الخميس، 26 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الركون إلى الأشخاص أم الركون إلى الأفكار الحلقة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم


نتابع معكم حديثنا في موضوع الركون إلى الفكر أم إلى الأشخاص من حيث انتهينا في الحلقة السابقة، وقد قلنا إنه لا بد من البيان أن أي اخذ للحكم لا بد أن يكون على أساس حراسة الإسلام، وحراسة الإسلام تقتضي الأمانة فلا بد أن يتوفر أمران حتى يضمن ثقة الأمة وانقيادها :-

أولا :- إثارة الوعي عن الإسلام عند الأمة.

ثانيا :- وجود الرأي العام - أي تجاوب الأمة.



إن الركون إلى الأشخاص لا بد تتوافر فيهم شروط حتى يكونوا مدعاة للثقة، وذلك بقدرتهم على القيادة - أي قيادة الأمة - نحو الخير وتحقيق الأهداف والغايات.


فان كان الركون إليهم مشاعريا وحسب، فانه يؤدي إلى خطر داهم لان ثقة الناس بهم مشاعرية بحتة، فان كان ركونهم إلى أشخاص يثيرون فيهم فقط مشاعر العزة المزيفة بغير إدراك لمعنى العزة الحقيقية التي تكون على أساس الإسلام والمرتبطة بفكر الإسلام ، فإن انقيادهم يكون انقيادا مؤقتا سرعان ما يزول ويتغير بتغير الأحوال والأوضاع والمشاعر.


إن الركون إلى الأشخاص حتى يكونوا مدعاة للثقة لا يصح إلا إذا كان ليهم فكر مبدئي مع إدراكهم بقدرتهم وصدق لهجتهم وترجمة أفكارهم على ارض الواقع بأداء لا يصاحبه الجبن بل بشجاعة واضحة .


وان تسليم السلطة ليس فقط بالطاعة وحسب ورفع العتب أو إسقاط لواجب، بل لا بد من أن يكون على وعي، من هو صاحب القيادة؟ ومن هو اقدر واعلم لقيادة الناس على أساس مبدأ واضح؟ وان دعواه صادقة بصدق مبدئه الذي يعالج نواحي الحياة .


لان أي عمل قيادي حتى ينجح لا بد له من مراعاة هذا الجانب الأساسي مراعاة دائمة ومتابعة جدية، حتى يضمن أن أي ركون إليهم لم يكن إلا على أساس الفكر المبدئي، عندها يحقق أهدافه، بل وأهداف الأمة، مع علمه انه مهما اخذ من الوقت لا يتنازل عن فكره والذي به برزت شخصيته القيادية، ولا بد له من الثبات على الحق حتى يكون مدعاة للثقة .


ومما هو معلوم أن الأمة يغلب عليها عدم تمحيص الأفكار، فنجد أن كثيرا من إفراد الأمة أفكارهم مغلوطة، ومعلوماتهم غير صادقة واندفاعهم دون تحديد للغاية فيغلب عليهم عدم العناية بالغايات والأهداف، فنجدهم يسيرون إلى غير غاية، ولو كان لدى الأمة غاية وأهداف فإنما هي لغايات وأهداف سهلة قريبة تحقيقها، فصبر الأمة لا يطول، وذلك لان الممكن عقلا لا تستطيع الشعوب أن تجعله غاية، بل الممكن فعلا هو الذي تراه وتسعى لتحقيقه، فالغاية التي توضع للشعوب غاية قريبة ممكنة، بخلاف الأشخاص أو الإفراد والأحزاب الأمناء، فهم اقدر على الصبر من الشعوب والأمم، بسبب الرؤية عندهم فهي أكثر وضوحا، فهم قادرون على رؤية أن الممكن عقلا ممكن فعلا وقادرون على الرؤية البعيدة، فهم أكثر صبرا على المشقات وأكثر احتمالا للمصاعب واقدر على السير في المراحل البعيدة المدى، وان غاياتهم من التفكير تحدد، وكذلك العمل يحدد، فغاياتهم مرئية للبصر والبصيرة، وأنها ممكنة التحقيق .


وعلى هذا الأساس تكون النظرة إلى الركون إلى الفكر، إذ تكون بالاطمئنان إلى قدرة الفكر على المعالجة الصحيحة والمنتجة .


والذي يجعل الفكر مدعاة للثقة ؟؟


صحة الفكرة وانطباقها على الواقع وتكرار ثبوتها، فهي القاعدة الفكرية التي ينبثق عنها أو تبتنى عليها الأفكار، بتطبيقها على ارض الواقع والقدرة على المعالجة، وبما أن التفكير تعبير عن واقع لان الواقع أساس الفكر وأساس التفكير أو الفهم، فلا بد أن يجري لما يصح أن يجري فيه التفكير، كالكون، والحياة، وفي العيش، والحقائق، والأساليب، والغايات، والأهداف، أو التفكير في فهم الكلام المسموع والمقروء ( أي النصوص ) .


فالتفكير يجري ضمن الواقع المحسوس، وأما ما لا يقع ضمن دائرة الإحساس، فان أثره يقع الحس عليه، ومن الممكن أن تجرى عليه العملية العقلية، إذ التفكير بأثره هو تغير بوجوده وليس بكنهه، فهو حكم على نوع هذا الموجود من تمييز أثره، فاثر الشيء جزء من وجودة .


وهكذا أفكار الإسلام هي محل للثقة والركون إليها، فمن ناجية البحث العقلي، لأنه مبدأ، أي عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام ويبتنى عليه الأفكار، ومن ناحية التطبيق يكون أثره أكثر وفعال لإحساس الناس به إحساسا مباشرا .


ومن هنا نجد حاجة الأشخاص للفكرة القيادية لازم للدعوة كلزوم الماء للحياة، إذ أن الفكر الذي يحمله الأشخاص لا بد وان يكون فرا قابلا لصهر الأمة في بوتقته حتى يضمن توحيد الأفكار والآراء والإحكام والمشاعر والنظام، والذي بدوره يؤدي إلى توحيد هدف الأمة لتتجه إلى الحياة الإسلامية، وكما نلاحظ أن الأمة الإسلامية ( ولله الحمد ) قد خلعت من نفسها دعوى الجاهلية - فقد عاد مطلب الأمة لتطبيق الشريعة بنورها وحيويتها.


فمن يريد أن يقود بشرع ربه، لا بد له من أسس وركائز على أن تكون نفس الأسس والركائز التي سار عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم والتي أقام عليها البنيان.


وهذه الركائز :-


أولا : العقيدة - عقيدة روحية سياسية وليست عقيدة انتماء وحسب، بل لن تكون أساسا للعيش وان تبذل المهج والأرواح لتحقيق هذه الركيزة.


وبما أن العقيدة فكرة كلية وهي كذلك قاعدة فكرية تنبثق عنها أنظمة الحياة وهي مقياس للأعمال، فالعقيدة هي الدستور والمصدر الأوحد للقوانين ونظام الحكم، وهي كذلك قيادة فكرية نحتكم لها ونخضع، وبها نهدم عقائد الكفر والباطل، فرسول الله صلى الله عليه وسلم بنا نواة الأمة على أساسها وسار عليها، وعليها تشكل العلاقات (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا) 123 هود .
ويقول الله سبحانه : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ) المائدة.


ثانيا: الخلافة- إذ لا يكون تطبق المبدأ إلا بالإسلام الذي يجعل الأمة امة واحدة وترعى شؤونهم وتحمي بيضتهم تحت راية واحدة ودولة واحدة لتطبيق شرع الله وإقامة العدل وتشر للعقيدة لإدخال الناس في دين الله أفواجا .


(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) المائدة.

(إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) النساء.


ثالثا: الجهاد- فلن يكون نشر العقيدة إلى العالم إلا بطريقة الجهاد فهو الطريق الشرعي لحمل الإسلام في الدولة .


وعلى هذا الأساس لا بد من قيادة سياسية لتحريك الناس نحو هدفها للإسلام ومنهاج الحياة لإيجاد حاكم عادل وقيادة حكيمة مثل حكمة الصديق وحزم عمر وحلم عثمان وفطنة علي وعدل ابن العزيز.


ومن المخاطر التي يجب أن تراعى لتحقيق أهداف الأمة وغاياتها عند القيادة أو أخذها :


هذه المخاطر هي محور حديثنا في الحلقة القادمة إن شاء الله إلى ذلك الحين نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


أبو زياد غوشة

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع