤال الرابع فهو: كيف يكونُ تكوينُ الشخصية المعينة؟ والجواب على ذلك هو الآتي: يكون تكوين الشخصية بإيجاد أساس واحد للتفكير، والميول لدى الإنسان. وهذا الأساس قد يكون واحدًا، وقد يكون متعددًا. فإن كان متعددًا كأن جعلت عدة قواعد أُسسًا للتفكير والميول، كانت للإنسان شخصية، ولكنها شخصية لا لون لها. وإن كان الأساس واحدًا كأن جُعلت قاعدة واحدة أساسًا للتفكير، والميول كانت للإنسان شخصية معينة، لها لون معين، وهذا هو الذي يجب أن يكون للإنسان، والذي يجب أن يسعى إليه عند القيام بتهذيب الأفراد.

 

فالشخصيات عند تكوينها على حسب عقلها للأشياء تنقسم إلى ثلاثة أشكال هي:

 

  1. شخصية مميزة راقية.
  2. شخصية مميزة غير راقية.
  3. وشخصية هلامية لا منهج محدد لها.

 

أولا: الشخصية المميزة الراقية: هي الشخصية الإسلامية فقط إذ إنها تتبع نظامًا راقيًا، مميزًا، وضعه لها الله تعالى خالقها، وخالق كل شيء، الذي يتصف بكل صفات الكمال، والقدرة، والغنى، وهو أعلم بما يصلح لها، فجاء نظام الإسلام متصفا بصفات الله تعالى، الشخصية الإسلامية تقيدت بما حدده الله لها؛ وعقلت الأشياء وفق منهج الله، فارتقت عن الترهات، وحصرت إشباع غرائزها، وحاجاتها العضوية أيضًا بمحددات شرعية سماوية، لم، ولن تتجاوزها إلا بتصريح من خالقها؛ فقد تجوع، وتصبر، وتقدِّم أغلى ما تملك دون اكتراث ما دام الأمر إرضاءً لخالقها، وليس أرقى من التعبير عن هذه الشخصية، وفي أشد الظروف من قول الله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ). (التوبة ٦‏) كي لا يُجبر على تغيير معتقده خوفًا لا قناعة.

 

ثانيا: الشخصية المميزة غير الراقية: هي الشخصية التي تحدد سلوكها في كل اتجاهاتها وفق منظومة محددة من المفاهيم المستمدة من المبادئ البشرية، كالشخصية الرأسمالية التي تنتهج منهج المبدأ الرأسمالي، والشخصية الاشتراكية التي تنتهج نهج المبدأ الاشتراكي. وهذان المبدآن باطلان بطلانا كبيرا، وقد ذكر الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله - في كتاب نظام الإسلام بالتفصيل أسباب بطلان كل منها. فهما مبدآن، ونظامان من أنظمة الحياة من وضع البشر، وصفات النظام تأتي مماثلة لصفات واضعه. فالإنسان محدود، وناقص، وعاجز، ومحتاج. والنظامان الرأسمالي والاشتراكي يحملان هذه الصفات وصفات أخرى تزيدهما وهنا على وهن، فهما عرضة، للتفاوت، والتناقض، والاختلاف. وقد اختصر علينا القرآن الكريم المسألة بأنه عدَّ كل شرع غير شرع الله طاغوتا يجب الكفر به. قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ‎(٦٠) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا). (النساء ٦١‏)    

 

ثالثا: الشخصية الهلامية الفوضوية: هي الشخصية التي تتخذ إلهها هواها، وليس لها منهج محدد، وهي التي لا تنطلق في إشباعها غرائزها وحاجاتها العضوية من منهج معين، بل تتبع نفسها هواها، وتلبي لها جميع ما تطلبه دون أي مراعاة لمبدأ، أو عقيدة، أو دين، وتسير في الحياة متبعة أهواءها، وملبية لنفسها جميع رغباتها، وشهواتها، إذ ليس لديها مقياس لا للأفعال، ولا للأشياء، فكل فعل مباح، وكل شيء حلال، وسلوكها في الحياة ليس له ضوابط محددة. والله تعالى يقول: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ). ‎(الجاثية ٢٣) ويقول: (أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم). ‎(محمد ١٤) ويقول: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). ‎(القصص ٥٠)

 

إن أعظم نصر حققه خالد بن الوليد - رضي الله عنه - لم يكن في أُحُد، وَلا فِي اليَرمُوكِ، إِنَّمَا كَانَ يَومَ انتصر على نفسه، وهواها عندما عزلهُ عُمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - عن قيادة الجيش، فأخذ مكانه جنديًا عاديًا بعد أن كان القائد الأعلى لجيش المسلمين، وقال: "أنا لا أقُاتل لأجل عُمر، وإنما أقاتل لأجل ربِّ عُمر!!". لذلك فإن أعظم انتصار هو انتصار الإنسان على نفسه وأهوائها!!

 

قال إبراهيم بن أدهم - رحمه الله - : "أشد الجهاد جهاد الهوى، من منع نفسه هواها فقد استراح من الدنيا وبلائها، وكان محفوظا ومعافى من أذاها". (حلية الأولياء)  

 

وقال الشيخ عبد العزيز الطريفي - فرج الله كربه، وفك أسره -: "أخطر أنواع العبودية عبودية الهوى، يتحرر من عبودية الأحجار إلى عبودية الأفكار، فيظن أنه لا يطوف حول صنم، وهو يطوف حول هواه، ولا يراه".

 

وقال الماوردي: "أما الهوى فهو عن الخير صادٌّ، وللعقل مضادٌّ؛ لأنه ينتج من الأخلاق قبائحَهَا، ويُظهِرُ مِنَ الأفعَال فَضَائِحَهَا، وَيَجعَلُ سِترَ المروءة مَهتُوكًا، ومَدخلَ الشر مَسلُوكًا".

 

ونقول: "من لم يجعل الحكم الشرعي مقياسًا له في الحياة كان عبدًا لهواه". ونقول: "إن من يريد أن يصحح لله أحكامه، وشرعه، ودستوره، فليراجع دينه وإيمانه فقد جعل إلهه هواه!!". 

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

آخر تعديل علىالخميس, 13 نيسان/ابريل 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع