الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول (ح 37) الرد على القائلين بقدم العالم وأنه أزلي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول

(ح 37)

الرد على القائلين بقدم العالم وأنه أزلي

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:

 

أيها المؤمنون:

 

 

أحبّتنا الكرام :

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابِعَةِ وَالثلاثين، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "الرد على القائلين بقدم العالم وأنه أزلي".

 

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "أما الذين يقولون بقدم العالم وأنه أزلي لا أول له، والذين يقولون بقدم المادة وأنها أزلية لا أول لها فإنهم يقولون: إن العالم غير محتاج إلى غيره بل هو مستغنٍ بنفسه لأن الأشياء الموجودة في العالم هي عبارة عن صور متعددة للمادة إذ هي كلها مادة. فاحتياج بعضها للبعض الآخر ليس احتياجًا. لأن احتياج الشيء لنفسه لا يكون احتياجاً بل هو مستغنٍ بنفسه عن غيره. وعليه تكون المادة أزلية لا أول لها لأنها مستغنية بنفسها عن غيرها أي أن العالم أزلي قديم مستغن بنفسه عن غيره.

 

والجواب على ذلك موجود في وجهين: أحدهما أن هذه الأشياء الموجودة في العالم ليست عندها القدرة على الخلق والإبداع من عدم، سواء أكانت مجتمعة أم متفرقة، فالشيء الواحد عاجز عن الخلق والإبداع من عدم، وإذا كمَّله غيره في ناحية واحدة أو عدة نواح، فإنه يبقى هو وغيره معاً عاجزين عن الخلق والإبداع. فعجزه عن الخلق والإبداع من عدم ظاهر محسوس. وهذا يعني أنه غير أزلي، لأن الأزلي الذي لا أول له يجب أن تنتفي عنه صفة العجز، ويجب أن يكون متصفاً بالقدرة على الخلق والإبداع من عدم، أي يجب أن تستند الأشياء الحادثة في وجودها إليه حتى يكون أزلياً، وبذلك يكون العالم غير أزلي وليس بقديم لأنه عاجز عن الخلق والإبداع. فعدم وجود القدرة في الشيء على الخلق من عدم دليل يقيني على أنه ليس بأزلي.

 

أما الوجه الثاني، فهو ما قررناه من احتياج الشيء إلى نسبة معينة لا يستطيع أن يتعداها حتى يتأتى له سد حاجة غيره وبيان ذلك: إن (أ) محتاج إلى (ب) و (ب) محتاج إلى (ج) و (ج) محتاج إلى (أ) وهكذا فإن احتياجها لبعضها دليل على أن كل واحد منها ليس أزلياً، وكون بعضها يكمل بعضاً أو يسد حاجة البعض الآخر لا يتأتى بشكل مطلق، وإنما يحصل وفق نسبة معينة، أي وفق ترتيب معين، ولا يمكنه أن يقوم بالتكميل إلا حسب هذا الترتيب أو يعجز عن الخروج عنه، فيكون الشيء المكمِّل لم يكمل وحده أي لم يسد الحاجة وحده، بل سدها بترتيب فُرض عليه من غيره وأُجبر على الخضوع له، فيكون الشيء المكمَّل والشيء الذي كمَّله قد احتاجا إلى من عـيَّـن لهما الترتيب المعيّن حتى سدت الحاجة ولم يستطيعا أن يخالفا هذا الترتيب، ولا يحصل سد الحاجة بغير هذا الترتيب، فيكون الذي فرض الترتيب عليها هو المحتاج إليه، وبذلك تكون الأشياء في مجموعها ولو كمَّل بعضها بعضاً لا تزال محتاجة إلى غيرها، أي محتاجة إلى من أجبرها على الخضوع حسب الترتيب المعيَّن".

 

ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: اللهم اغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا بالعافية.

 

يَا مَن لَهُ عَنَتِ الوُجُوهُ بِأسْرِهَا ... رَغَبــًا وَكُـلُّ الكَائِنَــاتِ تُوَحِّــدُ

 

أنتَ الإلـهُ الواحِـدُ الحَـقُّ الذي ... كــلُّ القلــوبِ لَـهُ تُقِرُّ وَتَشْــهَدُ

 

وصلى الله وسلم وبارك على عين الرحمة وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، سيدنا محـمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

 

في سورة البينة يخيرنا الله تعالى عن الكفار والمشركين الذين كانوا يعيشون زمن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال الله تعالى وهو خير القائلين: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ‎(١)‏ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً ‎(٢)‏ فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ). أي لم يكن الذين كفروا من اليهود والنصارى والمشركين تاركين لكفرهم حتى تأتيهم العلامة التي وعدوا بها في الكتب السابقة، وهي رسول من الله يتلو عليهم صحفا مطهرة، فكانت البينة هي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يتلو قرآنًا في صحف مطهرة، في تلك الصحف أخبار صادقة، وأوامر عادلة، تهدي إلى الحق، وإلى صراط مستقيم..

 

كذلك فعل الذين يعيشون بيننا في عصرنا الحاضر من الملحدين، والمشككين بوجود الله جل في علاه، لم يكن هؤلاء الملحدون تاركين لإلحادهم، ومنفكين عن إثارة الشبهات حول فكرة إثبات وجود الخالق حتى تأتيهم البينة، وهي الدليل العقلي المقنع، والبرهان القوي الساطع الذي لا يترك مجالا للريب، ولا للشك؛ فقالوا بقدم العالم، وأنه أزلي لا أول له. وقد جاءتهم البينة على لسان العالم الجليل، والمفكر السياسي المبدع والبارع في سرد الأدلة العقلية المقنعة الشيخ القاضي تقي الدين النبهاني - رحمه الله تعالى - من خلال الرد على شبهتهم هذه وشبهات أخرى غيرها في كتابه: "نقض الاشتراكية الماركسية" ومن قرأ هذا الكتاب من شبابنا قراءة واعية، وفهمه فهما عميقـًا، كان يواجه به عمالقة الفكر الشيوعي، فلا يتلبثون إلا قليلا حتى يتساقطوا ويهزموا أمامه كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة. وقد سار الشيخ في رده على هذه المسألة: "مسألة قدم العالم وأزليته" حسب الخطوات الآتية:

 

أولا: أوضح الشيخ معنى قول القائلين بقدم العالم فقال: أما الذين يقولون بقدم العالم وأنه أزلي لا أول له، والذين يقولون بقدم المادة وأنها أزلية لا أول لها فإنهم يقولون: إن العالم غير محتاج إلى غيره بل هو مستغنٍ بنفسه؛ لأن الأشياء الموجودة في العالم هي عبارة عن صور متعددة للمادة، إذ هي كلها مادة. فاحتياج بعضها للبعض الآخر ليس احتياجًا؛ لأن احتياج الشيء لنفسه لا يكون احتياجًا بل هو مستغنٍ بنفسه عن غيره. وعليه تكون المادة أزلية لا أول لها، لأنها مستغنية بنفسها عن غيرها، أي أن العالم أزلي قديم مستغن بنفسه عن غيره. هذا قولهم، وهذا زعمهم.

 

ثانيًا: أجاب الشيخ عن مسألة قدم العالم وأزليته بأن الأشياء الموجودة في الكون عاجزة عن الخلق والإبداع، وليس لديها القدرة على إيجاد شيء من العدم. فقال: والجواب على ذلك موجود في وجهين:

 

الوجه الأول: أن هذه الأشياء الموجودة في العالم ليست عندها القدرة على الخلق والإبداع من عدم، سواء أكانت مجتمعة أم متفرقة، فالشيء الواحد عاجز عن الخلق والإبداع من عدم، وإذا كمَّله غيره في ناحية واحدة أو عدة نواح، فإنه يبقى هو وغيره معًا عاجزين عن الخلق والإبداع. فعجزه عن الخلق والإبداع من عدم ظاهر محسوس.

 

ثالثا: بين الشيخ معنى عجز الأشياء عن الخلق والإبداع، وإيجاد شيء ما من العدم فقال: وهذا يعني أنه غير أزلي، لأن الأزلي الذي لا أول له يجب أن تنتفي عنه صفة العجز، ويجب أن يكون متصفـًا بالقدرة على الخلق والإبداع من عدم، أي يجب أن تستند الأشياء الحادثة في وجودها إليه حتى يكون أزليًا، وبذلك يكون العالم غير أزلي وليس بقديم لأنه عاجز عن الخلق والإبداع. فعدم وجود القدرة في الشيء على الخلق من عدم دليل يقيني على أنه ليس بأزلي.

 

رابعا: ذكر الشيخ الوجه الثاني من الجواب ألا وهو احتياج المادة إلى من يحدد لها نسبة معينة، ثم ذكر معنى هذا الاحتياج فقال:

 

أما الوجه الثاني: فهو ما قررناه من احتياج الشيء إلى نسبة معينة لا يستطيع أن يتعداها حتى يتأتى له سد حاجة غيره وبيان ذلك بالمثال الآتي: إن (أ) محتاج إلى (ب) و (ب) محتاج إلى (ج) و (ج) محتاج إلى (أ) وهكذا فإن احتياجها لبعضها دليل على أن كل واحد منها ليس أزليًا، وكون بعضها يكمل بعضًا أو يسد حاجة البعض الآخر لا يتأتى بشكل مطلق، وإنما يحصل وفق نسبة معينة، أي وفق ترتيب معين، ولا يمكنه أن يقوم بالتكميل إلا حسب هذا الترتيب أو يعجز عن الخروج عنه.

 

خامسًا: يذكر الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله - في ختام رده نتيجة البحث، والخلاصة التي توصل إليها من البحث ألا وهي أن الأشياء محتاجة إلى من أجبرها على الخضوع لنظام معين، أي أنها محتاجة للخالق جل في علاه. يقول: "فيكون الشيء المكمِّل لم يكمل وحده أي لم يسد الحاجة وحده، بل سدها بترتيب فُرض عليه من غيره وأُجبر على الخضوع له، فيكون الشيء المكمَّل والشيء الذي كمَّله قد احتاجا إلى من عـيَّـن لهما الترتيب المعيّن حتى سدت الحاجة ولم يستطيعا أن يخالفا هذا الترتيب، ولا يحصل سد الحاجة بغير هذا الترتيب، فيكون الذي فرض الترتيب عليها هو المحتاج إليه، وبذلك تكون الأشياء في مجموعها ولو كمَّل بعضها بعضًا لا تزال محتاجة إلى غيرها، أي محتاجة إلى من أجبرها على الخضوع حسب الترتيب المعيَّن.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

 

 

إعداد الأستاذ محمد أحمد النادي

آخر تعديل علىالثلاثاء, 02 أيار/مايو 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع