الثلاثاء، 24 محرّم 1446هـ| 2024/07/30م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الخلافة والاسئلة الكبرى - ج1

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،


عندما سقطت دولة الخلافة على أيدي الدول الاستعمارية وبمعونة عملائها من أتراك وعرب، تم استبدال النظام السياسي الإسلامي (نظام الخلافة) بجمهوريات وملكيات وتم صياغة الدساتير في بلاد المسلمين على أساس وجهة النظر الغربية فصل الدين عن الحياة حتى يضمن تبعية هذه البلاد للدول الاستعمارية، ولتعزيز ذلك تم صناعة سياسيين موالين للغرب وضعوا على رأس هذه الدول قادوها في ركب الاستعمار، وحتى ينفك المسلمون عن دولتهم انفكاكاً تاماً جرى تغيب نظام الحكم في الإسلام من ثقافة المسلمين وفقههم، وقام مفكرون بمهاجمة الخلافة وتصويرها في أبشع صورة وإظهارها بأنها لا تصلح لإدارة البلاد الإسلامية وأنها من التاريخ الغابر، وأن المطلوب في هذا الزمان دولة حديثة تواكب العصر والحضارة بمفهومهم.


ولقد مرت فترة على المسلمين يدرسون فيها الفقه الإسلامي محصورا في العبادات والأحوال الشخصية فقط حتى غدا العقل المسلم خال تماماً من تصور أن هناك نظام حكم في الإسلام، ويستهجن عامة الناس وجود هذا النظام في فقه المسلمين.


كما غيب من وعي الأمة النظام الاقتصادي الإسلامي وحصر في بعض المسائل الفقهية، ومرت عقود على الشعوب الإسلامية وهي تُحكم بدساتير الغرب وسياسته التي قضت بفصل الدين عن سياساتها ودساتيرها أي أنها حُكمت بالدولة المدنية الغربية.


فنشأ عن هذه السياسات كماً هائلاً من المظالم والمفاسد أوصلت الناس إلى وضع الانفجار جعل من المسلم الذي يحمل عقيدة الإسلام يضرم النار في نفسه احتجاجاً على ما هو فيه حيث أصبح الموت حرقاً أهون عليه من الحياة.


فحدثت الثورات وصدعت الأصوات بالمطالبة بالتغيير والتخلص من الأنظمة العفنة وشرورها وأنها لا ترضى عن الإسلام بديلاً في الحكم والسياسات، فكان ذلك مذهلاً للغرب ولعملائه في البلاد الإسلامية، فاستنفر كل قواه السياسية وقواه الأمنية وأقلامه المسمومة واستخدم ألاعيبه السياسية ومناوراته السياسية لعله يحتوي هذه الثورات ويعيد إنتاج النظام السياسي القديم بإحداث بعض الترقيعات وعمليات التجميل عليه، لعل الناس يتقبلون حلوله الوسط.


وقد غفل الكافر المستعمر وأذنابه أن الحل الوسط والترقيع قد ينجح في مرحلة ما قبل الثورات أي ما قبل خروج الناس إلى الشوارع والميادين بصدور عارية يقدمون الأرواح الزكية والدماء الطاهرة من أجل التغيير.


أما وقد حدث ما حدث فلن تقف العجلة إلا بتغيير حقيقي مرتبط بعقيدة الناس وإيمانهم.


وعلى ضوء ما سبق نستطيع أن نفهم ما وراء إثارة الأسئلة والشبهات وإبراز العقبات في وجه الخلافة وعودتها.


فأثيرت أسئلة كبرى في وسط المسلمين منها :


هل الخلافة خيار تاريخي لحقبة زمنية بعينها ولا تصلح لهذا الزمان؟


هل هي من ابتداع الصحابة وليست ملزمة شرعا؟


س1- ماذا ستصنع الخلافة بالأقليات ؟ وكيف ستوحد المسلمين في دولة واحدة أمام هذا الكم الهائل من الدول القطرية ؟


ماذا ستفعل في العلاقات الدولية وخاصة ما يعرف بالمجتمع الدولي والمؤسسات الدولية أمثال هيئة الأمم ومجلس الأمن وسائر الهيئات الدولية؟


ماذا ستفعل أمام الاقتصاد المنهار وكيف تتخلص من النظام المالي والنقدي العالمي؟


كيف ستبني الدولة والمجتمع بناءً عسكرياً وصناعياً وموارد بشرية؟


وغير ذلك كثير من الأسئلة والقضايا التي تثار لإحباط المسلمين وإقصائهم وصرفهم عن دولة الخلافة واستسلامهم للواقع الذي يرسم لهم كل شيء ويتحكم في كل أمور حياتهم.


ولذلك كله وجب على من يحمل هم الأمة لعمل التغيير أن يجيب على تساؤلات الناس ويبين بياناً شافياً من الشرع الحنيف ليركز ثقة الناس في إسلامهم ويرد سهام الكافر وأعوانه إلى نحره.


وسنرد على هذه التساؤلات رداً يناسب المقام بشكل موجز ومبسط، بعيداً عن البحث الأكاديمي الذي يتطلب تناول كافة التفاصيل، مع اعتقادنا أن البحث الأكاديمي مهم جداً، ونحن قادرون على ذلك لمقدرة الإسلام هذا الدين الكامل الذي لا يعتريه أي نقص أو خلل.


فالمقصد من هذا الموضوع هو تبصرة الجمهور بهذه القضايا الحساسة.


السؤال الأول: هل الخلافة خيار تاريخي؟


للإجابة على هذا السؤال لا بد من فهم الخلفية التي انطلق منها السؤال والمضمون الذي يراد به، فالخلفية التي انطلق منها هذا السؤال هي أن الخلافة كانت تناسب الفترة التاريخية التي قامت فيها قبل ألف وأربعمائة عام ومنذ ذلك الوقت إلى الآن حصلت مستجدات وجدّت ظروف على الصعيد المحلي والدولي والتطور العلمي والتكنولوجي والصناعي، جعلت منها غير صالحة لزماننا فنحن نحتاج إلى دولة حديثة عصرية تراعي كل ذلك.


ولتوضيح هذا الأمر نتناول عدة نقاط لازمة :


1ـ إن هذا القول يصدق عندما يكون نظام الحكم يبحث في الوسائل والأساليب والأمور الإدارية وهذه يجري عليها التعديل والتطوير، ولم تأت الخلافة الإسلامية لتقيد المسلمين بوسائل وأساليب وكذلك بنظم إدارية محددة بل أمرت المسلمين بالإبداع في هذا المضمار.


2ـ إن نظام الخلافة جاء لمعالجة واقع البشر أي معالجة أحوال الإنسان في موقع الحاكم أو في موقع المحكوم، ما له وما عليه، حقوقه وواجباته، وصفات من يتقلدّ كل منصب من المناصب العامة، وهذه الأمور لا يجري عليها التغيير فالإنسان هو الإنسان وحاجاته هي حاجاته في الماضي والحاضر والمستقبل.


3ـ الخلافة أحكام شرعية من العليم الخبير، فالمشرع عالم بما كان وما هو كائن إلى قيام الساعة وشرّع من الأحكام ما يلزم، فلا يُتهم المشرع بالجهل ولا يقال، أن هناك تشريع أصلح من تشريعه أو أن هذا الجانب مغيب في الإسلام أي أن دين الله ناقص، فهذا قول باطل مردود على صاحبه.


س2ـ هل الخلافة من ابتداع الصحابة؟


هذا السؤال يعني أنه من اجتهادهم وفي غير النصوص الشرعية مثله كمثل الاجتهاد في الوسائل والأساليب والنظم الإدارية التي لم تأت النصوص ببيانها بل هي متروكة للناس بالاجتهاد فيها.


وهذا قول فاسد لكثرة الأدلة الواردة فيها، وذُكرت الخلافة بصريح العبارة، ولن أذكر النصوص لكثرتها ولأن ذلك من المعلوم في الدين بالضرورة ولكنني سأتعرض للأدلة الفعلية وليست القولية، ومن المعلوم عند المسلمين أن فعل الرسول كقوله هو دليل شرعي وحكم شرعي، واجب الالتزام به والتأسي بفعله كما ورد في شروط التأسي التي وضعها الفقهاء وهي :


1ـ الإتيان بمثل فعله أي المماثلة.
2ـ الإتيان بالفعل على الوجه الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من فرض أو مندوب أ مباح.
3ـ الإتيان بالفعل من أجل فعله أي من أجل أنه فعله بصفته رسول مبلغ من ربه فهو وحي من الله.


وأما الممارسات التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الصدد والتي تبين مضمون الدولة الإسلامية بغض النظر عن المسميات خلافة أم إمارة أم دولة أم إمامة فلا مشاحة في الاصطلاح. فهي :


أولاً: أخذ بيعة الانعقاد من أهلها في العقبة الكبرى، ثم تلتها بيعة الطاعة في المدينة المنورة وأخذها من المسلم البالغ العاقل الحر ذكراً كان أو أنثى ولم يأخذها من الرقيق ولا الأطفال.


ثانياً : بنى دار الحكم وهي المسجد الذي كان يجتمع فيه بالمسلمين وأهل الشورى، وهذا له معاني جليلة في الحكم الإسلامي عندما يكون المسجد مقر للحكم ومشرع الأبواب لكل الرعية مسلمها وكافرها، غنيها وفقيرها، ذكرها وأنثاها، ولطالما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أشيروا علي أيها الناس.


ثالثاً: وضع ميثاق الدولة المنظم لعلاقات المسلمين بعضهم ببعض وبغيرهم ممن هم في داخل المدينة ومن هم في جوارها.


رابعاً: جيّش الجيوش وقادها بنفسه وأحياناً بعقد الألوية والرايات للأمراء من المسلمين وأنفذهم في مهاماته الحربية.


خامساً: عيّن القضاة وقام بنفسه بالقضاء بين المتخاصمين كما قام بأعمال قاضي الحسبة بنفسه.


سادساً: اتخذ معاونين يستعين بهم في الحكم وفوّض إليهم صلاحياته في النظر فيما يُعرض عليهم وإمضاء الأمور برأيهم كما أخبر صلى الله عليه وسلم وزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر.


سابعاً: كان له أهل شورى يدعوهم ويستشيرهم فيما يواجهه من قضايا كما فعل في بدر والخندق وأُحد، وكان أكثر الناس استشارةً لأصحابه حتى قال القائل من الصحابة لم أر أحداً أكثر استشارة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ثامناً: أبرم المعاهدات مع أهل البلاد الذين كانوا يمثلون كيانات سياسية في ذلك الزمان.


تاسعاً: عين الولاة وبين لهم صلاحياتهم وبما يحكمون.


عاشراً: أرسل الرسل والسفراء إلى الملوك ومنهم كسرى وهرقل والمقوقس حاكم مصر وغيرُهُم كثير.


أحد عشر: جمع الأموال من أبوابها وأنفقها في مصارفها.


اثنى عشر: كان له دائرة إعلام من شعراء وخطباء يقومون بالرد على الكفار والمدافعة عن الإسلام وتسفيه عقائد الكفر.


فهذه الممارسات وغيرها كثير مدونة في كتب الصحاح وكتب السير مفصلة يمكن لأي باحث أن يقف عليها ويرى بعينه عظيم دولة الإسلام.


هذه هي دولة الخلافة وهذا مضمونها فليتق الله المشككون ممن يدّعون بأنهم مفكرون إسلاميون، يشترون بدين الله ثمناً قليلاً فضلوا عن علم وأضلوا، نسأل الله لهم الهداية.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 


سعيد رضوان - أبو عماد

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع