- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول
المتكلمون خرجوا على الواقع المحسوس، وتجاوزوه
إلى غير المحسوس، وبحثوا فيما وراء الطبيعة (ح 70)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:
أيها المؤمنون:
مستمعينا الكرام:
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا: "وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّبعينَ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "المتكلمون خرجوا على الواقع المحسوس، وتجاوزوه إلى غير المحسوس، وبحثوا فيما وراء الطبيعة".
يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "أمَّا المنطق فإنه يجوز أن يقام به البرهان على صحة القضية وهو يكون صحيحًا إذا صحت قضاياه جميعها وانتهت هي والنتيجة معًا إلى الحس، وكانت صحة النتيجة آتية من الاستنتاج من القضايا لا من شيء آخر، إلا أن وجود إمكانية وقوع المغالطة فيه يوجب أن لا يُجعل أساسًا في إقامة الحجة لأنه ككل أساس ظني فيه إمكانية الخطأ وإن كان يمكن أن يكون الاستدلال في بعض صورة يقينيًا، ويجب أن يُجعل الأساس في البرهان هو الحس لأنه ككل أساس قطعي في وجود الشيء لا يمكن أن يتطرق إليه أي خطأ.
ثانيًا - إن المتكلمين خرجوا على الواقع المحسوس، وتجاوزوه إلى غير المحسوس فهم بحثوا فيما وراء الطبيعة، في ذات الله وفي صفاته، فيما لم يصل إليه الحس، وشبكوا ذلك مع الأبحاث المتعلقة بالمحسوس، وأفرطوا في قياس الغائب على الشاهد، أعني في قياس الله على الإنسان، فأوجبوا على الله العدل كما يتصوره الإنسان في الدنيا وأوجبوا على الله أن يعمل ما فيه الصلاح بل أوجب بعضهم على الله أن يعمل ما هو الأصلح لأن الله حكيم ولا يفعل فعلاً إلا لغرض أو حكمة، والفعل من غير غرض سفه وعبث، والحكيم إما أن ينتفع هو وإما أن ينفع غيره، ولما تقدس الله تعالى عن الانتفاع تعين أنه إنما يفعل لينفع غيره... وهكذا مما جعلهم يخوضون في أبحاث ليست مما يقع عليه الحس وليست مما يمكن الحكم عليها بواسطة العقل، فوقعوا فيما وقعوا فيه. وفاتهم أن المحسوس مدرك وأن ذات الله غير مدركة فلا يمكن أن يقاس أحدهما على الآخر، ولم يفطنوا إلى أن عدل الله لا يصح أن يقاس على عدل الإنسان ولا يجوز إخضاع الله لقوانين هذا العالم وهو الذي خلق العالم، وهو الذي يُديره حسب هذه القوانين التي جعلها له. وإذا كنا نرى أن الإنسان إذا ضاق نظره يفهم العدل فهمًا ضيقًا ويحكم على الأشياء حكمًا معينًا، فإذا اتسع نظره تغيرت نظرته إلى العدل وتغير حكمه فكيف نقيس رب العالمين الذي يحيط علمه بكل شيء فنعطي عدله المعنى الذي نراه نحن للعدل؟".
ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: يتابع الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى بيان خطأ منهج المتكلمين فيقول: "ووجه الخطأ في هذا المنهج ظاهر في عدة وجوه:
أولاً: إن هذا المنهج يعتمدون فيه في إقامة البرهان على الأساس المنطقي، وليس على الأساس الحسي. وقد سبق الحديث عن هذا الوجه.
ثانيًا - إن المتكلمين خرجوا على الواقع المحسوس، وتجاوزوه إلى غير المحسوس. وقد اشتملت هذه الفقرة على الأفكار الآتية:
أولًا: ذكر الشيخ المنطق الذي يجوز أن يقام عليه البرهان فقال: "أمَّا المنطق فإنه يجوز أن يقام به البرهان على صحة القضية، وهو يكون صحيحًا إذا صحت قضاياه جميعها، وانتهت هي والنتيجة معًا إلى الحس، وكانت صحة النتيجة آتية من الاستنتاج من القضايا لا من شيء آخر".
ثانيًا: حذر الشيخ من جعل المنطق أساسًا في إقامة الحجة فقال: "إلا أن وجود إمكانية وقوع المغالطة فيه يوجب أن لا يُجعل أساسًا في إقامة الحجة لأنه ككل أساس ظني فيه إمكانية الخطأ".
ثالثا: ذكر الشيخ أن الحس هو الذي يجب أن يجعل أساسا في البرهان فقال: "وإن كان يمكن أن يكون الاستدلال في بعض صورة يقينيًا، ويجب أن يُجعل الأساس في البرهان هو الحس لأنه ككل أساس قطعي في وجود الشيء لا يمكن أن يتطرق إليه أي خطأ".
رابعًا: ذكر الشيخ مجموعة الأخطاء التي وقع فيها المتكلمون:
- خرجوا على الواقع المحسوس، وتجاوزوه إلى غير المحسوس.
- بحثوا فيما وراء الطبيعة: في ذات الله، وفي صفاته، فيما لم يصل إليه الحس.
- شبكوا ذلك مع الأبحاث المتعلقة بالمحسوس.
- أفرطوا في قياس الغائب على الشاهد، أعني في قياس الله على الإنسان.
- أوجبوا على الله العدل كما يتصوره الإنسان في الدنيا.
- أوجبوا على الله أن يعمل ما فيه الصلاح.
- بل أوجب بعضهم على الله أن يعمل ما هو الأصلح لأن الله حكيم ولا يفعل فعلًا إلا لغرض أو حكمة، والفعل من غير غرض سفه وعبث، والحكيم إما أن ينتفع هو وإما أن ينفع غيره، ولما تقدس الله تعالى عن الانتفاع تعين أنه إنما يفعل لينفع غيره...
- وهكذا مما جعلهم يخوضون في أبحاث ليست مما يقع عليه الحس، وليست مما يمكن الحكم عليها بواسطة العقل، فوقعوا فيما وقعوا فيه.
- فاتهم أن المحسوس مدرك وأن ذات الله غير مدركة، فلا يمكن أن يقاس أحدهما على الآخر.
- لم يفطنوا إلى أن عدل الله لا يصح أن يقاس على عدل الإنسان ولا يجوز إخضاع الله لقوانين هذا العالم وهو الذي خلق العالم، وهو الذي يُديره حسب هذه القوانين التي جعلها له.
- وإذا كنا نرى أن الإنسان إذا ضاق نظره يفهم العدل فهمًا ضيقًا، ويحكم على الأشياء حكمًا معينًا، فإذا اتسع نظره تغيرت نظرته إلى العدل وتغير حكمه فكيف نقيس رب العالمين الذي يحيط علمه بكل شيء، فنعطي عدله المعنى الذي نراه نحن للعدل؟".
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.