الأربعاء، 25 محرّم 1446هـ| 2024/07/31م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول (ح 27)  لا يخرج المسلم عن الإسلام إلا بترك اعتناق العقيدة الإسلامية قولًا أو عملًا

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول

(ح 27)

 لا يخرج المسلم عن الإسلام

إلا بترك اعتناق العقيدة الإسلامية قولًا أو عملًا

 

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:

 

أيها المؤمنون:

 

 

أحبّتنا الكرام:

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا: "وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابعةِ والعشرين، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "لا يخرج المسلم عن الإسلام إلا بترك اعتناق العقيدة الإسلامية قولًا أو عملًا".

 

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "ولا يخرج المسلم عن الإسلام إلا بترك اعتناق العقيدة الإسلامية قولًا أو عملًا. ولا يخرج عن كونه شخصية إسلامية إلا إذا جافى العقيدة الإسلامية في تفكيره وميولِه أي لم يجعلها أساساً لتفكيره وميوله. فإذا جافاها خرج عن كونه شخصية إسلامية وإذا لم يجافها بقي شخصية إسلامية. وبذلك يمكن أن يكون الشخص مسلمًا لأنه غير جاحد للعقيدة الإسلامية. ومع كونه مسلمًا لا يكون شخصية إسلامية. لأنه مع اعتناقه العقيدة الإسلامية لم يجعلها أساسًا لتفكيره وميوله. وذلك لأن ارتباط المفاهيم بالعقيدة الإسلامية ليس ارتباطًا آليًا بحيث لا يتحرك المفهوم إلا بحسب العقيدة، بل هو ارتباط اجتماعي فيه قابلية الانفصال وفيه قابلية الرجوع".

 

ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: اللهم اغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا بالعافية.

 

يَا مَن لَهُ عَنَتِ الوُجُوهُ بِأسْرِهَا ... رَغَبــًا وَكُـلُّ الكَائِنَــاتِ تُوَحِّــدُ

 

أنتَ الإلـهُ الواحِـدُ الحَـقُّ الذي ... كــلُّ القلــوبِ لَـهُ تُقِرُّ وَتَشْــهَدُ

 

وصلى الله وسلم وبارك على عين الرحمة وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، سيدنا محـمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

 

ولا يخرج المسلم عن الإسلام إلا بترك اعتناق العقيدة الإسلامية قولًا أو عملًا. ولا يخرج عن كونه شخصية إسلامية إلا إذا جافى العقيدة الإسلامية في تفكيره وميولِه أي لم يجعلها أساساً لتفكيره وميوله. فإذا جافاها خرج عن كونه شخصية إسلامية وإذا لم يجافها بقي شخصية إسلامية. وبذلك يمكن أن يكون الشخص مسلماً لأنه غير جاحد للعقيدة الإسلامية. ومع كونه مسلماً لا يكون شخصية إسلامية. لأنه مع اعتناقه العقيدة الإسلامية لم يجعلها أساساً لتفكيره وميوله. وذلك لأن ارتباط المفاهيم بالعقيدة الإسلامية ليس ارتباطًا آليًا بحيث لا يتحرك المفهوم إلا بحسب العقيدة، بل هو ارتباط اجتماعي فيه قابلية الانفصال وفيه قابلية الرجوع.

 

السؤال: ما الأعمال التي إذا عملها المسلم يكون مرتدًا عن الإسلام؟.

 

الجواب: إن الله ­سبحانه­ أوجب على جميع العباد الدخول في الإسـلام والتمسك به، والحـذر مما يخالفه، وبعث نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم للدعوة إلى ذلك، وأخبر عزّ وجلّ أن من اتبعه فقد اهتدى، ومن أعرض عنه فقد ضل، وحذر في آيات كثيرات من أسباب الردة، وسائر أنواع الشرك والكفر، وذكر العلماء ­رحمهم الله­ في باب حكم المرتد، أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه، وماله، ويكون بها خارجًا عن الإسلام، ومن أخطرها، وأكثرها وقوعًا عشرة نواقض نذكرها فيما يأتي على سبيل الإيجاز مع توضيحات قليلة نذكرها بعدها:

 

الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا). (النساء 116)، وقال تعالى: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) (المائدة 72) ومن ذلك دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والنذر، والذبح لهم.

 

الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم، فقد كفر إجماعًا.

 

الثالث: من لم يُكَفِّر المشركين، أو شَكَّ في كفرهم، أو صحّح مذهبهم، فقد كفر.

 

الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر. ويدخل في القسم الرابع: من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس، أفضل من شريعة الإسلام، أو أنها مساوية لها، أو أنه يجوز التحاكم إليها، ولو اعتقد أن الحكم بالشريعة أفضل، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين، أو أنه كان سببًا في تخلف المسلمين، أو أنه يحصر في علاقة المرء بربه دون أن يتدخل في شؤون الحياة الأخرى. ويدخل في القسم الرابع: أيضًا من يرى أن إنفاذ حكم الله بقطع يد السارق، أو رجم الزاني المحصن لا يناسب العصر الحاضر. ويدخل في ذلك ­أيضًا­: كل من اعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله في المعاملات، أو الحدود، أو غيرهما، وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة، لأنه بذلك يكون قد استباح ما حرم الله إجماعًا، وكل من استباح ما حرّم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة، كالزنا، والخمر، والربا، والحكم بغير شريعة الله فهو كافر بإجماع الصحابة.

 

الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فقد كفر، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ‎(٨)‏ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ‎). (محمـد 9).

 

السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه، أو عقابه فقد كفر، والدليل قوله تعالى: (‏وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ‎(٦٥)‏ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ). (التوبة 66).

 

السابع: السحر، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ). (البقرة 102)

الثامن: مظاهـرة المشـركين ومعاونتهـم على المسـلمين، والدليـل قولـه تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) المائدة / 51

 

التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمـد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر؛ لقوله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ). (آل عمران 85)

 

العاشر: الإعراض عن دين الله، لا يتعلمـه، ولا يعمـل به؛ والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ). (السجدة 22)

 

ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل، والجاد، والخائف، إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطرًا، وأكثر ما يكون وقوعًا. فينبغي للمسلم أن يحذرها، ويخاف منها على نفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه، وأليم عقابه، ونسأل الله أن يوفقنا جميعًا لما يرضيه، وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

 

والحاصل أن الشخصية الإسلامية هي حالة إيمانية محلها القلب، إنُ تَلَبَّسَ بها المسلم كان شخصية إسلامية، وإلا فلا، حتى لو كان عالمًا يتزيا بزي العلماء، أو إمامًا، أو خطيبًا، أو داعيًا، فهؤلاء مسلمون، وليسوا شخصيات إسلامية بحق؛ لأنهم لم يجعلوا العقيدة الإسلامية أساسًا لتفكيرهم وميولهم؛ بل يؤثرون، ويفضلون مصالحهم عليها؛ لأن الشخصية الإسلامية تتميز عن عامة المسلمين بأنها تلك الشخصية التي تجعل من العقيدة الإسلامية، وما انبثق عنها من أحكام قانونًا لازمًا وملازمًا لها عمليًا، وشعوريًا؛ فهي لا تنفك عن ضبط سلوكها، ومشاعرها بهذه العقيدة ونظامها.

 

هذه فقط هي الشخصية الإسلامية، ومن هم دونها مسلمون، ولا يخرجون عن هذا المسمى إلا بالخروج على العقيدة وأحكامها، خروجًا بالقول أو بالعمل، كأن يقول أحدهم في الإسلام قولًا سيئًا، ويهاجم أحكامه كما نسمع من مهاجمة التعدد في الزوجات، ومهاجمة أحكام توزيع الميراث بعد موت المورث، ومهاجمة اللباس الشرعي للمرأة المسلمة، وما إلى ذلك، أو يعمل عملا كأن يترك الصلاة إنكارًا وجحودًا، أو يسجد لصنم، أو غير ذلك من العبادات.

 

هذه الحالة الإيمانية هي ما عبرنا عنه في فكرنا بدوام الصلة بالله تعالى، وعبرنا عنه ههنا في هذا الموضع، وهذا المقام باتخاذ العقيدة الإسلامية أساسًا للتفكير والميول، وعبر عنه القرآن الكريم بتقوى الله، وخشيته في السرّ والعلن، قال تعالى: (‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ). (لقمان ‎٣٣)، وعبرت عن السنة النبوية المطهرة بصلاح القلب.

 

روى مسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال: «سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: وأَهْوَى النُّعْمانُ بإصْبَعَيْهِ إلى أُذُنَيْهِ، إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ، وإنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهاتِ وقَعَ في الحَرامِ، كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ، ألا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا وإنَّ حِمَى اللهِ مَحارِمُهُ، ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ. وروى البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ لا ينظُرُ إلى صُوَرِكم، ولا إلى أحسابِكم، ولكن ينظُرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم».

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

 

 

إعداد الأستاذ محمد أحمد النادي

آخر تعديل علىالثلاثاء, 18 نيسان/ابريل 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع