الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

محاولات الاختراق للثورة السورية

بسم الله الرحمن الرحيم

إن المدقق المتابع لتصريحات الدول الكبرى -وبخاصة أمريكا- لمجريات أحداث الثورة في سوريا؛ يرى أن هذه التصريحات تنصبّ على ثلاثة جوانب؛ الأول: التأييد الظاهري للثورة، والمناداة بوجوب تخلّي القيادة السورية عن مكانها في الحكم، والثاني: هو عدم وجود قيادة سياسية قادرة على تسلّم مقاليد الأمور في سوريا، لا من الثوار ولا من القيادة السياسية في الداخل والخارج، والثالث: هو وجوب إخراج قيادة سياسية من صفوف الشعب السوري قادرة على قيادة الشعب، وتكون وجهاً مقبولاً عنده، وذلك من أجل دعمها عالمياً ودولياً.

أما بالنسبة للأمر الأول وهو تأييد الشعب السوري ظاهراً والمناداة بوجوب تخلي القيادة السياسية عن مكانها، فهذا الموقف قد انتهجته (أمريكا وأوروبا) في جميع الثورات تقريباً، واتخذت منه خطاً عريضاً لامتطاء هذه الثورات، والأخذ بمقود قيادتها، فكان هذا موقفها تجاه الثورة المصرية، وكان موقفها كذلك في الثورة التونسية من قبل.. وغيرها من ثورات.. ففي بداية الثورة المصرية -على سبيل المثال- كانت تصريحات الساسة الغربيين واضحة تجاه القيادة المصرية واتجاه الشعب المصري، فقد نقلت (محطة BBC الفضائية) في بداية الثورة 29 كانون الثاني/يناير 2011 عن (رئيس الولايات المتحدة أوباما)، حيث قال: (على النظام المصري ترك الفرصة لحرية التعبير، وحرية الاختيار، وحق التظاهر في مصر..)، وفي اليوم التالي نقلت BBCعن الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي (المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا) تصريحا مشتركا (لرئيس الوزراء البريطاني، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل)؛ (دعوا فيه الرئيس مبارك إلى إجراء عملية تغيير من خلال حكومة واسعة التمثيل وبانتخابات حرة، وأن يتعامل مع الأحداث الحالية باعتدال، والدعوة لتجنب العنف ضد المدنيين العزل مهما كلف الأمر، ودعوة المتظاهرين إلي أن يمارسوا حقهم سلميا، وضرورة تطبيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي وعد بها الرئيس مبارك بالكامل وبسرعة وأن تستجيب لتطلعات الشعب).


وقد تتابعت التدخلات الغربية وبخاصة من الولايات المتحدة لدرجة الاحتواء والتوجيه المباشر، وهذا ما عبرت عنه وزيرة التعاون الدولي المصرية (فايزة أبو النجا) في إفادتها بالتحقيق الخاص بقضية التمويل الأميركي غير النظيف للمنظمات الأهلية المصرية والتي تحولت إلى أزمة سياسية بين مصر وأميركا، حيث قالت في 19-2-2012: (أن أحداث ثورة 25 يناير جاءت مفاجئة للولايات المتحدة وخرجت عن سيطرتها، مما دفعها في حينه للعمل بكل ما لديها من إمكانيات وأدوات لاحتواء الموقف، وتوجيهه في الاتجاه الذي يحقق المصلحة الأميركية والإسرائيلية أيضا).


ولقد كان موقف الغرب أكثر وضوحا فيما بعد تجاه الثورات؛ حيث وصل إلى حد استخدام القوة العسكرية والدعم المالي، وهذا ما ظهر بوضوح في (مؤتمر أصدقاء ليبيا في باريس)؛ وخرج المؤتمر بقرارات عدة؛ حيث جاء على لسان (ساركوزي) في مؤتمر صحفي في ختام المؤتمر -كما نقلت الجزيرة نت بتاريخ 2 -9-2011 حيث قال: (.. إن العقثد القذافي يجب أن يعتقل وأن يحاكم من قبل الشعب الليبي.. وأنه سيتم الإفراج عن الأموال الليبية المجمدة لصالح المجلس الانتقالي.. وأن الحلف سيواصل عملياته العسكرية لحماية الشعب الليبي..)


والسبب في هذه المواقف يرجع إلى اعتبارين عند الساسة الغربيين؛ الأول: هو التماشي مع الفكر الديمقراطي المضلّل أمام شعوبها وأمام دول العالم، والثاني هو إيمانها اليقيني أن التمسك بالحكام هو خسارة سياسية لأنهم زائلون لا محالة، لذلك يجب دعم الشعوب والوقوف في صفهم ظاهراً من أجل التدخل والتوجيه والمتابعة في الوقت المناسب.. لذلك جاء هذا التأييد الخادع الكاذب للثورات..


من هذا الباب أيضا كان تأييد أمريكا للثورة السورية، أي لإيمانها اليقيني أن الشعوب في هذه المرحلة عندما تنتفض وتثور ضد زعيم أو رئيس فإنها لا تبرح حتى تسقطه أرضاً، لذلك جعلت الخطوط موصولة من أول يوم مع الشعب السوري؛ عن طريق تركيا وتشكيلات المجلس الوطني والمجلس العسكري السوري.
هذا ما يتعلق بالنقطة الأولى وهي التظاهر بدعم الثورات وتأييدها ومنها الثورة السورية.


وأما الأمر الثاني؛ وهو عدم وجود قيادة سياسية قادرة على تسلم مقاليد الأمر في سوريا، فهذا كلام مبهم مبطّن ومضلّل، لأنه في الحقيقة يوجد قيادات كثيرة قد سارت في الخط الأمريكي عن طريق تركيا -عندما شُكِّل المجلس الوطني السوري- ومنهم قيادات دينية من بعض الجماعات داخل سوريا مثل الإخوان المسلمين.. لكن الكلام الذي لم تصرّح به أمريكا هو (عدم تأييد أغلب الداخل السوري لهذه القيادات التي تشكلت عن طريق تركيا، وخاصّة من أغلب تنسيقيات الثورة السورية، وحاولت في بعض الأحيان الالتفاف في التعبير عنه بوجود التيارات الأصولية السلفية المرتبطة بالقاعدة، وتقصد هنا بالسلفية المرتبطة بالقاعدة الجماعة التي تدعو فكراً للخلافة الإسلامية وحكم الإسلام، والسبب في تغطيتها بتسمية القاعدة هو الحرب الدولية على القاعدة وإلصاق تهمة الإرهاب بها، أي حتى يكون هناك وجه مقبول ورأي معقول لدى الشعوب ولدى الساسة والمنظمات الدولية في الغرب عندما لا تؤيد الشعب السوري -في ثورته- عسكريا كما فعلت في ليبيا، ولكي تقف ضد هذه التنظيمات مستقبلاً، وحتى يكون هناك قناعة لدى الشعوب الغربية أن بقاء الأسد وبقاء القتل في الشعب السوري هو خير من صعود القاعدة للحكم وللإرهاب حسب زعم أمريكا..


فالقيادة السياسية في نظر الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية أو غيرها من دول هي القيادات التي تنادي بالفكر الغربي ولا تسعى للانفصال والاستقلال عن سياسات أمريكا، ولا عن سياسات الغرب بشكل عام، أي هي ما سوى حزب التحرير بالتحديد؛ لأنه الوحيد الآن في الساحة السياسية -في ظلّ الثورات وغيرها من بلاد العالم- الذي يسعى لتطبيق منهج إسلامي صافٍ ويدعو لدولة إسلامية متميزة لا ترتبط بالدولة المدنية ولا بديمقراطية الغرب الكاذبة.
والحقيقة أن القيادات السياسية في الداخل السوري وخارجه ممن يسير مع الغرب ويؤيد فكره موجودة ولكن كما ذكرنا ليس لها تأييد شعبي كما تريد أمريكا ودول الغرب بعامة، لذلك تخاف هذه الدول في حال زوال حكم الأسد أن تنقضّ الجموع المخلصة -ومنها القادة العسكريون ممن هم في مواقعهم في الجيش-، والقادة الذين انشقوا عن الجيش حباً في الجهاد وإزالة الظلم ودفاعاً عن الأعراض والدماء، وحباً في تحرير أرض سوريا المغتصبة من قبل اليهود..
ولهذا السبب كان القتل وإطلاق يد بشار داخل سوريا والسكوت على ذلك خلال المرحلة السابقة وهذه الأيام؛ أي من أجل الضغط على الداخل السوري وخاصّة تشكيلات الجيش الحر والتنسيقيات الثورية للارتباط بتركيا عن طريق المجلس الوطني والمجلس العسكري..


وهذا بالفعل ما بدأت به أمريكا هذه الأيام في) مؤتمر أصدقاء سوريا( داخل تركيا على شاكلة مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس؛ أي أنها بدأت بترتيب مجلس عسكري في تركيا تتّبعه قيادات في الداخل، ويرتبط هذا المجلس بشكل وثيق بالمجلس الوطني العميل، وتسعى أمريكا لعقد مؤتمر أوسع بعد ذلك قد يكون إقليميا أو دوليا أو الاثنين معا؛ أي بعد ضمان الولاء من قبل أغلب القيادة السياسبة والعسكرية في سوريا.
والسؤال المهم هنا: هل تنجح أمريكا في هذه السياسة الإجرامية تجاه الشعب السوري وطموحاته وتوجهاته الصحيحة؟!
هناك ثلاث عقبات تقف أمام أمريكا يجب أن تجتازها، الأولى: التغلب على التيار المعاكس من قبل الدول الأوروبية، وخاصّة أنها -أي الدول الأوروبية- تملك الأدوات عن طريق الدول المحيطة والعملاء الداخليّين من السياسيين، الثانية: تطويع التنسيقيات وتشكيلات الجيش الحر للانضواء تحت عملائها في تركيا وقبول التوجيه والدعم المالي والعسكري.. وأما الثالثة: فهي كسر الفكر الصحيح عند الشعب السوري بوجوب إقامة حكم الإسلام في ظل دولة إسلامية.


هذه الأمور الثلاثة ليست سهلة ولكن عملاء أمريكا من الأتراك سيعملون جاهدين لتذليلها، وستستعين أمريكا -وللأسف الشديد- بقيادات الإخوان المسلمين عن طريق تركيا -كما فعلت من قبل في مصر وتونس- من أجل مسألة الدولة المدنية ورفض الدولة الإسلامية..
وستكون الأيام القادمة دموية وحامية الوطيس بكلّ ما في الكلمة من معنى، ونسأل الله تعالى أن يلطف بهذا الشعب المؤمن وييسّر له أهل نصرة أتقياء يخلصونه من جرائم الغرب ومؤامرات الغرب... آمين يا رب العالمين

حمد طبيب

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع