- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مختصر السيرة النبوية العطرة
ح 31
وفاة آمنة أم النبي ﷺ
أصبح أهل الكتاب يتابعون أخبار هذا الصبي، تقول بركة: كنت لا أفارقه بوصية من أمه آمنة، وفي الطريق عصفت الريح والرمال، فتوقفت القافلة أيامًا، وأصاب آمنة المرض، وأخرت القافلة، فاستأذن من في القافلة بالرحيل، وتركوا معها بعض الناس يرعونها، وكان مرضها في قرية يقال لها الأبواء. والأبواء منطقة بين مكة والمدينة، وهي أقرب للمدينة، وسميت بذلك لأن السيول تتبوّأه، يعني تحل وتستقر فيه.
تقول بركة: فمكثنا أيامًا نعالج مرضها ولكنها لا تستجيب.. والمرض يشتد بها. وذات ليلة أخذ المرض يشتد بها أكثر فأكثر، فعلمت آمنة أنها ستموت فقالت آمنة: "يا بركة.. قربي مني محمَّدًا". قالت: فقربته، فوضعت يدها على رأسه تتلمسه، وهي تنظر إليه وعمره ست سنوات، وتقول: "بـارك فيك الله مـن غلام" تقول بركة: كانت آمنة تنظر إلى ابنها وكأنها تودعه ثم قالت: "يا بركة لا تغفلي عن محمَّد، ولا تجعليه يغيب عن ناظرك". ثم قالت: "يا بني، كل حي ميت، وكل جديد بالٍ، وكل كبير يفنى، وأنا ميتة، وقد تركت خيرًا، وولدت طهرًا". ثم ماتت ويدها على النبيﷺ، قالت بركة: وأخذ محمَّد يكلمها؛ فلا ترد عليه، فعلمتُ أنها ماتت فأغمضتُ عينيها، وضممتُ يدها إلى صدرها، وحاولت أن أبعد الصبي عنها، ولكنه تمسّك بها، وهو يقول وينادي: «أمي، أمي» ثم نظر إليّ وقال: لمَ لا ترد أمي عليّ؟؟!!
تقول بركة: لقد ماتت يا بني!!! هنا تذكر كلام أمه عن الموت، قبل أيام عند قبر أبيه، وأن الذي يموت لا يرجع إلى أهله أبداً قالت: فذرف دمعًا غزيرًا. تقول: فحاولتُ أن أُبعده عنها، فقال القوم الذين معي: "دعيه يا بركة بجانب أمه"، فبقي طوال الليل بجانبها لم ينم، يضمها، ويبكي لا نسمع إلا بكاءه وتنهده. فكنت آتي إليه، كي أُدير وجهه عن أمه، من شدة البكاء؛ كي لا يراها ﷺ. قالت فلما كان النهار شققنا لها قبرًا في الرمال، وأخذنا نحفر لها القبر، وهو يحفر معنا، ويبكي، فلما هممنا بدفنها تعلق بها، وأصر أن ينزل معها في حفرتها، ولمَّا أتعبنا قال القوم: لا بأس، أنزلوه في حفرتها قليلًا. قالت: فنزل، وتمدد بجانبها بالحفرة، وضمها إليه، وهو يبكي فأنزل دمعًا كثيرًا، ثم أخرجوه من الحفرة، ووضعوا عليها الرمال، وأخذت أم أيمن يده لتذهب، فقال لها: «نأخذ أمي معنا!!».
تقول بركة: "حتى إذا وصلنا مكة، وتوجهنا إلى بيت جده عبد المطلب، فطرقتُ الباب فإذا عبد المطلب يفتح الباب، ثم نظر للصبي، وقال: أين أمك يا محمَّد؟ فبكى، وأخذ يردد.. ماتت، ماتت؛ فضمه عبد المطلب، ورجعت أم أيمن تحضن اليتيم المضاعف يتمه، نتابع في الحلقة القادمة إن شاء الله.
وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا، وَحَبِيبِنَا، وَعَظِيمِنَا، وَقَائِدِنَا، وَقُدْوَتِنَا، وَقُرَّةِ أَعْيُنِنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير الأستاذ محمد النادي