- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول
(ح 69)
من الخطأ في إقامة البرهان الاعتماد على الأساس المنطقي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:
أيها المؤمنون:
مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ التاسعةِ وَالستين، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "من الخطأ في إقامة البرهان الاعتماد على الأسـاس المنطقي".
يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "أما ترتيب المحسوسات على المحسوسات فإنه إذا انتهى إلى الحس في القضايا، وانتهى إلى الحس في النتيجة تكون النتيجة صحيحة؛ لأنها اعتمدت على الحس في القضايا، والنتيجة لا على ترتيب القضايا فقط. ولكن الذي يحصل أن الاعتماد في الوصول إلى الحقيقة يكون على ترتيب القضايا، وملاحظة الحس إنما تكون فيما تنتهي إليه القضايا، وقد يحصل أن القضية قد يتوهم أنها تصدق على شيء، ويكون الواقع أنها لا تصدق على هذا الشيء، أو قد يحصل أن القضية المسوَّرة بالسور الكلي قد تصدق على بعض أجزائها دون البعض؛ فيوهم صدقها على بعض أجزائها صدقها على الجميع أو قد يحصل أن يكون في القضية حكم ظاهره صحيح وواقعه خطأ؛ فيتوهم صحة القضية، وقد يحصل أن تكون النتيجة صحيحة ولكن القضايا التي استنتجت منها خطأ؛ فيتوهم من صحة النتيجة صحة القضايا... وهكذا. فمثلاً قد يُقال: إسبانيا سكانها ليسوا مسلمين، وكل بلد سكانه ليسوا مسلمين ليس بلداً إسلامياً، فالنتيجة إسبانيا ليست بلدًا إسلاميًا. فهذه النتيجة خطأ، والخطأ آتٍ من أن القضية الثانية خطأ. فقوله كل بلد سكانه ليسوا مسلمين ليس بلدًا إسلاميًا خطأ لأن البلد يكون بلدًا إسلاميًا إذا حكمت بالإسلام أو إذا كان جمهرة سكانها مسلمين، ولهذا جاءت النتيجة خطأ، فإن إسبانيا بلاد إسلامية. ومثلاً قد يقال: أميركا بلد ترتفع فيه الناحية الاقتصادية، وكل بلد ترتفع فيه الناحية الاقتصادية بلد ناهض، فالنتيجة أميركا بلد ناهض. فهذه النتيجة صحيحة بالنسبة لأميركا. مع أن إحدى القضيتين فيها غير صحيحة. فليس كل بلد ترتفع فيه الناحية الاقتصادية بلدًا ناهضًا، بل البلد الناهض هو البلد الذي ترتفع فيه الناحية الفكرية. فيترتب على هذه القضية التي صحَّت نتيجتها أن يتوهم أن القضايا التي أخذت منها هذه النتيجة صحيحة، ويترتب على ذلك كله أن تكون الكويت، وقطر، والسعودية كل منها بلد ناهض؛ لأن الناحية الاقتصادية فيها مرتفعة مع أن الحقيقة هي بلاد غير ناهضة. وهكذا جميع القضايا تستند صحة نتائجها إلى صحة القضايا، وصحة القضايا غير مضمونة؛ لأنه قد تقع فيها المغالطة، ولذلك كان من الخطأ الاعتماد في إقامة البرهان على الأسـاس المنطقي. ولكن ليس معـنى هذا أن الحقيقة التي يتوصـل إليها عن طريق المنطق خطأ، أو أن إقامة البرهان بواسطة المنطق خطأ بل معناه أن الاعتماد في البرهان على الأساس المنطقي خطأ وجعل المنطق أساسًا في إقامة الحجج خطأ فيجب أن يجعل الحس هو الأساس في الحجة والبرهان".
ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: يتابع الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى بيان خطأ منهج المتكلمين سائرا في الخطوات الآتية:
أولا: يقول: "أما ترتيب المحسوسات على المحسوسات؛ فإنه إذا انتهى إلى الحس في القضايا، وانتهى إلى الحس في النتيجة تكون النتيجة صحيحة؛ لأنها اعتمدت على الحس في القضايا، والنتيجة لا على ترتيب القضايا فقط، ولكن الذي يحصل أن الاعتماد في الوصول إلى الحقيقة يكون على ترتيب القضايا، وملاحظة الحس إنما تكون فيما تنتهي إليه القضايا".
ثانيا: يورد الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله - أربع احتمالات لترتيب المحسوسات على المحسوسات للوصول إلى النتيجة:
- وقد يحصل أن القضية قد يتوهم أنها تصدق على شيء، ويكون الواقع أنها لا تصدق على هذا الشيء.
- أو قد يحصل أن القضية المسوَّرة بالسور الكلي قد تصدق على بعض أجزائها دون البعض؛ فيوهم صدقها على بعض أجزائها صدقها على الجميع.
- أو قد يحصل أن يكون في القضية حكم ظاهره صحيح، وواقعه خطأ؛ فيتوهم صحة القضية.
- وقد يحصل أن تكون النتيجة صحيحة ولكن القضايا التي استنتجت منها خطأ؛ فيتوهم من صحة النتيجة صحة القضايا... وهكذا.
ثالثًا: يورد الشيخ رحمه الله مثالين على الحالات التي جرى عليها ترتيب المحسوسات على المحسوسات:
- 1. المثال الأول:
المقدمة الكبرى: كل بلد سكانه ليسوا مسلمين ليس بلدًا إسلاميًا.
المقدمة الصغرى: إسبانيا سكانها ليسوا مسلمين.
النتيجة: إسبانيا ليست بلدًا إسلاميًا.
رابعا: يعقب الشيخ على ذلك المثال الأول قائلًا: فهذه النتيجة خطأ، والخطأ آتٍ من أن القضية الأولى خطأ. فقوله كل بلد سكانه ليسوا مسلمين ليس بلدًا إسلاميًا خطأ؛ لأن البلد يكون بلدًا إسلاميًا إذا حكمت بالإسلام، أو إذا كان جمهرة سكانها مسلمين، ولهذا جاءت النتيجة خطأ، فإن إسبانيا بلاد إسلامية.
- 2. المثال الثاني:
المقدمة الكبرى: كل بلد ترتفع فيه الناحية الاقتصادية بلد ناهض.
المقدمة الصغرى: أميركا بلد ترتفع فيه الناحية الاقتصادية.
النتيجة: أميركا بلد ناهض.
خامسًا: يعقب الشيخ على ذلك المثال الأول قائلًا: فهذه النتيجة صحيحة بالنسبة لأميركا. مع أن إحدى القضيتين فيها غير صحيحة. فليس كل بلد ترتفع فيه الناحية الاقتصادية بلدًا ناهضًا، بل البلد الناهض هو البلد الذي ترتفع فيه الناحية الفكرية.
سادسا: يضيف الشيخ على تعقيبه تعقيبا آخر قائلًا: "فيترتب على هذه القضية التي صحَّت نتيجتُها أن يُتوَهمَ أنَّ القضايا التي أخذت منها هذه النتيجة صحيحة، ويترتب على ذلك كله أن تكون الكويت، وقطر، والسعودية كل منها بلد ناهض؛ لأن الناحية الاقتصادية فيها مرتفعة مع أن الحقيقة هي بلاد غير ناهضة".
سابعا: يذكر الشيخ النتيجة النهائية التي توصل إليها فيقول: "وهكذا جميع القضايا تستند صحة نتائجها إلى صحة القضايا، وصحة القضايا غير مضمونة؛ لأنه قد تقع فيها المغالطة، ولذلك كان من الخطأ الاعتماد في إقامة البرهان على الأسـاس المنطقي".
ثامنا: يستدرك الشيخ قائلًا: "ولكن ليس معـنى هذا أن الحقيقة التي يتوصـل إليها عن طريق المنطق خطأ، أو أن إقامة البرهان بواسطة المنطق خطأ بل معناه أن الاعتماد في البرهان على الأساس المنطقي خطأ وجعل المنطق أساسًا في إقامة الحجج خطأ فيجب أن يجعل الحس هو الأساس في الحجة والبرهان".
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
إعداد الأستاذ محمد أحمد النادي