- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة "رمضان كريم" كلمات قصيرة
اليوم الرابع عشر
لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا
إِخْوَانَنَا الكِرَامْ.. أخَوَاتِنَا الكَرِيمَاتْ.. مَعَاشِرَ الصَّائِمِينَ، وَالصَّائِمَاتِ: السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهْ.
الحَمْدُ للهِ وَكَفَى، وَصَلَاةً وَسَلَاماً عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَفَى. أمَّا بَعدُ: اجْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأخَذُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَارْتَفَعَتْ أصْوَاتُهُمْ، وَضَحِكَاتُهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ، وَسَمِعَ ضَحِكَاتِهِمْ، فَقَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلَيلاً، وَلَبَكَيتُمْ كَثِيراً».
وَمِنْ أعْظَمِ سِيَاقَاتِ هَذَا الحَدِيثِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتْ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِداً لِلَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ».
هَذَا الحَدِيثُ مِنَ الأحَادِيثِ العَظِيمَةِ الجَلِيلَةِ الَّتِي تَكْسُو القُلُوبَ انكِسَاراً بَينَ يَدِيِ اللهِ، وَاعْتِرَافاً بِالفَقْرِ إِلَيهِ، وَرَجَاءَ رَحْمَتِهِ، وَعَفْوِهِ، وَإِحْسَانِهِ، وَهَذَا الحَدِيثُ لَهُ تَتِمَّةٌ، ألَا وَهِيَ أنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لَمَّا سَمِعُوا قَوَل النَّبِيِّ هَذَا حَزِنُوا حُزْناً شديداً، وَبَكَوا بُكَاءً مُرّاً، وَذَلِكَ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، فَقَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ، لَضَحِكْتُم قَلِيلاً، وَلَبَكَيتُمْ كَثِيراً، فَغَطَّى أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ وُجُوهَهُمْ، وَلَهُمْ خَنِينٌ. (متفق عليه). وَفِي رِوَايَةٍ: بَلَغَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنْ أصْحَابِهِ شَيءٌ، يَعْنِي هَذَا سَبَبُ وُرُودِ الحَدِيثِ، فَخَطَبَ فَقَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَمْ أرَ كَاليَومِ فِي الخَيرِ وَالشَّرِّ، وَلَو تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، وَلَبَكَيتُمْ كَثِيراً، فَمَا أتَى عَلَى أصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَومٌ أشَدُّ مِنْهُ، غَطُّوا رُءُوسَهُمْ وَلَهُمْ، خَنِينٌ».
فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلَامُ بَعْدَهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُبَلِّغُهُ عِتَابَ اللهِ تَعَالَى لَهُ؛ لِأنَّهُ تَسَبَّبَ فِي جَلْبِ الحُزْنِ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأرْضَاهُمْ. لَقَدْ عَاتَبَ اللهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّهُ تَسَبَّبَ فِي حُزْن صَحَابِيٍّ وَاحِدٍ هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أمِّ مَكْتُومٍ حِينَ عَبَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ، مَعَ العِلْمِ بِأَنَّ ابنَ أمِّ مَكْتُومٍ لَمْ يَرَ عُبُوسَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَيفَ وَقَدْ أحْزَنَ جَمَاعَةً مِنْ صحابته؟!
وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا، وَحَبِيبِنَا، وَعَظِيمِنَا، وَقَائِدِنَا، وَقُدْوَتِنَا، وَقُرَّةِ أَعْيُنِنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.