الخميس، 24 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول (ح 29)  وقعت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة بعض المخالفات

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول

(ح 29)

 وقعت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة بعض المخالفات

 

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:

 

أيها المؤمنون:

 

 

أحبتنا الكرام :

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ التاسعَةِ والعشرين، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "وقعت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة بعض المخالفات".

 

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "وقد وقعت مع الصحابة في عهد الرسول عدة حوادث كان الصحابي يخالف بعض الأوامر والنواهي فلم تطعن هذه المخالفات بإسلامه ولم تؤثر في كونه شخصية إسلامية. ذلك أنهم بشر وليسوا ملائكة. وأنهم كباقي الناس وليسوا معصومين، لأنهم ليسوا أنبياء. فقد أرسل حاطب بن أبي بلتعة لكفار قريش خبر غزو الرسول لهم مع أن الرسول كان حريصاً على كتمانه، ولوى الرسول عنق الفضل بن العباس حين رآه ينظر إلى المرأة التي كانت تكلم الرسول نظرة مكررة تنم عن الميل والشهوة. وتحدث الأنصار عام الفتح عن رسول الله أنه تركهم ورجع إلى أهله مع أنه كان بايعهم على أن لا يتركهم. وفرّ كبار الصحابة في حنين وتركوا الرسول في قلب المعركة مع نفر قليل من أصحابه، إلى غير ذلك من الحوادث التي حصـلت ولم يعتبرها الرسـول طاعنة بإسـلام مرتكبيها، ولا مؤثرة في كونهم شخصيات إسلامية. وهذا وحده كافٍ لأن يكون دليلاً على أن الثغرات التي تحصل في السلوك لا تخرج المسلم عن الإسلام، ولا تُخرجه عن كونه شخصية إسلامية. ولكن ذلك لا يعني إباحة مخالفة أوامر الله ونواهيه. فإن حرمة مخالفتها أو كراهتها أمر لا شبهة فيه، ولا يعني أن الشخصية الإسلامية لها أن تخالف صفات المسلم المتمسك بدينه، فإن هذا لا بد منه لتكون شخصية إسلامية، وإنما يعني أن المسلمين بشر، وأن الشخصيات الإسلامية من البشر وليسوا من الملائكة، فإذا زلّوا عوملوا بما يقتضيه حكم الله من المعاقبة على الذنب إن كان مما يعاقب عليه، ولكن لا يقال عنهم إنهم أصبحوا شخصيات غير إسلامية".

 

ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: اللهم اغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا بالعافية.

 

يَا مَن لَهُ عَنَتِ الوُجُوهُ بِأسْرِهَا ... رَغَبــًا وَكُـلُّ الكَائِنَــاتِ تُوَحِّــدُ

 

أنتَ الإلـهُ الواحِـدُ الحَـقُّ الذي ... كــلُّ القلــوبِ لَـهُ تُقِرُّ وَتَشْــهَدُ

 

وصلى الله وسلم وبارك على عين الرحمة وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، سيدنا محـمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: لدينا في هذه الحلقة عدة تساؤلات، وهي:

 

أولا: هل الصحابة رضوان الله عليهم معصومون عن الوقوع في الخطأ؟ وجوابه أن الصحابة بشر، ليسوا أنبياء معصومين، ولا ملائكة على الطاعة مفطورين، فغرائزهم موجودة، وحاجاتهم موفورة، يصيبون، ويخطئون، ويعصون، ويطيعون، تأخذهم الحمية، وتغلبهم الأنفة أحيانا، لكنهم دائمًا يسترجعون، وإلى ربهم يؤوبون، ولذنبهم يستغفرون، وللحق يخضعون، هم خيرة الخلق بعد الأنبياء، وصفوة الأولياء بين الناس، تؤلمهم المعصية، وبالطاعة يفرحون، يخافون ربهم من فوقهم. وقد وقعت مع الصحابة في عهد الرسول عدة حوادث كان الصحابي يخالف بعض الأوامر، والنواهي فلم تطعن هذه المخالفات بإسلامه، ولم تؤثر في كونه شخصية إسلامية.

 

ثانيا: هل لكم أن تَعرِضُوا علينا نماذج من أخطاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم؟ وجواب هذا السؤال: حُبًا، وكرامة سنعرض عليكم نماذج أربعة على سبيل المثال لا الحصر: 

 

  1. منها أن حاطب بن أبي بلتعة أرسل لكفار قريش خبر غزو الرسول صلى الله عليه وسلم لهم مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على كتمانه.
  2. ومنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم لوى عنق الفضل بن العباس حين رآه ينظر إلى المرأة التي كانت تكلم الرسول صلى الله عليه وسلم نظرة مكررة تنم عن الميل، والشهوة.
  3. ومنها أن الأنصار عام الفتح تحدثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تركهم، ورجع إلى أهله مع أنه كان بايعهم على أن لا يتركهم.
  4. ومنها أن كبار الصحابة في حنين فرُّوا، وتركوا الرسول صلى الله عليه وسلم في قلب المعركة مع نفر قليل من أصحابه، إلى غير ذلك من الحوادث التي حصـلت، ولم يعتبرها الرسـول طاعنة بإسـلام مرتكبيها، ولا مؤثرة في كونهم شخصيات إسلامية.

 

ثالثا: علام يدل وقوع الصحابة في أخطاء ومخالفات شرعية؟ وجوابه: إن ذلك يدل على الثغرات التي تحصل في السلوك لا تخرج المسلم عن الإسلام، ولا تُخرجه عن كونه شخصية إسلامية.

 

ثالثا: هل وقوع الصحابة في أخطاء ومخالفات يعني إباحة مخالفة أوامر الله ونواهيه؟ وأن الشخصية الإسلامية لها أن تخالف صفات المسلم المتمسك بدينه؟ وجوابه: لا يعني ذلك مطلقا؛ لأن حرمة، أو كراهة مخالفة أوامر الله ونواهيه أمر لا شبهة فيه، ولا يعني أن الشخصية الإسلامية لها أن تخالف صفات المسلم المتمسك بدينه، فإن هذا لا بد منه لتكون شخصية إسلامية، وإنما يعني أن المسلمين بشر، وأن الشخصيات الإسلامية من البشر، وليسوا من الملائكة، فإذا زلّوا عوملوا بما يقتضيه حكم الله من المعاقبة على الذنب إن كان مما يعاقب عليه، ولكن لا يقال عنهم إنهم أصبحوا شخصيات غير إسلامية.

 

رابعًا: هلا عرضتم علينا حالة أخرى - بكافة تفصيلاتها - من وقوع الصحابة في أخطاء، ومخالفات شرعية، وكيفية معالجة الرسول صلى الله عليه وسلم لها؟ وجوابه: حبًا وكرامةً. إليكم قصة محلم بن جثامة الذي قتل شخصًا بعد نطقه بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله: 

 

روى ابن اسحق عن أبي حُدردَ عن أبيه قال: بَعَثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أضم، وهو مكان في الجزيرة العربية، في نفر من المسلمين منهم أبو قتادة الحارث بن ربعي، ومحلم بن جنادة بن قيس، فخرجنا حتى أتينا بطن أضم، فمر بنا "عامر بن الأخبط الأشجعي" على قعود له، ومعه متاع له، فسلم علينا بتحية الإسلام، وعرفنا بأنه مسلم، فأمسكنا عنه، لما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلاَّ بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق لدينه، التارك للجماعة».

 

وحمل "محلم بن جثامة" على "عامر بن الأخبط" فقتله؛ لشيء كان بينه وبينه، وأخذ بعيره ومتاعه. فقال له رجل من أصحابه: أقتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله؟ والله لأذكرن ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدموا على رسول الله أخبروه.

 

 وكان الوقت ظهرًا، ثم قام إلى ظل شجرة فقعد فيه، فقام إليه "عيينة بن بدر" فطالب بدم "عامر بن الأخبط" فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل لكم أن تأخذوا منا الآن خمسين بعيرا، وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة؟ وهذه هي الدية الشرعية، الدية المحمـدية كما يقولون، فقال عيينة ابن بدر: والله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحزن ما أذاق نسائي! ثم أعاد النبي صلى الله عليه وسلم مقالته الأولى فرفضوا، فلم يزل النبي بهم حتى رضوا بالدية. قال قوم محلم بعضهم لبعض: اذهبوا بمحلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستغفر له، امتثالا لقول الله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ‎). (النساء ٦٤) فلما ذهبوا به، وقام محلم بين يدي رسول الله r وطلب منه أن يستغفر له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لا تغفر لمحلم! اللهم لا تغفر لمحلم! اللهم لا تغفر لمحلم !! فقام محلم يتلقى دموعه بطرف ثوبه.

 

قال الحسن البصري: فو الله ما مكث محلم إلا سبعًا حتى مات، فدفنوه فلفظته الأرض! ثم دفنوه فلفظته الأرض! ثم دفنوه فلفظته الأرض! فوضعوا عليه من الحجارة حتى واروه! فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: «إن الأرض لتقبل من هو شر من صاحبكم، ولكن الله أراد أن يعظكم من حرمتكم».

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

 

 

إعداد الأستاذ محمد أحمد النادي

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع