الأربعاء، 25 محرّم 1446هـ| 2024/07/31م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول - (ح 31)  - يجب الحذر من بناء الأفكار على العقول، أو المنافع، أو الأهواء

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول

(ح 31)

 يجب الحذر من بناء الأفكار على العقول، أو المنافع، أو الأهواء

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:

 

أيها المؤمنون:

 

مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ الوَاحِدَةِ وَالثلاثين، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "يجب الحذر من بناء الأفكار على العقول، أو المنافع، أو الأهواء".

 

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "ولهذا يجب أن يحذر أولئك الذين يحبّون الإسلام ويريدون أن يكون ظاهراً ومنصوراً ثم لا يبنون تفكيرهم على أفكاره وأحكامه بل يبنونها على عقولهم أو منافعهم أو هواهم، فليحذر هؤلاء من عملهم هذا لأنه يبعدهم عن أن يكونوا شخصيات إسلامية ولو كانت عقيدتهم سالمة من الخلل، ولو كانوا على جانب عظيم من المعرفة بأفكار الإسلام وأحكامه. ومما يجب أن يُلفت النظر إليه أن اعتناق العقيدة الإسلامية معناه الإيمان بكافة ما جاء به الرسول إجمالاً وما ثبت بالدليل القطعي تفصيلاً، وأن يكون تقبل ذلك عن رضا وتسليم. ويجب أن يعلم أن مجرد المعرفة لا يغني، وأن التمرد على أصغر شيء ثابت يقيناً من الإسلام يخرج الشخص ويفصله من العقيدة. والإسلام كلٌ غير قابل للتجزئة من حيث الإيمان والتقبل فلا يجوز في الإسلام إلا أن يُتقبل كاملاً، والتنازل عن بعضه كفر، ومن هنا كان الاعتقاد بفصل الدين عن الحياة أو بفصله عن الدولة كفرًا صراحاً قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا). ‎(النساء١٥٠)".

 

ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: اللهم اغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا بالعافية.

 

يَا مَن لَهُ عَنَتِ الوُجُوهُ بِأسْرِهَا ... رَغَبــًا وَكُـلُّ الكَائِنَــاتِ تُوَحِّــدُ

أنتَ الإلـهُ الواحِـدُ الحَـقُّ الذي ... كــلُّ القلــوبِ لَـهُ تُقِرُّ وَتَشْــهَدُ

 

وصلى الله وسلم وبارك على عين الرحمة وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، سيدنا محـمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: في هذه الحلقة عدة محاور ينبغي لكل مسلم أن يكون على بينة منها كي لا يقع في المحذور، وهذه المحاور نذكرها في نقاط ثم نركز الحديث حول بعضها:

 

أولًا: التوجه بالتحذير إلى أولئك الذين يحبّون الإسلام، ويريدون أن يكون ظاهرًا ومنصورًا، ثم لا يبنون تفكيرهم على أفكاره وأحكامه، بل يبنونها على عقولهم أو منافعهم أو هواهم.

 

ثانيا: بيان خطورة بناء التفكير على العقول أو المنافع أو الأهواء، فليحذر هؤلاء من عملهم هذا؛ لأنه يبعدهم عن أن يكونوا شخصيات إسلامية، ولو كانت عقيدتهم سالمة من الخلل، ولو كانوا على جانب عظيم من المعرفة بأفكار الإسلام وأحكامه.

 

وثمة قول يحذر من الاعتماد على العقل، وقد ذكر في بعض الكتب على أنه حديث منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا نصه: "من اعتمد على ماله قلَّ، ومن اعتمد على عقله ضلَّ، ومن اعتمد على الله فلا يضل". وذكره الشيخ محمـد متولي الشعراوي برواية أخرى هذا نصها: "من اعتمد علي ماله قل، ومن اعتمد على عقله ضل، ومن اعتمد على جاهه ذل، ومن اعتمد على الناس مل، ومن اعتمد على الله؛ فلا قل، ولا مل، ولا ضل، ولا ذل". ولكن بعد الاطلاع والبحث لم نجد هذا القول منسوبًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووجدناه في بعض الكتب منسوبًا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.

 

 والعقل في الإسلام له أهمية كبيرة، وتكمن أهميته في أمور منها :

 

الأمر الأول: أنه شرط التكليف، فمن شروط التكليف بالأوامر، وترك النواهي أن يكون المكلَّف عاقلًا.

 

الأمر الثاني: أن العقل هو إحدى الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها والاهتمام بها، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، ومن تشريعات حفظ العقل في الإسلام تحريم شرب الخمر، والمخدرات .

 

الأمر الثالث: أن استعمال الإنسان لعقله استعمالًا صحيحًا يجعله يفهم الآيات، والأحاديث على وجهها الصحيح، وإذا كان كافرًا فإن الله تعالى جعل في دينه من الحجج والبراهين ما لا يخفى على عاقل، لكن من لم يستخدم عقله لم ينتفع بهذه الحجج والبراهين، لذا سيندم هؤلاء يوم القيامة، وسيتمنون لو أنهم استخدموا عقولهم على وجهها الصحيح، قال تعالى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ). (الملك11) وليس في الإسلام شيء يخالف العقل الصريح، بل العقل موافق لما جاء في الشرع، وإنما ضلَّ أقوام حكَّموا عقولهم هم في نصوص الشرع فضلوا وأضلوا، أما من استعمل عقله ليفهم ما جاء من نصوص وفق قواعد الفقه، وأصوله فهو المجتهد المأجور .

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى: "فيأخذ المسلمونَ جميعَ دينهم من الاعتقادات، والعبادات، وغير ذلك من كتاب الله، وسنَّةِ رسولِهِ، وإجماع الصحابة، وليس ذلك مخالفًا للعقل الصريح؛ فإنّ ما خالف العقل الصريح فهو باطلٌ. وليس في الكتاب والسنَّةِ وإجماع الصحابة باطل، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعضُ النَّاس، أو يفهمون منها معنى باطلًا، فالآفةُ منهم لا من الكتاب والسُّنَّة؛ فإن الله تعالى قال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدى وَرَحْمَة وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِين )".

 

وإذا استعرضنا نصوص آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وجدنا أن هنالك الكثير منها يحذر من اتباع الهوى نذكر بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر:

  1. قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ). ( ‎الجاثية ٢٣).
  2. وقال تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ). ‎(ص ٢٦‏)‏
  3. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به». وفي الحديث إشارة إلى أن أعظم المبادئ التي حرص الإسلام على ترسيخها في النفوس المؤمنة هو الانقياد لأحكام الشرع وتعاليمه، بحيث تصبح أقوال الإنسان، وأفعاله صادرة عن الشرع، مرتبطة بأحكامه، وحينئذٍ تتكامل جوانب الإيمان في وجدانه.

 

ثالثا: لفت النظر إلى أن اعتناق العقيدة الإسلامية يشتمل معناه أمورًا ثلاثة هي:

  1. الإيمان بكافة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إجمالًا.
  2. الإيمان بما ثبت بالدليل القطعي تفصيلًا.
  3. أن يكون تقبل ذلك عن رضًا وتسليم.

رابعًا: يجب أن يعلم أن مجرد المعرفة لا يغني، وأن التمرد على أصغر شيء ثابت يقينًا من الإسلام يخرج الشخص ويفصله من العقيدة.

 

خامسا: يجب أن يعلم أن الإسلام كلٌ غير قابل للتجزئة من حيث الإيمان، والتقبل فلا يجوز في الإسلام إلا أن يُتقبل كاملًا، والتنازل عن بعضه كفر.

 

سادسا: يجب أن يعلم أن الاعتقاد بفصل الدين عن الحياة، أو بفصله عن الدولة كفرٌ صراحٌ. قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا). ‎(النساء١٥٠).

 

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) من يهود ونصارى، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله بأن يكذبوا رسل الله الذين أرسلهم إلى خلقه بوحيه، ويزعموا أنهم افتروا على ربهم، وذلك هو معنى إرادتهم التفريقَ بين الله ورسله، بنِحْلتهم إياهم الكذب والفريةَ على الله، وادِّعائهم عليهم الأباطيل، (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) يعني أنهم يقولون: نصدِّق بهذا ونكذِّب بهذا، كما فعلت يهود من تكذيبهم عيسى، ومحمدًا - صلى الله عليهما وسلم - وتصديقهم بموسى، وسائر الأنبياء قبله بزعمهم. وكما فعلت النصارى من تكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم، وتصديقهم بعيسى، وسائر الأنبياء قبله بزعمهم، (وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا) يقول: ويريد المفرِّقون بين الله ورسله، الزاعمون أنهم يؤمنون ببعض، ويكفرون ببعض، أن يتخذوا بين أضعاف قولهم: نؤمن ببعض الأنبياء، ونكفر ببعض. سبيلا:  يعني: طريقًا إلى الضلالة التي أحدثوها، والبدعة التي ابتدعوها، يدعون أهل الجهل من الناس إليه. فقد ذم الله تعالى من فرَّق بين آيات القرآن، فقبل بعضها، ورد بعضها، وآمن ببعض الكتاب، وكفر ببعض، وتوعدهم بوعيد شديد فقال: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ). (البقرة: 85).

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع