- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح151) الأمور التي يتغير بها حال الخليفة فيخرج بها عن الخلافة (2)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الوَاحِدَةِ وَالخَمْسِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا:"الأُمُـورُ الَّتِي يَتَـغَـيَّرُ بِهَا حَالُ الخَلِيفَةِ فَيَخرُجَ بِهَا عَنِ الخِـلَافَةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتَينِ الوَاحِدَةِ وَالثَّانِيَةِ بَعدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 40-الأُمُـورُ الَّتِي يَتَـغَـيَّرُ بِهَا حَالُ الخَلِيفَةِ فَيَخرُجَ بـِهَا عَنِ الخِلَافَةِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ مِنهَا الأَمرُ الثَّالِثُ الوَارِدُ فِي الفَقْرَةِ:جـ - وَهَذَا نَصُّهَا: القَهْرُ الَّذِي يَجعَلُهُ عَاجِزاً عَنِ التَّصَرُّفِ بِمَصَالِحِ المُسلِمِينَ بِرَأيِهِ وَفْقَ الشَّرعِ. فَإِذَا قَهَرَهُ قَاهِرٌ إِلَى حَدٍّ أَصْبَحَ فِيهِ عَاجِزاً عَنْ رِعَايَةِ مَصَالِحِ الرَّعِيَّةِ بِرَأيِهِ وَحْدَهُ حَسَبَ أَحْكَامِ الشَّرعِ يُعتَبَرُ عَاجِزاً حُكْماً عَنِ القِيَامِ بِأَعْبَاءِ الدَّولَةِ, فَيَخْرُجَ بِذَلِكَ عَـْن كَونِهِ خَلِيفَةً. وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِي حَالَتَينِ:
الحالة الأولى - أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيهِ فَرَدَّ وَاحِدٌ أَو أَفرَادٌ عِدَّةٌ مِنْ حَاشِيَتِهِ فَيَستَبِدُّونَ بِتَنفِيذِ الأُمُورِ. فَإِنْ كَانَ مَأْمُولَ الخَلَاصِ مِنْ تَسَلُّطِهِمْ يُنذَرْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً, ثُمَّ إِنْ لَمْ يَرْفَعْ تَسَلُّطَهُمْ يُخْلَعْ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُولَ الخَلَاصِ يُخْلَعْ فِي الحَالِ.
الحالة الثانية – أَنْ يَصِيرَ مَأْسُوراً فِي يَدِ عَدُوٍّ قَاهِرٍ، إِمَّا بِأَسْرِهِ بِالفِعْلِ أَوْ بِوُقُوعِهِ تَحْتَ تَسَلُّطِ عَدُوِّهِ, وَفِي هَذِهِ الحَالِ يُنظَرْ: فَإِنْ كَانَ مَأْمُولَ الخَلَاصِ يـُمهَلْ حَتَّى يَقَعَ اليَأْسُ مِنْ خَلَاصِهِ, فَإِنْ يُئِسَ مِنْ خَلَاصِهِ يُخْلَعْ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُولَ الخَلَاصِ يُخْلَعْ فِي الحَالِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أَيُّهَا الصَّائِمُونْ, يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ.
أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَذِهِ هِيَ تَتِمَّةُ المَادَّةِ الأَربَعِينَ, وهِيَ عَلَى النَّحْوِ الآتِي: تَقَدَّمَ بَيَانُ أَدِلَّةِ الفَقرَتَينِ: (أ) و (ب) وَأَمَّا الفَقْرَةُ (جـ) فِإِنَّ دَلِيلَ الفَقرَةِ (ب) هُوَ دَلِيلٌ لَهَا أيضاً. وَذَلِكَ أَنَّ العَجْزَ عَنِ القِيَامِ بِالعَمَلِ الَّذِي نُصِّبَ لَهُ الخَلِيفَةُ قِسْمَانِ: عَجْزٌ حَقِيقَةً، وَعَجْزٌ حُكْماً. أَمَّا العَجْزُ حَقِيقَةً فَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَجْزاً جِسمِيّاً، أَيْ يَفقِدُ القُدرَةَ الجِسمِيَّةَ عَلَى القِيَامِ بِالعَمَلِ، وَهَذَا مَا جَاءَ فِي الفَقْرَةِ «ب».
وَأَمَّا العَجْزُ حُكْماً فَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَادِراً جسمِياً عَلَى القِيَامِ بِالعَمَلِ, وَلَكِنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ التَّصَرُّفَاتِ لِلقِيَامِ بِالعَمَلِ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ العَاجزِ حَقِيقَةً، لِأَنَّهُ لَا يَستَطِيعُ أَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ القِيَامَ بِالعَمَلِ الَّذِي نُصِّبَ لَهُ لِعَجزِهِ عَنِ التَّصَرُّفِ بِأُمُور نَفْسِهِ, فَيُصبِحَ كَالمَعدُومِ، وَلِذَلِكَ وَجَبَ عَزلُهُ. وَهَذَا لَهُ حَالَتَانِ: إِحدَاهُمَا حَالَةُ الحَجْرِ, وَالأُخرَى حَالَةُ القَهْرِ. أَمَّا حَالَةُ الحَجْرِ, فَهِيَ أَنْ يَستَولِي عَلَيهِ مِنْ أَعوَانِهِ مَنْ يَسْتَبِدُّ بِتَنفِيذِ الأُمُورِ, وَيَمنَعُ الخَلِيفَةَ مِنْ مُبَاشَرَةِ التَّنفِيذِ, وَيُصبِحُ هَذَا المُستَبِدُّ هُوَ المُبَاشِرَ لِمَنصِبِ الخِلَافَةِ. فَيَكُونُ الخَلِيفَةُ فِي هَذِهِ الحَالِ كَالمَحجُورِ عَلَيهِ المَمْنُوعِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ القَولِيَّةِ، وَبِمَا أَنَّ عَقْدَ الخِلَافَةِ إِنَّـمَا جَرَى عَلَى شَخْصِ الخَلِيفَةِ فَيَجِبُ أَنْ يُبَاشِرَ الخِلَافَةَ بِنَفسِهِ، وَبِهَذَا الحَجْرِ عَلَيهِ أَوِ الاستِبدَادِ مِنْ أَعوَانِهِ فَقَدَ القُدْرَةَ عَلَى القِيَامِ بِمَا نُصِّبَ لَهُ مِنَ العَمَلِ، وَلِذَلِكَ صَارَ كَالمَعدُومِ, وَوَجَبَ عَزلُهُ. إِلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ الحَالِ يُنظَرُ: فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ أَمَلٌ بِإِزَالَةِ المُستَولِي عَلَيهِ مِنَ الاستِيلَاءِ عَلَيهِ, وَبِفَكِّ حَجْرِهِ فَإِنَّهُ يُمهَلُ مُدَّةً, فَإِنْ لَمْ يُفَكَّ حَجرُهُ يُعزَلْ. وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَمَلٌ فَإِنَّهُ يُعزَلُ فِي الحَالِ.
وَأَمَّا حَالَةُ القَهْرِ, فَهُوَ أَنْ يَصِيرَ مَأْسُوراً فِي يَدِ عَدُوٍّ قَاهِرٍ لَا يَقدِرُ عَلَى الخَلَاصِ مِنهُ فَيَمنَعَ ذَلِكَ مِنَ استِمرَارِ عَقْدِ الإِمَامَةِ لَهُ لِعَجْزِهِ عَنِ النَّظَرِ فِي أُمُورِ الـمُسلِمِينَ، سَوَاءٌ أَكَانَ العَدُوُّ مِنَ الكُفَّارِ، أَمْ مِنَ البُغَاةِ، وَفِي هَذِهِ الحَالِ وَجَبَ عَلَى كَافَّةِ الأُمَّةِ استِنقَاذُهُ إِمَّا بِقِتَالٍ أَو فِدَاءٍ, فَإِنْ وَقَعَ الأَيَاسُ مِنهُ عُزِلَ فِي الحَالِ إِنْ كَانَ مَأْسُوراً لَدَى كُفَّارٍ، أَمَّا إِنْ كَانَ مَأْسُوراً لَدَى بُغَاةٍ يُنظَرْ: فَإِنْ كَانَ لـَهُمْ إِمَامٌ وَوَقَعَ الأَيَاسُ مِنهُ عُزَلِ فِي الحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ, فَإِنَّهُ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ حَالَةِ الحَجْرِ، أَيْ يُمهَلُ مُدَّةً, فَإِنْ لَمْ يُفَكَّ أَسرُهُ يُعْزَلْ.
هَذِهِ هِيَ أَدِلَّةُ الفَقْرَاتِ الثَّلَاثِ وَهِيَ فِي جُملَتِهَا أَدِلَّةُ شُرُوطِ الخِلَافَةِ، فَإِنَّ القُدْرَةَ عَلَى القِيَامِ بِمَا نُصِّبَ لَهُ شَرْطٌ كَذَلِكَ، وَعَجزُهُ عَنِ القِيَامِ بِمَا نُصِّبَ لَهُ مِنْ عَمَلٍ فُقدَانٌ لِهَذَا الشَّرطِ. إِلَّا أَنَّهُ يَنبَغِي أَنْ يُلَاحَظَ أَنَّ فُقدَانَ بَعْضَ هَذِهِ الشُّرُوطِ يُخرِجُهُ عَنِ الخِلَافَةِ أَيْ يَفسَخُ عِقْدَهَا فِي الحَالِ، وَفُقدَانُ بَعضِهَا لَا يُخرِجُهُ عَنِ الخِلَافَةِ, وَلَكِنَّهُ يُوجِبُ عَزلَهُ. فَارتِدَادُهُ عَنِ الإِسلَامِ، وَجُنُونُهُ جُنُوناً مُطبِقاً، وَوُقُوعُهُ أَسِيراً فِي يَدِ كُفَّارٍ أَسْراً جِسْمِيّاً بِأَنْ يَكُونَ شَخْصُهُ فِي يَدِهِمْ, وَهُوَ غَيرُ مَأْمُولِ الفِكَاكِ, فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الأَحْوَالِ الثَّلَاثِ يَخرُجُ عَنِ الخِلَافَةِ, وَيَنعَزِلُ فِي الحَالِ, وَلَو لَمْ يُحْكَمْ بِعَزْلِهِ، فَلَا تَجبُ طَاعَتُهُ، وَلَا تُنَفَّذُ أَوَامِرُهُ، فَقَدْ فُسِخَ عَقْدُ الخِلَافَةِ عَنْهُ. وَأَمَّا جَرْحُ عَدَالَتِهِ بِأَنْ يُصبِحَ ظَاهِرَ الفِسْقِ، أَوتَحَوُّلُهُ إِلَى أُنثَى أَوْ, خُنثَى مُشكِلٍ, أَو جُنُونُهُ جُنُوناً غَيرَ مُطْبِقٍ أَوْ عَجْزُهُ عَنِ الخِلَافَةِ عَجْزاً حَقِيقِيّاً، أَو حَجْرُهُ بِاستِيلَاءِ فَرْدٍ أَو أَفرَادٍ مِنْ حَاشِيَتِهِ عَلَيهِ, وَاستِبدَادُهُمْ بِتَنفِيذِ الأُمُورِ، أَو وُقُوعُهُ أَسِيراً أَسْراً جسْمِيّاً مَأْمُولَ الفِكَاكِ، أَوْ وُقُوعُهُ تَحْتَ نُفُوذِ كُفَّارٍ يُسَيِّرُونَهُ, فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الأَحوَالِ السَّبعَةِ يَجِبُ عَزلُهُ عِندَ حُصُولِ أَيَّةِ حَالَةٍ مِنهَا، وَلَكِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ إِلَّا بِـحُكْمِ حَاكِمٍ، وَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الأَحوَالِ السَّبعَةِ تَجِبُ طَاعَتُهُ، وَيَجِبُ تَنفِيذُ أوَامِرِهِ إِلَى أَنْ يَصدُرَ حُكْمٌ بِعَزلِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِه الحَالَاتِ لَا يَنفَسِخُ فِيهَا عَقْدُ الخِلَافَةِ مِنْ نَفسِهِ بَلْ يَحتَاجُ إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ.
وَالفَرقُ بَينَ الشُّرُوطِ الَّتِي فُقدَانُهَا يُخرِجُهُ عَنِ الخِلَافَةِ, وَالشُّرُوطِ الَّتِي فُقدَانُهَا لَا يُخرِجُهُ عَنِ الخِلَافَةِ, وَلَكِنَّهُ يَجعَلُهُ مُستَحِقاً لِلعَزْلِ هُوَ أَنَّ الشُّرُوطَ الَّتِي فُقدَانُهَا يَجعَلُ العَقْدَ مِمَّا لَمْ يُشَرَّعْ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، بِأَنْ كَانَتْ رَاجِعَةً إِلَى العَقْدِ أَوْ رُكْنٍ مِنْ أَركَاِنِهِ, فَإِنَّ العَقْدَ فِي هَذِهِ الحَالِ يَكُونُ بَاطِلاً، فَإِذَا لَمْ يَتَوَفَّرْ حِينَ انعِقَادُ الخِلَافَةِ بَطَلَ العَقْدُ وَلَمْ يَنعَقِدْ، وَإِذَا طَرَأَ أَثنَاءَ الخِلَافَةِ بَطَلَ العَقْدُ, وَفُسِخَ مِنْ ذَاتِهِ. وَذَلِكَ كَشَرْطِ الإِسلَامِ, وَشَرطِ العَقْلِ, وَشَرطُ القُدرَةِ عَلَى مُبَاشَرَةِ العَمَلِ نَفسِهِ. وَأَمَّا الشُّرُوطُ الَّتِي فُقْدَانُهَا لَا يَجعَلُ العَقْدَ مِمَّا لَـمْ يُشَرَّعْ, بَلْ يَكُونُ أَصْلُهُ مِمَّا شُرِّعَ, وَلَكِنَّهُ يَجعَلُهُ مِمَّا لَـمْ يُشَرَّعْ بِوَصْفِهِ، بِأَنْ كَانَ غَيرَ رَاجِعٍ إِلَى العَقْدِ نَفْسِهِ, وَلَا إِلَى رُكْنٍ مِنْ أَركَانِهِ، وَلَكِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى صِفَةٍ مُلَازِمَةٍ لَهُ, فَإِنَّ العَقْدَ فِي هَذِهِ الحَالِ لَا يَكُونُ بَاطِلاً, وَإِنَّمَا يَكُونُ فَاسِداً. فَإِذَا لَمْ يَتَوَفَّرْ حِينَ انعِقَادِ الخِلَافَةِ تَنعَقِدُ الخِلَافَةُ, وَلَكِنَّهَا تَكُونُ فَاسِدَةً يَحتَاجُ فَسخُهَا إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، وَكَذَلِكَ إِذَا طَرَأَتْ أَثنَاءَ الخِلَافَةِ يُصبِحُ العِقْدُ فَاسِداً, وَلَكِنَّهُ لَا يَنفَسِخُ مِنْ نَفسِهِ, وَإِنَّـمَا يَـحَتاجُ فَسخُهُ إِلَى حُكْمٍ حَاكِمٍ، وَذَلِكَ كَشَرْطِ الذُّكُورَةِ, وَشَرْطِ العَدَالَةِ, وَمَا شَاكَلَهَا. وَمِنْ هُنَا جَاءَ الفَرقُ بَينَ تَغَيُّرِ حَالِ الخَلِيفَةِ تَغَيرّاً يُخْرِجُهُ عَنِ الخِلَافَةِ وَبَينَ تَغَيُّرِ حَالِهِ تَغَيُّراً لَا يُخرِجُهُ عَنِ الخِلَافَةِ, وَإِنَّمَا يَجعَلُهُ مُستَحِقاً لِلعَزْلِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.