- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول
المتكلمون أوجبوا الإيمان بما تصوروه، وأطلقوا عليه اسم
"الكسب، والاختيار" (ح 74)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:
أيها المؤمنون:
أحبّتنا الكرام:
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا: "وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ وَالسَّبعينَ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "المتكلمون أوجبوا الإيمان بما تصوروه، وأطلقوا عليه اسم: "الكسب والاختيار".
يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "فهذا الكلام تصوره الباحثون تصورًا وفرضوه فرضًا، ولا واقع له حسًّا، ولكنهم أعطوا العقل حرية البحث؛ فبحث هذا الأمر، ووجد لديه هذا التصور فأوجبوا الإيمان بما تصوروه وأطلقوا عليه اسم الكسب والاختيار. ولو جعلوا العقل يبحث في المحسوسات وحدها لأدركوا أن خلق الفعل من حيث إيجاد جميع مواده إنما هو من الله لأن الخلق من العدم لا يتأتى إلا من الخالق، أما مباشرة هذه المواد وإيجاد الفعل منها فهو من العبد كأي صناعة يقوم بها، كصناعة الكرسي مثلاً. ولو جعلوا العقل يبحث في المحسوسات وحدها لما آمنوا بكثير من الوهميات والفروض النظرية.
رابعًا - إن منهـج المتكلمين يجعل العقل أساس البحث في الإيمان كله، فترتب على ذلك أن جعلوا العقل أساساً للقرآن ولم يجعلوا القرآن أساسًا للعقل. وقد بنوا تفسيرهم للقرآن بمقتضى ذلك على أسسهم من التنـزيه المطلق وحريـة الإرادة والعـدل وفعـل الأصلح إلى غير ذلك، وحكَّموا العقل بالآيات التي ظاهرها التعارض وجعلوه الفيصل بين المتشابهات وأولوا الآيات التي لا تتفق والرأي الذي يذهبون إليه حتى صار التأويل طريقة لهم لا فرق بين المعتزلة وأهل السنة والجبرية، لأن الأساس ليس الآية وإنما الأساس عندهم العقل، والآية يجب أن تؤول لتطابق العقل، وهكذا أدى جعل العقل أساسًا للقرآن إلى خطأ في البحث، وخطأ فيما يبحـث. ولو جعلوا القرآن أسـاسـًا للبحث والعقل مبنيًا على القرآن لَما وقعوا فيما وقعوا فيه.
نعم إن الإيمان بكون القرآن كلام الله مبني على العقل فقط، ولكن القرآن نفسه بعد أن يتم الإيمان به يصبح هو الأساس للإيمان بما جاء به وليس العقل. ولهذا يجب إذا وردت آيات في القرآن أن لا يحكم العقل في صحة معناها أو عدم صحته وإنما تحكم الآيات نفسها، والعقل وظيفته في هذه الحالة الفهم فقط. ولكن المتكلمين لم يفعلوا ذلك، بل جعلوا العقل أساساً للقرآن، ومن أجل هذا حصل لديهم التأويل في آيات القرآن".
ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: يواصل الشيخ بيان خطأ منهج المتكلمين في البحث على النحو الآتي:
أولا: يبين الشيخ كيف أعطى المتكلمون العقل حرية البحث فيقول:
- فهذا الكلام تصوره الباحثون تصورًا، وفرضوه فرضًا، ولا واقع له حسًّا، ولكنهم أعطوا العقل حرية البحث؛ فبحث هذا الأمر، ووجد لديه هذا التصور، فأوجبوا الإيمان بما تصوروه، وأطلقوا عليه اسم الكسب والاختيار.
- ولو جعلوا العقل يبحث في المحسوسات وحدها؛ لأدركوا أن خلق الفعل من حيث إيجاد جميع مواده إنما هو من الله؛ لأن الخلق من العدم لا يتأتى إلا من الخالق، أما مباشرة هذه المواد، وإيجاد الفعل منها؛ فهو من العبد كأي صناعة يقوم بها، كصناعة الكرسي مثلًا.
- ولو جعلوا العقل يبحث في المحسوسات وحدها، لما آمنوا بكثير من الوهميات، والفروض النظرية.
ثانيًا: يتابع الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله - بيان خطأ منهج المتكلمين، فيذكر خطأ رابعًا وقعوا فيه إضافة إلى الأخطاء الثلاثة السابقة، وها نحن نعيدها لأجل التذكير بها:
- منهج المتكلمين يعتمدون فيه في إقامة البرهان على الأساس المنطقي، وليس على الأساس الحسي.
- منهج المتكلمين يجيزُ لهم قِياسَ اللهِ تَعالى على الإنسانِ.
- منهج المتكلمين يُعطي العقل حرية البحث في كل شيء، فيما يحس وفيما لا يحس.
- إن منهج المتكلمين يجعل العقل أساس البحث في الإيمان كله. فترتب على ذلك أن جعلوا العقل أساسًا للقرآن، ولم يجعلوا القرآن أساسًا للعقل.
ثالثًا: يوضح الشيخ تقي الدين - رحمه - الله كيف جعل المتكلمون العقل أساسًا للقرآن فيقول:
- بنى المتكلمون تفسيرهم للقرآن بمقتضى ذلك على أسسهم من التنزيه المطلق وحرية الإرادة والعدل وفعل الأصلح إلى غير ذلك.
- حكَّم المتكلمون العقل بالآيات التي ظاهرها التعارض، وجعلوه الفيصل بين المتشابهات.
- أوَّلَ المتكلمون الآيات التي لا تتفق والرأي الذي يذهبون إليه حتى صار التأويل طريقة لهم لا فرق بين المعتزلة، وأهل السنة، والجبرية، لأن الأساس ليس الآية وإنما الأساس عندهم العقل، والآية يجب أن تؤول لتطابق العقل.
- وهكذا أدى جعل العقل أساسًا للقرآن إلى خطأ في البحث، وخطأ فيما يبحـث. ولو جعلوا القرآن أسـاسـًا للبحث والعقل مبنيًا على القرآن لَما وقعوا فيما وقعوا فيه.
رابعًا: يصحح الشيخ تقي الدين مسار البحث لدى المتكلمين فيقول:
- نعم إن الإيمان بكون القرآن كلام الله مبني على العقل فقط، ولكن القرآن نفسه بعد أن يتم الإيمان به يصبح هو الأساس للإيمان بما جاء به، وليس العقل.
- ولهذا يجب إذا وردتْ آياتٌ في القرآنِ أَنْ لَا يَحكُمَ العقلُ في صِحَّةِ مَعناهَا، أو عَدَمَ صحَّتِهِ، وإنَّما تَحكُمُ الآياتُ نفسُها.
- والعقل وظيفتُهُ في هذه الحالة الفهمُ فقط.
- ولكن المتكلمين لم يفعلوا ذلك، بل جعلوا العقل أساسًا للقرآن، ومن أجل هذا حصل لديهم التأويل في آيات القرآن.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.