معالم الإيمان المستنير
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
المعلم الأول: لفت النظر إلى مكونات الكون
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: أخرج القرطبي في تفسيره عن حمزة بن حمران قال: سمعت أبا عبد الله يقول: "إن مما حفظ من خطب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم, وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم, ألا إن المؤمن يعمل بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه, و بين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه, فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه, ومن دنياه لآخرته, وفي الشبيبة قبل الكبر, وفي الحياة قبل الممات, فو الذي نفس محمد بيده, ما بعد الدنيا من مستعتب, وما بعدها من دار إلا الجنة أو النار". صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها المؤمنون:
سنكون معكم على مدار حلقات عدة, بقدر ما يفتح الله به علينا في هذا الكتاب المسمى"معالم الإيمان المستنير" نتأمل وإياكم معالم ديننا الحنيف, دين الإسلام العظيم؛ لننتهي إليها كما أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بوحي من الله جل في علاه, ومع المعلم الأول نتناول فيه موضوع: "لفت النظر إلى مكونات الكون" نقول وبالله التوفيق:
أيها المؤمنون:
لا يمكن للإنسان أن يؤمن بشيء إيمانا صحيحا على نحو القطع واليقين إلا إذا علمه وصدقه تصديقا جازما وأقام عليه الدليل. لذا لفت الله تعالى عقل الإنسان للنظر في الكون والإنسان والحياة في كثير من الآيات في القرآن الكريم؛ لأن أكثر شيء يثق به الإنسان هو عقله، ومن خلال العقل يحكم على الأشياء التي يقع عليها حسه فيصدق بها ويطمئن لها قلبه. وهذه الأشياء التي تقع تحت حسه موجودة قطعا؛ لأن حكم الحواس كالسمع والبصر على وجود الشيء المحسوس قطعي لا يقبل الشك والارتياب. وبالعقل يتميز الإنسان عن الحيوان، و به جعله الله تعالى مكلفا، أي مطالبا بالإيمان والعمل بشرع الله، حين أمره ونهاه.
أيها المؤمنون:
خاطب الله الإنسان في كثير من الآيات؛ لأنه يعقل، قال تعالى:( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولـكن تعمى القلوب التي في الصدور). (الحج 46) أي: يعقلون ما يجب أن يعقل من التوحيد. ومن لم يستعمله فقد شبهه الله بالدواب التي لا عقل لها، قال تعالى: ( إن شر الدواب عند اللـه الصم البكم الذين لا يعقلون). (الأنفال 22)
والأشياء التي يقع عليها حس الإنسان هي التي يعقلها ويدركها. وما لا يقع عليها حسه لا يعقلها ولا يدركها. فهو يدرك الكون وما يوجد فيه من مجرات ونجوم وكواكب وشهب ونيازك، والشمس والقمر.
وما يوجد في الأرض من أنهار وبحار وجبال، وسحب ورياح وأمطار، وحيوانات وحشرات، وأشجار ونباتات وأزهار، وليل ونهار. وزلازل وبراكين وأعاصير وفيضانات وبرق ورعد. وكلها آثار محسوسة دالة على وجود موجد لها.
أيها المؤمنون:
يدرك الإنسان أن كل هذه الأشياء لم تأت صدفة بل جاءت بتنظيم دقيق، وترتيب عجيب، وتقدير بديع، وجمال يأخذ بالألباب. وهذه الآثار أي الآيات الكونية تدل على قدرة عظمى وباهرة. وأن هذا الإحكام في البناء والتدبير، له خالق عظيم وإله جليل؛ لأنه لا يعقل أن يوجد شي دون موجد. وفي هذا الشأن يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
تلك الطبيعة قف بنا يا ساري حتى أريك بديع صنع الباري
الأرض حولك والسماء اهتزتا لروائـــع الآيـات والآثار
من كل ناطقة الجلال كأنها أم الكتاب على لسان القاري
دلت على ملك الملوك فلم تدع لأدلة الفقهاء والأحبار
من شك فيه فنظرة في صنعه تمحو أثيم الشك والإنكار
وهذه أنشودة للشاعر يوسف العظم رحمه الله. ينبغي أن نعلمها لأطفالنا الصغار. دعونا نتساءل معه ثم نجيب الإجابة التي يجيبها كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد, والأنشودة بعنوان:"الله الخالق"
من أنزل الأمطار, وفجر الأنهار؟ وأنبت الأزهار, تزخرف الجبال؟
ذاك العظيم في علاه, من أبدع الكون سواه؟
من زين السـماء, وجمل الفضاء؟ وأرسل الضياء؛ ليرسم الظلال؟
ذاك العظيم في علاه, من أبدع الكون سواه؟
من علم العصفور في الجو أن يطير؟ ومن جلا الغدير, ودفق الشلال؟
ذاك العظيم في علاه, من أبدع الكون سواه؟
من أنطق اللسان, وأسمع الآذان؟ وعلم الانسان, وأبدع الجمال؟
ذاك العظيم في علاه, من أبدع الكون سواه؟
من ينشر الصباح, ويرسل الريـاح؟ ويملأ البطاح, من رزقه الحلال؟
ذاك العظيم في علاه من أبدع الكون سواه؟
والعقيدة الإسلامية عقيدة عقلية؛ لأننا توصلنا إليها عن طريق العقل. والذي يحدد نوع الدليل هو موضوع العقيدة نفسه فإن كان الموضوع واقعا تحت الحس البشري، ويستطيع العقل أن يدرك واقعه أو يدرك آثاره الدالة عليه كان الدليل عليه عقليا، كالإيمان بالله والقرآن ونبوة ورسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والقضاء والقدر. وإن لم يكن موضوع العقيدة واقعا تحت الحس البشري، ولا يستطيع العقل أن يدرك واقعه أو يدرك آثاره الدالة عليه ، كان الدليل عليه نقليا من القرآن الكريم أو السنة النبوية المتواترة.
الإخوة الكرام:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.