مجرم سوريا يوغل في دماء المسلمين
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
سلّطت كاميرات الفضائيات العربية والدولية الأضواء على انتفاضة تونس ومصر واليمن وليبيا كثيراً، لكن هذه الكاميرات تغيب عن رصد الإجرام الذي يقوم به إبن «أسد» ونظامه في سوريا. والقليل القليل مما يتمكن شباب سوريا من بثه عبر الإنترنت يظهر هبة أهل الشام المجيدة ضد الظلم والظلام الذي فرضه نظام حافظ أسد منذ عقود ولا يزال مستمراً بعد توريث الحكم لإبنه بشار. وهذا الغياب الإعلامي اللافت يحملنا على التفكير فيما يحدث في سوريا، وفي الدرجة العالية من الإجرام الذي يوظفه النظام لمقاومة هذه الهبة المباركة.
لقد بادرت درعا إلى إطلاق شرارة التغيير، وكان ما يصل منها قليل لكن دلالاته تُفهم من بعيد، تلك الشرارة التي سرعان ما امتدت إلى باقي المدن والأرياف، فهي كمدينة سيدي بوزيد التونسية في مبادرتها لإشعال حرارة التغيير، وكالسويس في مصر، وتعز في اليمن، وبنغازي في ليبيا، فكلها مدن مشهود لها بزخم الدعوة إلى التغيير.
انطلقت شرارة الزخم من الجامع العمري في درعا، وبه كان الإعتصام الأول، ومن حوله كانت الأحداث التي سيكتب لها الفضل إن شاء الله في إنهاء مرحلة هي الأشد في تاريخ أهل الشام من حيث قسوة الحكام وعداوتهم لشعبهم رغم زيف ثوب الوطنية الذي ارتدوه عبر العقود الأربعة الماضية. من الجامع العمري، إلى جامع الرفاعي في دمشق، إلى مساجد اللاذقية، وجوامع حمص والقامشلي، ومساجد حماة الجريحة من إجرام النظام، إلى كافة مساجد سوريا، فالجمعة هي الموعد، والجمعة هي اليوم الذي بات يفت في عضد النظام في سوريا، بل وفي غيره من بلاد العرب الثائرة. كل ذلك مؤشرات يفهمها القاصي والداني على هوية المنادين بالتغيير في سوريا وغير سوريا. ويكملها صيحات التكبير والتوحيد التي تصدح بها حناجر المتظاهرين المنطلقين من مساجد كل المدن. وهنا لا بد من كلمة ندفن بها عصر العلمانية، فالجمعة والجامع هي منطلق المظاهرات. والعلمانيون قابعون في بيوتهم لا يشاركون في الأحداث، وإنْ حاولت قنوات وفضائيات العصر البائد الإتصال بهم لاجترار آرائهم فيما يحصل وإظهار مطالبهم من الأنظمة، والسبب في ذلك بسيط، وهو أنّ العلمانيين في معظم بلدان العالم الإسلامي هم الآن من يقف داخل هذه الأنظمة وخلفها من أحزاب تُصنف زوراً وبهتاناً في صف المعارضة، بعد أن جفت ينابيعهم وخَفَتَ ينعَهم بسقوط الإشتراكية في روسيا وتهاوي الرأسمالية وترنّحها أمام أزماتها المالية التي جففت جيوب مواطنيها لتصبها أنهاراً من المال بأيدي كبار الرأسماليين.
إنّ النظام السوري قد استمرأ الكذب والدجل والاستخفاف بعقول السوريين والعرب ووضع نفسه في صف الممانعة والمقاومة وهو بعيد عنهما كل البعد وإنْ استمر ذلك لأربعة عقود من حكم «أسد» وأبيه.
لقد نادى نظام حافظ أسد بالتوازن العسكري مع «اسرائيل» على أثر هزائم 1967م واحتلال يهود لباقي فلسطين وسيناء والجولان السورية، وعمل على تجويع الشعب السوري من أجل التسليح، فاكتشف أبناء حماة مبكراً أنّ هذا السلاح لم يكن لحرب يهود، وإنّما لحرب المسلمين وسفك دمائهم. وامتلأت سجون «أسد» بعشرات الآلاف من المعتقلين حتى بلغت أعداد نزلاء سجون سفاح سوريا مائتي ألف خلال الثمانينات، وتفنّن النظام في ابتداع أساليب تعذيب لم تعرفها البشرية من قبل، كصبّ الباطون على أرجل السجين وتركه يتعفن حياً، وكم هي العائلات التي لا تزال تبكي أبناءها ولا تدري أأحياء هم أم أموات؟ بل لا يوجد من يعطي أي معلومة عنهم!! وليس هناك من يراقب أو يعاقب هذا النظام المتوحش والذي أوغل ومنذ زمن بعيد في دماء السوريين.
وما زاد من صلف النظام المتوحش في سوريا أن نادى بالتوازن الإستراتيجي مع دولة يهود، وكان يقصد من وراء ذلك تحويل المسلمين إلى نمط الحياة اليهودي أو الغربي مقتفياً أثر هادم دولة الخلافة العثمانية مصطفى كمال، وكان يروّج لهذه الفكرة ظاناً أنّ الناس منخدعون بوطنيته، وبجدية دفاعه عن فلسطين والجولان. وبلغ من ولعه بالتوازن الإستراتيجي أنْ أنزل قوات أخيه رفعت خلال الثمانينات في شوارع دمشق تنزع الحجاب عن المتحجبات في الشوارع، والمسلمات يصرخن في الشوارع من بشاعة أفعال «أسد» وأخيه ونظامه، ورأى الناس فيه نظاماً طائفياً مقيتاً لفئة لا تمثل خمس سوريا بل ولا معشار خمسها. وبلغ من شمولية النظام أنْ تدخّل في كل شاردة وواردة في حياة الناس، حتى أنّ أعلاف الدجاج كانت بيد وزير دفاعه، فكانت سوريا ولا تزال مزرعة «لأسد» ورثها عن أبيه لا ينتفع بها إلاّ من قرر الرئيس أن ْيعطيهم حصة من تعب السوريين، وغرقت البلاد في نظام من الرشى والمرتشين لم ينجُ منها أبسط أزلام النظام.
لقد برع نظام سوريا في ابتداع الإصطلاحات للرد على التحديات التي تفرضها دولة يهود على الأرض. فتحرير فلسطين وتحرير الجولان سيتم عندما يتحقق التوازن الإستراتيجي. وكان يخفي بعباءته الإشتراكية علاقاته الحميمة مع أمريكا وتبعيّته لها حتى قررت أمريكا كشفه للعلن عندما طلبت منه أن يحارب معها ضد البعث العراقي على أثرِ ضم الجيش العراقي للكويت، وفعلاً لم يتمكن «أسد» من التملص فأرسل الجيش السوري لقتال أهل العراق ودعم أمريكا، وكان ذلك على الرغم من أنّ الشعب السوري كان يساند العراق بكل أحاسيسه وقلبه ضد الهجمة الأمريكية، لكن ذلك الشعب لم يكن له حول ولا قوة لإحداث أي تغيير.
لقد كانت «اسرائيل» تستفز «أسد» في مناسبات متكررة، فكانت تقصف في لبنان، وتضرب الجيش السوري في لبنان بشكل محدود للإستفزاز، وكان رد «أسد» كلمات «سنرد في الوقت المناسب والزمان المناسب». وعندما أخرجت «اسرائيل» رجال منظمة التحرير من لبنان بالقوة، ظل نظام «أسد» يتفرج رغم أن «اسرائيل» أجبرته على المشاركة في بعض المعارك، لا سيما معركة الطائرات الشهيرة فوق البقاع اللّبناني سنة 1982م. ولم يكن حينها النظام السوري مبادراً لأي فعل عسكري، بل كان يرد فقط على الهجمات بالدفاع ليس غير، فلم تقم طائرات النظام السوري بقصف مواقع يهود في فلسطين وهي قادرة على ذلك، ولم تنطلق صواريخه إلى تلك المواقع، وهي تلك الصواريخ التي جاع من أجل شرائها الشعب السوري على أمل التحرير.
لقد استمرت «اسرائيل» في الاستفزاز، فقصفت مواقع قرب دمشق قالت إنّها لتدريب تنظيمات فلسطينية، وردّ «أسد» بأنه «سيرد في المكان والزمان المناسبين»، وخلال حرب 2006م ضاقت سماء لبنان ذرعاً بطائرات يهود وهم يقتلون المسلمين في جنوب لبنان والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية وخلت السماء ليهود، ولولا شدة بأس المقاتلين على الأرض لتمكن يهود من إعادة احتلال الأرض في لبنان. بل وقصفت «اسرائيل» خلال تلك الحرب سوريين على الحدود السورية اللبنانية ولم يتحرك إبن «أسد»، كما لم يتحرك أبوه من قبل، وعادت اللازمة: «سنرد في المكان المناسب والزمان المناسب». وبلغ من استهتار يهود بنظام «أسد» أن قصفت طائراتهم سوريا خلال 2009م ما قيل أنه مفاعل نووي في أقاصي شمال سوريا، وتفنن نظام «أسد» بالقول: إنّ تلك الطائرات قد ألقت بحمولتها فوق سوريا، وكأنهم يتحدثون لأطفال بأنّ تلك الحمولة قد تكون حبات من الحلوى، حتى تبين فيما بعد حجم الدمار والقتل الذي سببه القصف «الإسرائيلي» بتلك المنشأة في الشمال السوري.
وأما وحدات الصواريخ في سوريا، فيعلم العارفون بالشأن السوري بأنها هي الأخرى ليست موجهةً لضرب يهود، فقد تعمد نظام «أسد» نصبها بالقرب من المطارات العسكرية وأعطى وحداتها الأوامر المشددة لقصف أي طائرة سورية تقلع دون إذن مسبق لدى تلك الوحدات الصاروخية، وكان ذلك مخافة أن يقصف طيار سوري قصر «أسد» أو تدفعه الدماء التي تغلي في عروقه لقصف مواقع يهودية في فلسطين.
هذه هي حقيقة النظام السوري الذي يواجه اليوم سوريا ويواجه إصراراً من شعبها على التغيير. وبهذا فإن النظام قد اكتمل بناؤه على أساس عدائه لشعبه، وتوجسه منه، لا من يهود أو من غيرهم.
إنّ ما يقوم به النظام السوري من وحشية شديدة في مواجهة شعبه، يضعه في مصاف الأنظمة البوليسية الأشد وحشية في العالم فكان جزءً من بواقي أنظمة الظلام كتونس زين العابدين وليبيا القذافي. فقد بنى هذا النظام كيانه لخنق السوريين ومنعهم من أي شيء من المشاركة في الحياة السياسية، والآن لا يُتوقَع منه إلاّ أنْ يطلق الرصاص ويقتل ويعتقل ويهين، لكن الجديد الذي يواجهه النظام هو الطرف الثاني من اللّعبة. هذا الطرف هو الشعب السوري، فقد بلغت أفعال النظام مدى لا يمكن السكوت عنه مهما كلّف ذلك من تضحيات. فرياح التغيير التي هبت من تونس وامتدت إلى سوريا وجدت فيها شعباً لا يبالي بالتضحيات، فقد أزفت الآزفة على نظام يَعُد أيامه الأخيرة. وقد آن الأوان لشعب أبيّ قد ورد كثيراً في أحاديث المصطفى عليه السلام بأنه إذا عزّ عز المسلمون، وإذا كانت باقي أجزاء الشام ترزح تحت نير يهود ومكر الموارنة المدعومين من الأوروبيين، فإنه ورغم الأغلال التي صفّد بها النظام العلوي أهل سوريا، إلاّ أنّ الوقت قد حان لكسر تلك الأغلال، فتجاوز السوريون حاجز الخوف وكسروا تلك الأغلال فانطلقوا نحو المجد يريدون «إسقاط النظام».
لقد آن الأوان لأحفاد الأمويين أن يتحملوا مسؤولياتهم، آن الأوان ليُرِيَ السوريون الله من أنفسهم خيراً بعد عقود من جعل سوريا زنزانة كبيرة على أيدي «أسد» وأعوانه ونظامه. لقد انطلق قطار التغيير في سوريا دون رجعة، وها هي مدن سوريا لا تقبل بما يُعلنه النظام من وعود قد أزكمت الأنوف من بعيد، مثل الغاء قانون الطوارئ، ودراسة الوضع، وتشكيل لجنة، ثم تشكيل لجنة، دون أن يعلم الناس من يدرس ماذا؟ ومن هم أعضاء تلك اللّجان؟ ومتى سيصدرون حكمهم في الأحداث؟ وربما عرف الشعب مسبقاً بأنّ نتائج تلك الدراسات وتقارير تلك اللّجان سيعلن عنها في الوقت المناسب وفي المكان المناسب، تلك العبارة التي لم يعد شعب سوريا يحتمل سماعها، وقد خرج للشوارع بعد أن تجاوز العتبة «المحرمة» وفق مفاهيم النظام المتعفن. والله نسأل أنْ يحقق أهل الشام أكثر مما طالب به التونسيون والمصريون واللّيبيون واليمنيون من «إسقاط الحاكم» فقط، بل الله نسأل أن يكتب للشام وهي حاضرة الدولة الأموية بأن تكون حاضرة دولة الخلافة الثانية، فينطلق من الشام نور كبير يضيء الأرض بكاملها.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير الأستاذ أبو أسيد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته