الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول (ح 38) عدم استغناء المادة عن غيرها دليل يقيني على أنها ليست أزلية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول

(ح 38)

عدم استغناء المادة عن غيرها دليل يقيني على أنها ليست أزلية

 

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:

 

أيها المؤمنون:

 

 

أحبّتنا الكرام :

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ الثامنة والثلاثين، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "عدم استغناء المادة عن غيرها دليل يقيني على أنها ليست أزلية".

 

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "فمثلاً الماء حتى يتحول إلى جليد يحتاج إلى الحرارة، فيقولون أن الماء مادة والحرارة مادة والجليد مادة، فالمادة حتى تحولت إلى صورة أخرى من المادة احتاجت إلى المادة أي احتاجت إلى نفسها وليس لغيرها، ولكن الواقع هو غير هذا. فإن الماء حتى يتحول إلى جليد يحتاج إلى حرارة بدرجة معينة لا إلى الحرارة فقط. والحرارة شيء، وكونها لا تؤثر إلا بدرجة معينة أمر آخر، وهو غير الحرارة. أي أن النسبة المفروضة على الحرارة حتى تؤثر، وعلى الماء حتى يتأثر، هذه النسبة ليست آتية من الماء، وإلا لاستطاع أن يتأثر كما يشاء، وليست آتية من الحرارة، وإلا لاستطاعت أن تؤثر كما تشاء. أي ليست آتية من المادة نفسها، وإلا لاستطاعت أن تؤثر وأن تتأثر كما تشاء، بل لا بد أن تكون آتية من غير المادة. وعليه تكون المادة قد احتاجت إلى مَن يعيِّن لها نسبة معينة حتى يحصل هذا التأثير، أو يحصل فيها التأثر، وهذا الذي يعيّن لها هذه النسبة هو غيرها. فتكون المادة محتاجة إلى غيرها. فهي إذن ليست أزلية، لأن الأزلي القديم لا يحتاج إلى غيره فهو مستغن عن غيره، والأشياء كلها تستند إليه. فعدم استغناء المادة عن غيرها دليل يقيني على أنها ليست أزلية فهي مخـلوقة. ونظرة واحدة للعالم تجعل أي إنسـان يدرك أن إيجـاد الأشياء - سواء أكانت مما يشغل حيزاً أم مما هو من الطاقة - لا يمكن أن يتم إلا من أشياء مدركة محسوسة ومن ترتيب معين بين هذه الأشياء المدركة المحسوسة حتى يتأتى إيجاد الشيء، فلا يوجد في هذا العالم إيجاد منه من عدم، ولا يوجد إيجاد منه من غير تحكم هذه النسبة في الموجَد وخضوعه لها. أي لا يوجد في هذا العالم شيء قد وجد من عدم ولا من غير نسبة، أي من غير ترتيب معيَّن. فتكون الأشياء التي توجَد والتي وجدت في العالم ليست أزلية ولا قديمة".

 

ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: اللهم اغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا بالعافية.

 

يَا مَن لَهُ عَنَتِ الوُجُوهُ بِأسْرِهَا ... رَغَبــًا وَكُـلُّ الكَائِنَــاتِ تُوَحِّــدُ

 

أنتَ الإلـهُ الواحِـدُ الحَـقُّ الذي ... كــلُّ القلــوبِ لَـهُ تُقِرُّ وَتَشْــهَدُ

 

وصلى الله وسلم وبارك على عين الرحمة وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، سيدنا محـمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

 

قال الله تعالى في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) هذه السورة تعدل ثلث القرآن لاشتمالها على عقيدة توحيد الله جل في علاه، وقد أتينا بها في مستهل حلقتنا هذه؛ لأن فيها آية تخدم موضوعنا الذي نحن بصدده، ألا وهو "احتياج المادة" والآية هي قوله تعالى: (اللهُ الصَّمَدُ) قال المفسرون: (الصَّمَدُ) هو المقصود في الحوائج كلها.

 

(صَمَدَ) بمعنى (مَصْمُود) على وزن (فَعَلَ) بمعنى (مَفْعُول) من صَمَدَ إِلَيهِ إِذَا قَصَدَهُ، وهو السيد المَصْمُودُ إليهِ في الحَوائج، والدليل على صحة هذا التفسير ما رواه ابن عباس- رضي الله عنه -: أنهُ لما نزلت هذه الآية قالوا: ما الصمد؟ قال عليه السلام: «هو السيد الذي يصمد إليه في الحوائج وقال الليث: صَمَدْتُ صَمْدَ هَذَا الأمرِ، أي قَصَدْتُ قَصْدَهُ».

 

وفي فكرنا نقول في معنى كلمة (الصَّمَد) كلامًا قريبًا من قول ابن عباس - رضي الله عنه -: (الصَّمَدُ) هو الذي تستند الأشياء في وجودها إليه، وهو سبحانه لا يستند إلى شيء.

 

يلقي الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله - مزيدًا من الضوء على موضوع "احتياج المادة" فيذكر أولا مثال تحول الماء إلى جليد الذي يورده المنكرون لوجود الله تبارك وتعالى، ثم يرد على قول القائلين: "إن المادة احتاجت لنفسها، ولم تحتج إلى غيرها، يعرض رأيهم فيقول: "الماء حتى يتحول إلى جليد يحتاج إلى الحرارة، فيقولون أن الماء مادة، والحرارة مادة، والجليد مادة، فالمادة حتى تحولت إلى صورة أخرى من المادة احتاجت إلى المادة، أي احتاجت إلى نفسها وليس لغيرها، هذا قولهم، وهذا زعمهم.

 

يرد الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله - على هذا الزعم بقوله: ولكن الواقع هو غير هذا. فإن الماء حتى يتحول إلى جليد يحتاج إلى حرارة بدرجة معينة لا إلى الحرارة فقط. والحرارة شيء، وكونها لا تؤثر إلا بدرجة معينة أمر آخر، وهو غير الحرارة. أي أن النسبة المفروضة على الحرارة حتى تؤثر، وعلى الماء حتى يتأثر، هذه النسبة ليست آتية من الماء، وإلا لاستطاع أن يتأثر كما يشاء، وليست آتية من الحرارة، وإلا لاستطاعت أن تؤثر كما تشاء. أي ليست آتية من المادة نفسها، وإلا لاستطاعت أن تؤثر وأن تتأثر كما تشاء، بل لا بد أن تكون آتية من غير المادة.

 

يذكر الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله - نتيجة البحث العقلي التي توصل إليها فيقول: وعليه تكون المادة قد احتاجت إلى مَن يعيِّن لها نسبة معينة حتى يحصل هذا التأثير، أو يحصل فيها التأثر، وهذا الذي يعيّن لها هذه النسبة هو غيرها. فتكون المادة محتاجة إلى غيرها. فهي إذن ليست أزلية، لأن الأزلي القديم لا يحتاج إلى غيره فهو مستغن عن غيره، والأشياء كلها تستند إليه. فعدم استغناء المادة عن غيرها دليل يقيني على أنها ليست أزلية فهي مخـلوقة لخالق خلقها وهو الله تعالى. وفي موضوع النسبة المعينة المفروضة على الأشياء لكي تتحول من حالة إلى حالة أخرى قال تعالى: وقال: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ). ‎(القمر ٤٩‏) وقال جل من قائل: (وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ).  ‎(الرعد ٨)‏ وقال تعالى: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ). ‎(الحجر٢١) وقال تعالى: (وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ). (الشورى 27)

 

وفي الختام يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: ونظرة واحدة للعالم تجعل أي إنسـان يدرك أن إيجـاد الأشياء - سواء أكانت مما يشغل حيزًا أم مما هو من الطاقة - لا يمكن أن يتم إلا من أشياء مدركة محسوسة ومن ترتيب معين بين هذه الأشياء المدركة المحسوسة حتى يتأتى إيجاد الشيء، فلا يوجد في هذا العالم إيجاد منه من عدم، ولا يوجد إيجاد منه من غير تحكم هذه النسبة في الموجَد وخضوعه لها. أي لا يوجد في هذا العالم شيء قد وجد من عدم، ولا من غير نسبة، أي من غير ترتيب معيَّن. فتكون الأشياء التي توجَد والتي وجدت في العالم ليست أزلية ولا قديمة.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

 

 

إعداد الأستاذ محمد أحمد النادي

آخر تعديل علىالخميس, 04 أيار/مايو 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع