- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح63) القيادة الفكرية الإسلامية وحدها الصالحة ووحدها التي يجب أن تحمل للعالم (ج7)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَالسِّتينَ, وَعُنوَانُهَا: "القِيَادَةُ الفِكرِيَّةُ الإِسلامِيَّةُ هِيَ وَحدَهَا الصَّالِحَةُ وَهِيَ وَحْدَهَا الَّتِي يَجِبُ أنْ تُحمَلَ لِلعَالَمِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتَينِ الخَمْسِينَ وَالحَادِيَةِ وَالخمسينَ مِنْ كِتَابِ "نظَامِ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "ولهذا نَقُولُ: إِنَّ القِيَادَةَ الفِكرِيَّةَ الإِسلامِيَّةَ هِيَ وَحْدَهَا الصَّالِحَةُ، وَهِيَ وَحْدَهَا الَّتِي يَجِبُ أنْ تُحْمَلَ للعالمِ. وَإِذَا تحقَّقَتِ الدَّولَةُ الإِسلامِيَّةُ الَّتِي تَحْمِلُ هَذِهِ القِيَادَةَ فَسَيَكُونُ نَجَاحُ هَذِهِ القِيَادَةِ اليَومَ كَمَا كَانَ بِالأمْسِ. قلنا إنَّ الإسلامَ يُوافِقُ فِطرةَ الإنسانِ فيما انبثقَ عنْهُ مِنْ نظمٍ، ولهذا لا يُعْتَبَرُ الإنسانُ كائِناً صِنَاعِيّاً يعيشُ على المِسْطَرَةِ، ويُطَبِّقُ النظامَ بلا تَفَاوُتٍ بالقِيَاسِ الهَنْدَسِيِّ الدَقِيقِ، بلْ يُعْتَبَرُ الإنسانُ كائِناً اجتماعِيّاً يُطَبِّقُ النظامَ كَكَائِنٍ اجتماعيٍّ تَتَفَاوَتُ فيهِ القُوَى والخاصيَّاتُ، فمنَ الطبيعيِّ منْ جِهَةٍ أنْ يُقارِبَ بينَ الناسِ ولا يُسَاوِيَ، مَعَ ضَمَانِ الطُمَأْنِينَةِ لِلجَمِيعِ، وَمِنَ الطَّبِيعِيِّ مِنْ جِهَةٍ أخرى، وَهَذَا مَوضِعُ البَحْثِ الآنَ، أنْ يَشُذَّ على هذا الاعتبارِ عنْ تطبيقِ هذا النظامِ أفرادٌ فيُخالفونَهُ، وأَنْ لا يستجيبَ لهذا النظامِ أفرادٌ، وأن يتولى عن هذا النظامِ أفرادٌ، ولذلكَ كانَ لا بُدَّ من أنْ يكونَ في المجتمعِ فُسَّاقٌ وفُجَّارٌ، وأنْ يكونَ فيهِ كَفَّارٌ ومُنَافِقُونَ، وأنْ يكونَ فيهِ مُرْتَدُّونَ ومُلْحِدُونَ، ولكنَّ العِبْرَةَ بالمجتمعِ بمجموعِهِ منْ حَيْثُ كونُهُ أفكاراً ومشاعرَ وأنظمةً وأناساً، فَيُعْتَبَرُ مجتمعاً إسلاميّاً يُطَبِّقُ الإسلامَ، حينَ تَبْدُو فيهِ هذهِ الأشياءُ إسلاميَّةً. والدليلُ على ذلكَ أنَّهُ لا يمكنُ لأحدٍ أنْ يُطَبِّقَ نظاماً كما طبَّقَ محمَّدٌ رسولُ اللهِ نظامَ الإسلامِ، ومعَ ذلكَ فقدْ وُجِدَ في أيَّامِهِ كُفَّارٌ ومنافقونَ وَوُجِدَ فُسَّاقٌ وفُجَّارٌ، ووُجِدَ مُرْتَدُّونَ وملحدونَ، ولكنْ لا يستطيعُ أحدٌ إلاَّ أنْ يقولَ جازِمَاً: إنَّ الإسلامَ كانَ مُطَبَّقَاً تطبيقاً كاملاً، وإنَّ المجتمعَ كانَ إسلاميَّاً. ولكنَّ هذا التطبيقَ كانَ على الإنسانِ الَّذي هو كائنٌ اجتماعيٌّ، وليسَ كائناً صناعيَّاً. ولقدْ ظلَّ الإسلامُ يُطَبَّقُ وحدَهُ على الأمَّةِ الإسلاميَّةِ بكاملِهَا - عربٍ وغيرِ عربٍ - منذُ أنِ استقرَّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في المدينةِ، إلى أنِ احتَلَّ الاستعمارُ بلادَ المسلمينَ، فاستبدلَ بهِ النظامَ الرأسماليَّ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يُوَاصِلُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَعرِضِ بَحثِهِ لِلقِيَادَةِ الفِكرِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ إِجَابَتَهُ عَنْ مَسألةٍ فِي غَايَةِ الأهَمِيَّةِ وَهِيَ: هَلْ طَبَّقَ المُسلِمُونَ الإِسلامَ, أمْ أنَّهُمْ كَانُوا يَعتَنِقُونَ عَقِيدَتَهُ وَيُطَبِّقُونَ غَيرَهُ مِنَ الأنظِمَةِ وَالأحكَامِ؟! وَيُمكِنُ إِجْمَالُ الإِجَابَةِ الوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الفَقْرَةِ بِالنُّقَاطِ الآتِيَةِ:
- إِنَّ القِيَادَةَ الفِكرِيَّةَ الإِسلامِيَّةَ هِيَ وَحْدَهَا الصَّالِحَةُ، وَهِيَ وَحْدَهَا الَّتِي يَجِبُ أنْ تُحْمَلَ للعالمِ.
- إِذَا تحقَّقَتِ الدَّولَةُ الإِسلامِيَّةُ الَّتِي تَحْمِلُ القِيَادَةَ الفِكرِيَّةَ الإِسلامِيَّةَ, فَسَيَكُونُ نَجَاحُ هَذِهِ القِيَادَةِ اليَومَ كَمَا كَانَ بِالأمْسِ.
- الإسلامَ يُوافِقُ فِطرةَ الإنسَانِ فِيمَا انبَثَقَ عَنْهُ مِنْ نُظُمٍ وَمُوَافَقَتُهُ لِلفِطرَةِ تَظهَرُ مِنْ خِلالِ ما يَأتِي:
- لا يُعْتَبَرُ الإسلامُ الإِنسَانَ كائِناً صِنَاعِيّاً يعيشُ على المِسْطَرَةِ، ويُطَبِّقُ النظامَ بلا تَفَاوُتٍ بالقِيَاسِ الهَنْدَسِيِّ الدَقِيقِ.
- يُعْتَبَرُ الإِسلامُ الإنسَانَ كائِناً اجتماعِيّاً يُطَبِّقُ النظامَ كَكَائِنٍ اجتماعيٍّ تَتَفَاوَتُ فيهِ القُوَى والخاصيَّاتُ.
- منَ الطبيعيِّ منْ جِهَةٍ أنْ يُقَارِبَ الإِسلامُ بَينَ النَّاسِ ولا يُسَاوِيَ، مَعَ ضمانِ الطُمَأْنِينَةِ لِلجَمِيعِ.
- منَ الطبيعيِّ منْ جِهَةٍ أُخرَى أنْ يَكُونَ مَوقِفُ النَّاسِ مِنْ نِظَامِ الإِسلامِ عَلَى النَّحْوِ الآتِي:
أ- أن يَشُذَّ أفرَادٌ عَنْ تَطبِيقِ هَذَا النِّظَامِ فيُخالفونَهُ.
ب- أَنْ لا يستجيبَ لهذا النظامِ أفرادٌ.
ت- أن يتولى عن هذا النظامِ أفرادٌ.
- لا بُدَّ من أنْ يكونَ في المجتمعِ فُسَّاقٌ وفُجَّارٌ، وأنْ يكونَ فيهِ كَفَّارٌ ومُنَافِقُونَ، وأنْ يكونَ فيهِ مُرْتَدُّونَ ومُلْحِدُونَ.
- العِبْرَةَ بالمجتمعِ بمجموعِهِ منْ حَيْثُ كونُهُ أفكاراً وَمَشَاعرَ وأنظمةً وأناساً، فَيُعْتَبَرُ مجتمعاً إسلاميّاً يُطَبِّقُ الإسلامَ، حينَ تَبْدُو فيهِ هذهِ الأشياءُ إسلاميَّةً.
- الدليلُ عَلَى أنَّ المُجتَمَعَ فِيهِ الصَّالِحُونَ وَفِيهِ الفُجَّارُ أنَّهُ لا يُمكِنُ لأحَدٍ أنْ يُطَبِّقَ نِظَاماً كَمَا طبَّقَ محمَّدٌ رسولُ اللهِ نظامَ الإسلامِ، ومعَ ذلكَ فقدْ وُجِدَ في أيَّامِهِ كُفَّارٌ ومنافقونَ وَوُجِدَ فُسَّاقٌ وفُجَّارٌ، ووُجِدَ مُرْتَدُّونَ وملحدونَ.
- لا يَستَطِيعُ أحَدٌ إلاَّ أنْ يقولَ جازِمَاً: إنَّ الإسلامَ كَانَ مُطَبَّقاً تَطبِيقاً كَامِلاً، وإنَّ المجتمعَ كَانَ إسلاميّاً.
- كانَ هَذَا التَّطبِيقُ عَلَى الإنسانِ الَّذي هو كائنٌ اجتماعيٌّ، وليسَ كائناً صناعيّاً.
- ظلَّ الإسلامُ يُطَبَّقُ وحدَهُ على الأمَّةِ الإسلاميَّةِ بكاملِهَا - عربٍ وغيرِ عربٍ - منذُ أنِ استقرَّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في المدينةِ، إلى أنِ احتَلَّ الاستعمارُ بلادَ المسلمينَ، فَاستَبدَلَ بهِ النظامَ الرأسماليَّ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.