- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح93) الدُسْتُورُ والقَانُونُ
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَالتِّسعِينَ, وَعُنوَانُهَا: "الدُّستُورُ وَالقَانُونُ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "كَلِمَةُ القانونِ اصْطِلاحٌ أَجْنَبِيٌّ، ومَعْنَاهُ عِنْدَهُمُ الأَمْرُ الَّذِي يُصْدِرُهُ السُلْطاَنُ لِيَسِيرَ عَلَيْهِ الناسُ، وقَدْ عُرِّفَ القانونُ بأَنَّهُ (مَجْمُوعُ القَوَاعِدِ الَّتِي يُجْبِرُ السُلْطَانُ الناسَ عَلَى اتِّباعِهَا في عَلاقَاتِهِمْ) وقَدْ أُطْلِقَ عَلَى القانونِ الأَسَاسِيِّ لِكُلِّ حُكُومَةٍ كَلِمَةُ الدُسْتُورِ، وأُطْلِقَ عَلَى القانونِ النَاتِجِ مِنَ النِظَامِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الدُسْتُورُ كَلِمَةُ القانونِ. وقَدْ عُرِّفَ الدُسْتُورُ بأَنَّهُ (القانونُ الَّذِي يُحَدِّدُ شَكْلَ الدَوْلَةِ ونِظَامَ الحُكْمِ فِيهَا، ويُبَيِّنُ حُدودَ واخْتِصَاصَ كُلِّ سُلْطَةٍ فِيهَا) أَوِ (القانونُ الَّذِي يُنَظِّمُ السُلْطَةَ العَامَّةَ أَيِ الحُكُومَةَ، ويُحَدِّدُ عَلاقَاتِهَا مَعَ الأَفْرَادِ ويُبَيِّنُ حُقُوقَهَا وَوَاجِبَاتِهَا قِبَلَهُمْ وَحُقُوقَهُمْ وَوَاجِبَاتِهِمْ قِبَلَهَا). والدَسَاتيرُ مُخْتَلِفَةُ المَنْشَأِ، مِنْهَا ما صَدَرَ بصُورَةِ قانونٍ، ومِنْهَا ما نَشَأَ بالعَادَةِ والتَقَالِيدِ كالدُسْتُورِ الإِنْجِلِيزِيِّ، ومِنْهَا ما تَوَلَّى وَضْعَهُ لَجْنَةٌ مِنْ جَمْعِيَّةٍ وَطَنِيَّةٍ كَانَ لَهَا السُلْطَانُ في الأُمَّةِ وَقْتَئِذٍ، فَسَنَّتِ الدُسْتُورَ وبَيَّنَتْ كَيْفِيَّةَ تَنْقِيحِهِ ثُمَّ انْحَلَّتْ هَذِهِ الهَيْئَةُ، وقَامَ مَقَامَهَا السُلُطَاتُ الَّتِي أَنْشَأَهَا الدُسْتُورُ، كَمَا حَدَثَ في فَرَنْسَا وأَمْرِيكَا. ولِلْدُسْتُورِ والقانونِ مَصَادِرُ أُخِذَ مِنْهَا، وهيَ قِسْمَانِ: الأَوَّلُ يُقْصَدُ بِهِ المَنْبَعُ الَّذِي نَبَعَ مِنْهُ الدُسْتُورُ والقانونُ مُبَاشَرَةً، كالعاداتِ، والدِينِ، وآرَاءِ الفُقَهَاءِ، وأَحْكَامِ المحَاكِمِ، وقَوَاعِدِ العَدْلِ والإِنْصَافِ، ويُسَمَّى هَذَا بالمَصْدَرِ التَشْرِيعِيِّ، مِثْلُ دَسَاتِيرِ بَعْضِ الدُوَلِ الغَرْبِيَّةِ كَإِنْجِلْتِرَا وأَمْرِيكا مَثَلاً. والثَانِي يُقْصَدُ بِهِ المَأْخَذُ المُشْتَقُّ مِنْهُ، أَوِ الَّذِي نُقِلَ عَنْهُ الدُسْتُورُ أَوِ القانونُ، مِثْلُ دُسْتُورِ فَرَنْسَا، ودَسَاتِيرِ بَعْضِ الدُوَيْلاتِ القَائِمَةِ في العَالَمِ الإِسْلامِيِّ، كَتُرْكِيَا، ومِصْرَ، والعِرَاقِ، وسُورِيَا مَثَلاً، ويُسَمَّى هَذَا بالمَصْدَرِ التَارِيخِيِّ. هَذِهِ خُلاصَةُ الاصْطِلاحِ الَّذِي تَعْنِيهِ كَلِمَتَا دُسْتُورٍ وقانونٍ، وهُوَ في خُلاصَتِهِ يَعْنِي أَنَّ الدَوْلَةَ تَأْخُذُ مِنْ مَصَادِرَ مُتَعَدِّدَةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَصْدَراً تَشْرِيعِيّاً، أَمْ مَصْدَراً تَارِيخِيّاً، أَحْكَاماً مُعَيَّنَةً، تَتَبَنَّاهَا وتَأْمُرُ بالعَمَلِ بِهَا، فَتُصْبِحُ هَذِهِ الأَحْكَامُ بَعْدَ تَبَنِّيهَا مِنْ قِبَلِ الدَوْلَةِ دُسْتُوراً، إِنْ كَانَتْ مِنَ الأَحْكَامِ العَامَّةِ، وقَانُوناً إِنْ كَانَتْ مِنَ الأَحْكَامِ الخَاصَّةِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: بَعدَ أنْ عَرَّجَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ - عَلَى مَوضُوعِ تَبَنِّي الأحكَامِ الشَّرعِيَّةِ, وَذَكَرَ عَلَى ذَلِكَ أمثِلَةً مِنْ وَاقِعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ وَأرضَاهُمْ أجْمَعِينَ, رَكِبَ مَركباً صَعْباً, وَبَدَأَ يَبحَثُ فِي القَانُونِ وَالدُّستُورِ, وَمَا تَعنِيهِ هَاتَانِ الكَلِمَتَانِ, وَمَا تَعرِيفُ كُلٍّ مِنهُمَا عِندَ أهلِهَا الَّذِينَ اصطَلَحُوا عَلَيهَا, وَمَا مَصَادِرُ كُلٍّ مِنهُمَا, وَيُمكِنُ إِجْمَالُ الأفكَارِ الوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الفَقْرَةِ بِالنُّقَاطِ الآتِيَةِ:
- كَلِمَةُ القانونِ اصْطِلاحٌ أَجْنَبِيٌّ، ومَعْنَاهُ عِنْدَهُمُ الأَمْرُ الَّذِي يُصْدِرُهُ السُلْطاَنُ لِيَسِيرَ عَلَيْهِ الناسُ.
- عُرِّفَ القانونُ بأَنَّهُ (مَجْمُوعُ القَوَاعِدِ الَّتِي يُجْبِرُ السُلْطَانُ الناسَ عَلَى اتِّباعِهَا في عَلاقَاتِهِمْ)
- أُطْلِقَ عَلَى القانونِ الأَسَاسِيِّ لِكُلِّ حُكُومَةٍ كَلِمَةُ الدُسْتُورِ.
- أُطْلِقَ عَلَى القانونِ النَاتِجِ مِنَ النِظَامِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الدُسْتُورُ كَلِمَةُ القانونِ.
- عُرِّفَ الدُسْتُورُ بأَنَّهُ (القانونُ الَّذِي يُحَدِّدُ شَكْلَ الدَوْلَةِ ونِظَامَ الحُكْمِ فِيهَا، ويُبَيِّنُ حُدودَ واخْتِصَاصَ كُلِّ سُلْطَةٍ فِيهَا)
- عُرِّفَ الدُسْتُورُ أيضاً بِأنَّهُ (القانونُ الَّذِي يُنَظِّمُ السُلْطَةَ العَامَّةَ أَيِ الحُكُومَةَ، ويُحَدِّدُ عَلاقَاتِهَا مَعَ الأَفْرَادِ ويُبَيِّنُ حُقُوقَهَا وَوَاجِبَاتِهَا قِبَلَهُمْ وَحُقُوقَهُمْ وَوَاجِبَاتِهِمْ قِبَلَهَا).
- الدَسَاتيرُ مُخْتَلِفَةُ المَنْشَأِ:
- مِنْهَا ما صَدَرَ بصُورَةِ قانونٍ.
- مِنْهَا ما نَشَأَ بالعَادَةِ والتَقَالِيدِ كالدُسْتُورِ الإِنْجِلِيزِيِّ.
- مِنْهَا ما تَوَلَّى وَضْعَهُ لَجْنَةٌ مِنْ جَمْعِيَّةٍ وَطَنِيَّةٍ كَانَ لَهَا السُلْطَانُ في الأُمَّةِ وَقْتَئِذٍ، فَسَنَّتِ الدُسْتُورَ وبَيَّنَتْ كَيْفِيَّةَ تَنْقِيحِهِ ثُمَّ انْحَلَّتْ هَذِهِ الهَيْئَةُ، وقَامَ مَقَامَهَا السُلُطَاتُ الَّتِي أَنْشَأَهَا الدُسْتُورُ، كَمَا حَدَثَ في فَرَنْسَا وأَمْرِيكَا.
8- لِلْدُسْتُورِ والقانونِ مَصَادِرُ أُخِذَ مِنْهَا، وهيَ قِسْمَانِ:
- الأَوَّلُ يُقْصَدُ بِهِ المَنْبَعُ الَّذِي نَبَعَ مِنْهُ الدُسْتُورُ والقانونُ مُبَاشَرَةً، كالعاداتِ، والدِينِ، وآرَاءِ الفُقَهَاءِ، وأَحْكَامِ المحَاكِمِ، وقَوَاعِدِ العَدْلِ والإِنْصَافِ، ويُسَمَّى هَذَا بالمَصْدَرِ التَشْرِيعِيِّ، مِثْلُ دَسَاتِيرِ بَعْضِ الدُوَلِ الغَرْبِيَّةِ كَإِنْجِلْتِرَا وأَمْرِيكا مَثَلاً.
- الثَانِي يُقْصَدُ بِهِ المَأْخَذُ المُشْتَقُّ مِنْهُ، أَوِ الَّذِي نُقِلَ عَنْهُ الدُسْتُورُ أَوِ القانونُ، مِثْلُ دُسْتُورِ فَرَنْسَا، ودَسَاتِيرِ بَعْضِ الدُوَيْلاتِ القَائِمَةِ في العَالَمِ الإِسْلامِيِّ، كَتُرْكِيَا، ومِصْرَ، والعِرَاقِ، وسُورِيَا مَثَلاً، ويُسَمَّى هَذَا بالمَصْدَرِ التَارِيخِيِّ.
9- هَذِهِ خُلاصَةُ الاصْطِلاحِ الَّذِي تَعْنِيهِ كَلِمَتَا دُسْتُورٍ وقانونٍ، وهُوَ في خُلاصَتِهِ يَعْنِي أَنَّ الدَوْلَةَ تَأْخُذُ مِنْ مَصَادِرَ مُتَعَدِّدَةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَصْدَراً تَشْرِيعِيّاً، أَمْ مَصْدَراً تَارِيخِيّاً، أَحْكَاماً مُعَيَّنَةً، تَتَبَنَّاهَا وتَأْمُرُ بالعَمَلِ بِهَا، فَتُصْبِحُ هَذِهِ الأَحْكَامُ بَعْدَ تَبَنِّيهَا مِنْ قِبَلِ الدَوْلَةِ دُسْتُوراً، إِنْ كَانَتْ مِنَ الأَحْكَامِ العَامَّةِ، وقَانُوناً إِنْ كَانَتْ مِنَ الأَحْكَامِ الخَاصَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.