- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مختصر السيرة النبوية العطرة
ح 68
قريش تضعف أمام قوة إيمان الصحابة
فتتبع أسلوب المفاوضات والمساومات
بعد صبر الصحابة وثباتهم في مكة على قول: لا إله إلا الله محمَّد رسول الله، كسروا بذلك كبرياء قريش، وأنه لا فائدة من تعذيب المستضعفين، الذين آمنوا بالله ورسوله، فالتعذيب لا يزيدهم إلا ثباتًا، ويزيد عدد من يدخلون هذا الدين يومًا بعد يوم!! هنا قررت قريش، أن تلتفت إلى المفاوضات فعرضوا على النبي ﷺ التفاوض مع قريش، فبدأت المفاوضات فكان المندوب من قريش في التفاوض مع الرسول ﷺ هو رجل سيد من سادة قريش اسمه عتبة بن ربيعة، وكنيته أبو الوليد كلمته مطاعة فيهم، وعاقل من عقلائهم، وتعتبره قريش صاحب رأي، وهو أعلم قريش، وأعرفهم بالشعر. ذهب عتبة أبو الوليد، إلى النبي ﷺ وكان ﷺ أكثر صلاته عند الكعبة، فوجده يصلي، فوقف ينتظره حتى إذا انتهى من صلاته جلس إليه.. قال: يا ابن أخي يا محمَّد، إنك منا حيث علمت حسبًا ونسبًا، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، مزّقت جماعتهم، وسفهت أحلامهم، وعبت آلهتهم، ودينهم، وكفّرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني يا محمَّد أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل مني. يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا، سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه - أي إذا كنت مسحورًا- فقال له ﷺ: (بسم الله الرحمن الرحيم حم، تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ، بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ،قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ، قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) يقول من شهد هذا الموقف من الصحابة: كان عتبة أول مرة يسمع القرآن، فأخذ يسمع، ويتدبر، ويصغي، فلما وصل النبي ﷺ إلى قوله تعالى: (فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ)، هب عتبة من مكانه وقد فزع، وجثا على ركبيته، ووضع كفه على فم النبي، وأمسك فمه، وقال: أنشدك الله والرحم، أنشدك الله والرحم يا محمَّد إلا كففت. ثم قال عتبة: هذا آخر ما عندك يا محمَّد؟؟ قال: «نعم، لقد استمعت إليك يا أبا الوليد، وأنت ها قد استمعت إليَّ فأنظر ماذا ترى؟». فقام عتبة، ورجع يمشي إلى أندية قريش، فلما شاهدوا عتبة من بعيد قادمًا إليهم قالوا: نقسم باللات والعزى، لقد رجع أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. قالوا: ماذا حدث يا أبا الوليد؟ تكلم. قال: يا قوم تعلمون أني أعلمكم بالشعر قالوا له: أجل أنت أعلمنا بالشعر قال: والله لقد سمعت من محمَّد كلامًا ما هو بالشعر، ولا هو بالكهانة، ولا هو بالسحر.. وإني سمعت منه نبأ عظيمًا. يا قوم اجعلوها لي قالوا: وما رأيك يا أبا الوليد؟ قال: تتركوا الرجل بينه وبين سائر العرب، فإن له نبأ، فإن ظهر فعزه عزكم، وإن أصابته العرب أصيب بغيركم، اتركوا الرجل، واعتزلوه قالوا: لقد سحرك محمَّد يا أبا الوليد!! قال لهم: ها قد قلت لكم رأيي، وقد حذركم محمَّد، وأنتم تعلمون صدقه وأمانته.. فقد أنذركم محمَّد صاعقة كصاعقة عاد وثمود لما قال لهم هذا التحذير تفرق القوم من فورهم!! كلام الله عز وجل كالشمس يدخل بين شقوق القلوب، فينورها، ويؤثر بها وإن كان القلب قد امتلأ كفرًا ومعصية، ولكنّ القرآن هو مشكاة الأنوار!! لا تهجر كلام الله فوَ اللهِ لَنْ تَعرفَ الطريقَ الصحيحَ وَالسليمَ مِنْ دُونِهِ، صَلُّوا عَلَى شَمْسِ القلوبِ وَضِيَائِهَا، وَنُورِ الصُّدُورِ وَشِفَائِهَا.
وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا، وَحَبِيبِنَا، وَعَظِيمِنَا، وَقَائِدِنَا، وَقُدْوَتِنَا، وَقُرَّةِ أَعْيُنِنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير الأستاذ محمد النادي