الثلاثاء، 22 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام   الحلْقةُ الرَّابِعَةُ وَالعِشْرونَ بَعدَ المِائَةِ (ح124) مشروع الدستور - عدمُ إيقاعِ العقوبةِ قبلَ أنْ يَثْبُتَ الذنب

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

 

الحلْقةُ الرَّابِعَةُ وَالعِشْرونَ بَعدَ المِائَةِ (ح124) مشروع الدستور - عدمُ إيقاعِ العقوبةِ قبلَ أنْ يَثْبُتَ الذنب

 

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "مَشرُوعُ الدُّستُورِ - نِظَامُ الحُكْمِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 13- الأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَلَا يَعَاقَبُ أَحَدٌ إِلَّا بِحُكْمِ مَحْكَمَةٍ، وَلَا يَجُوزُ تَعذِيبُ أَحَدٍ مُطْلَقاً، وَكُلُّ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ يُعَاقَبُ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمُسلِمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذِهِ هي الـمَادَّةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ.وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ, وَهَذِهِ تَتِمَّةُ الـمَادَّةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ:

 

وأما الأمرُ الثالثُ: فَهُوَ يَشمَلُ عَدَمَ إِيقَاعِ العُقُوبَةِ عَلَى الـمُتَّهَمِ قَبلَ أَنْ يَثبُتَ عَلَيهِ الذَّنبُ، وَيَشْمَلُ عَدَمَ جَوَازِ إِيقَاعِ العُقُوبَةِ بِمَا جَعَلَهُ اللهُ عَذَاباً فِي الآخِرَةِ وَهُوَ النَّارُ، أَيْ عَدَمُ جَوَازِ العُقُوبَةِ بِالحَرْقِ بِالنَّارِ. أَمَّا عَدَمُ إِيقَاعِ العُقُوبَةِ قَبلَ أَنْ يَثبُتَ الذَّنْبُ, فَإِن الدَّلِيلَ عَلَيهِ حَدِيثُ الرَّسُولِ e: «لَوْ كُنْتُ رَاجِماً أَحَداً بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ، مَعَ أَنَّهَا كَانَتِ امرَأَةً مَعرُوفَةً بِالزِّنَا كَمَا يُفهَمُ مِنْ كَلَامِ ابنِ عَبَّاسٍ. فَلَو جَازَ إِيقَاعُ العُقُوبَةِ بِالـمُتَّهَمِ لِيَعْتَرِفَ لَعُوقِبَتْ هَذِهِ لِتَعتَرِفَ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ تُعلِنُ بِالفَاحِشَةِ. فَلَا يَحِلُّ عِقَابُ الـمُتَّهَمِ مُطْلَقاً؛ وَلِهَذَا يَحرُمُ ضَرْبُ الـمُتَّهَمِ قَبلَ ثُبُوتِ التُّهمَةِ، وَيَحرُمُ شَتمُهُ أَو إِيقَاعُ أَيِّ عُقُوبَةٍ عَلَيهِ مَا دَامَ لَـمْ يَثبُتْ عَلَيهِ ارتِكَابُ ذَنْبٍ.

 

وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا رُوِيَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «شَرِبَ رَجُلٌ فَسَكِرَ، فَلُقِيَ يَمِيلُ فِي الْفَجِّ، فَانْطُلِقَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ e فَلَمَّا حَاذَى بِدَارِ الْعَبَّاسِ انْفَلَتَ فَدَخَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ فَالْتَزَمَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ e فَضَحِكَ وَقَالَ: أَفَعَلَهَا؟ وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِشَيْءٍ» أَخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لِلأَوَّلِ، فَالرَّسُولُ e لَـمْ يُقِمْ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الحَدَّ؛ لِكَونِهِ لَـمْ يُقِرَّ لَدَيهِ، وَلَا قَامَتْ عَلَيهِ بِذَلِكَ الشَّهَادَةُ عِندَهُ. وَهَذَا يَعنِي أَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِالسُّكْرِ وَلَـمْ يَثْبُتْ عَلَيهِ، فَلَمْ يُعَاقَبْ حَتَّى يَعتَرِفَ، وَلَـمْ تُوقَعْ عَلَيهِ أَيَّةُ عُقُوبَةٍ لِمُجَرَّدِ التُّهْمَةِ. وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ تُوقَعَ أَيَّةُ عُقُوبَةٍ عَلَى الـمُتَّهَمِ قَبلَ ثُبُوتِ التُّهْمَةِ عَلَيهِ أَمَامَ قَاضٍ لَهُ صَلَاحِيَّةُ القَضَاءِ فِي مَجلِسِ قَضَاءٍ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الإِفْكِ أَنَّ عَلِيّاً رضي الله عنه ضَرَبَ الجَارِيَةَ أَمَامَ الرَّسُولِ e، فَإِنَّ الجَارِيَةَ لَم تَكُنْ مُتَّهَمَةً، فَلَا يَصلُحُ دَلِيلاً عَلَى جَوَازِ ضَرْبِ الـمُتَّهَمِ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ ضَرْبِ عَلِيٍّ لِبُرَيرَةَ جَارِيَةِ الرَّسُولِ e، قَدْ رَوَاهُ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أَنَّ عَلِيّاً قَالَ لِلرَّسُولِ e: اسأَلِ الجَارِيَةَ، وَالرَّسُولُ e هُوَ الَّذِي سَأَلَهَا, وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّ عَلِيّاً ضَرَبَ الجَارِيَةَ، فَقَد جَاءَ فِيهِ: «وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ e بَرِيرَةَ فَقَالَ: أَيْ بَرِيرَةُ ...» الحَدِيثُ.

 

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلبُخَارِيِّ: «وَلَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ e بَيْتِي فَسَأَلَ عَنِّي خَادِمَتِي، فَقَالَتْ: لاَ وَاللَّهِ، مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا عَيْباً إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ خَمِيرَهَا أَوْ عَجِينَهَا، وَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: اصْدُقِي رَسُولَ اللَّهِ e حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ». وَلَـمْ يَذكُرِ البُخَارِيِّ أَنَّ عَلِيّاً ضَرَبَ الجَارِيَةَ. غَيرَ أَنَّهُ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى ذَكَرَ أَنَّ عَلِيّاً ضَرَبَ الجَارِيَّةَ، فَقَدْ ذَكَرَ ابنُ هِشَامٍ أَنَّهُ ضَرَبَهَا، فَقَدْ جَاءَ فِي سِـيرَةِ ابـنِ هِشَـامٍ عَـنِ ابـنِ إِسحَقَ عَنْ عَائِشَةَ أَمِّ الـمُؤمِنِينَ رضي الله عنها: «وَأَمَّا عَلِيٌ فَإِنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النِّسَاءَ كَثِيرٌ، وَإِنَّكَ لَقَادِرٌ عَلَى أَنْ تَسْـتَخْـلِـفَ، وَسَـلِ الْجَـارِيَـةَ فَإِنَّهَا سَـتَـصْـدُقُـكَ، فَدَعَا رَسُـولُ اللَّهِ e بَرِيرَةَ لِيَسْـأَلَهَا، فَقَامَ إِلَيْهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَضَـرَبَهَا ضَرْباً شَدِيداً وَيَقُولُ: اصْدُقِي رَسُـولَ اللَّهِ e، قَـالَـتْ، فَتَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ إِلَّا خَيْراً».

 

وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهَا فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ضَرْبِ الـمُتَّهَمِ؛ لِأَنَّ الجَارِيَةَ بُرَيرَةَ لَـمْ تَكُنْ مُتَّـهَـمَـةً فِي هَـذِهِ القِضَيَّةِ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّها شَاهِدَةٌ فَإِنَّهَا لَـمْ تُضرَبْ بِاعتِبَارِهَا شَاهِدَةً، بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّسُولَ e سَأَلَ غَيرَهَا وَلَـمْ يَضرِبْهُ، فَقَدْ سَأَلَ زَينَبَ بِنتَ جَحْشٍ وَلَـمْ يَضْرِبْهَا، مَعَ أَنَّ أُختَهَا حَمنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تُشِيعُ عَنْ عَائِشَةَ إِذْ يَقُولُ البُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ الإِفْكِ: «قَالَتْ وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ». فَكَانَتْ زَينَبُ مَحَلَّ مَظَنَّةِ الـمَعرِفَةِ, وَسُئِلَتْ وَلَم تُضْرَبْ. وَلِهَذَا لَا يُقَالُ: إِنَّ بُرَيرَةَ ضُرِبَتْ بِاعتِبَارِهَا شَاهِدَةً، فَإِنَّهَا إِنَّما ضُرِبَتْ بِاعتِبَارِهَا خَادِمَةَ الرَّسُولِ e، وَلِلرَّسُولِ e أَنْ يَضْرِبَ خَادِمَتَهُ, وَأَنْ يَأذَنَ بِضَرْبهَا. فَسَأَلَ الرَّسُولُ e خَادِمَتَهُ, وَسَأَلَ غَيرَهَا وَسَكَتَ عَنْ ضَرْبِ عَلِيٍّ لِخَادِمَتِهِ, وَعَنِ انتِهَارِ الصَّحَابَةِ لَهَا وَلَمْ يَضْرِبْ غَيرَهَا، وَلَم يَسْكُت عَنْ ضَرْبِ غَيرِهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّما جَازَ ضَربُهَا؛ لِأَنَّهَا خَادِمَتُهُ. وَلِلمَرءِ أَنْ يَضْرِبَ خَادِمَهُ تَأْدِيباً أَو تَحقِيقاً عَنْ أَمْرٍ.

 

فَهَذَا الحَدِيثُ لَا يَصْلُحُ دَلِيلاً عَلَى جَوَازِ ضَـْربِ الـمُتَّـهَمِ, وَلَا عَلَى جَوَازِ ضَرْبِ الشَّاهِدِ، بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ضَرْبِ الرَّجُلِ خَادِمَهُ تَأدِيباً أَو تَحقِيقاً عَنْ أَمْرٍ. وَبِهَذَا يَسقُطُ الاستِدلَالُ بِهَذَا الحَـدِيـثِ عَلَى جَوَازِ ضَرْبِ الـمُتَّهَمِ، وَيَبقَى الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ضَربِهِ قَائِماً, وَهُوَ قَولُ الرَّسُولِ e: «لَوْ كُنْتُ رَاجِماً أَحَداً بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ ابنِ عَبَّاسٍ، فَلَا يَحِلُّ ضَرْبُ الـمُتَّهَمِ, وَلَا شَتمُهُ, وَلَا انتِهَارُهُ, وَلَا تَعذِيبُهُ مُطْلَقاً، وَإِنَّما يَصِحُّ حَبْسُهُ لِوُرُودِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ.

 

هَذَا بِالنِّسْـبَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ إِيقَاعِ العُقُوبَةِ عَلَى الـمُتَّهَمِ قَبلَ أَنْ يَثبُتَ الذَّنْبُ عَلَيهِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ إِيقَاعِ العُقُوبَةِ بِمَا جَعَلَهُ اللهُ عَذَاباً فِي الآخِرَةِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ عَلَيهِ مَا أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: «أُتِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أَحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ e لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ: «وَإِنَّ النَّارَ لا يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ». وَأَخرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابنِ مَسعُودٍ فِي قِصَّةٍ بِلَفْظٍ: «فَإِنَّهُ لا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ». وَعَلَى هَذَا فَإِنَّهُ إِذَا ثَبَتَ عَلَى الـمُتَّهَمِ أَمَامَ قَاضٍ لَهُ صَلَاحِيَّةُ القَضَاءِ, وَفِي مَجلِسِ قَضَاءٍ أَنَّهُ ارتَكَبَ الجَرِيمَةَ الـمُتَّهَمَ بِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَاقَبَ بِالنَّارِ وَلَا بِمَا هُوَ مِثلُهَا مِثْلُ الكَهرَبَاءِ, وَلَا بِشَيءٍ يُعَذِّبُ بِهِ اللهُ. وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوقَعَ عَلَيهِ إِلَّا العُقُوبَاتُ الَّتِي نَصَّ الشَّارِعُ عَلَيهَا. فَالشَّارِعُ قَدْ حَدَّدَ العُقُوبَاتِ الَّتِي يُعَاقَبُ بِهَا الـمُذنِبُونَ، وَهِيَ: القَتْلُ، وَالجَلْدُ، وَالرَّجْمُ، وَالنَّفْيُ، وَالقَطْعُ، وَالحَبْسُ، وَإِتلَافُ المَالِ، وَالتَّغرِيمُ، وَالتَّشهِيرُ، وَالكَيُّ بِالنَّارِ لِأَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجزَاءِ الجِسْمِ، وَمَا عَدَاهَا لَا يَحِلُّ أَنْ يُعَاقَبَ بِهِ أَحَدٌ، فَلَا يُعَاقَبُ أَحَدٌ بِالحَرْقِ بِالنَّارِ، وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُحْرَقَ مَالُهُ. وَلَا يُعَاقَبُ أَحَدُ بِقَلْعِ الأَظَافِرِ، أَو رُمُوشِ العَينِ، وَلَا بِتَسلِيطِ الكَهْرَبَاءِ عَلَيهِ، أَوْ بِإِغْرَاقِهِ بِالمَاءِ، أَوْ بِصَبِّ الـمَاءِ البَارِدِ عَلَيهِ، أَو بِتَجْوِيعِهِ، أَو بِإبقَائِهِ دُونَ حَاجَاتٍ تَحمِي مِنَ البَرْدِ، أَو غَيرِ ذَلِكَ. بَلْ يُقتَصَرُ فِي مُعَاقَبَتِهِ عَلَى مَا وَرَدَ الشَّرعُ بِهِ مِنْ عُقُوبَاتٍ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ يَحرُمُ عَلَى الحَاكِمِ أَنْ يَجعَلَهُ عِقَاباً لِلمُذنِبِ. وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَعذِيبُ أَحَدٍ مُطلَقاً، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ خَالَفَ الشَّرْعَ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ أَحَداً قَدْ عَذَّبَ غَيرَهُ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذِهِ هِيَ أَدِلَّةُ الـمَادَّةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ.

 

 

 

 

BOLOG124 

 

 

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع