تأملات في كتاب من مقومات النفسية الإسلامية ح103
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: " من مقومات النفسية الإسلامية ". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق :
موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو "أدب الحديث". وهو ثلاثة أقسام: أدب التدريس, وأدب الخطبة, وأدب الجدل.
القسم الأول : أدب التدريس: فمن أدب التدريس :
تاسعا :
اجتناب تكلف العلم. عن عمر رضي الله عنه قال: "نهينا عن التكلف" رواه البخاري. وعن مسروق قال: دخلنا على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: " يا أيها الناس من علم شيئا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: "الله أعلم" فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: "الله أعلم" قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين. إن هو إلا ذكر للعالمين }. (سورة ص87) " متفق عليه.
عاشرا :
اجتناب مراء السفهاء. عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا تماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار ". رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وابن ماجة والبيهقي وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
أحد عشر :
اجتناب الرياء والتسميع والعجب والكبر. وقد مر.
اثنا عشر :
مخاطبة الناس على قدر عقولهم، عن علي رضي الله عنه قال: " حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ " رواه البخاري. قال ابن حجر في الفتح: بما يعرفون أي بما يفهمون. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة " رواه مسلم.
و"ما" في الأثر عاملة عمل ليس. وقال ابن عباس: "{كونوا ربانيين}. حلماء فقهاء، ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره" رواه البخاري.
وفي معنى قوله تعالى: {ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}. (آل عمران79) حدثنا سعيد قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي رزين، في قوله عز وجل: {كونوا ربانيين} فقال: فقهاء علماء.
القسم الثاني: أدب الخطبة: ومن أدب الخطبة :
أولا :
تقصير الخطبة يوم الجمعة خاصة، لحديث عمار عند مسلم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة من فقهه؛ فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة، وإن من البيان سحرا". وحديث جابر بن سمرة قال: "كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت صلاته قصدا، وخطبته قصدا " رواه مسلم.
وحديث الحكم بن حزن الكلفي قال: " شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة، فقام متوكئا على عصا، أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات " رواه ابن خزيمة في صحيحه، وأحمد وأبو داود، وقال ابن حجر: إسناده حسن.
وحديث عبد الله بن أبي أوفى يقول: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة، والمسكين فيقضي له حاجته ". رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، وابن حبان في صحيحه، وصححه العراقي، وأخرجه الطبراني عن أبي أمامة بنحو من حديث ابن أبي أوفى، وقال الهيثمي إسناده حسن.
والقصد في الصلاة والخطبة كما فسرته الأحاديث الأخرى بأن تكون الصلاة أطول من الخطبة, ففي حديث ابن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطيل الصلاة, ويقصر الخطبة، وفي حديث عمار أمرنا بإطالة الصلاة وتقصير الخطبة، فصلاته صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة كانت أطول من خطبته، فإذا علمنا مقدار صلاته صلى الله عليه وسلم استطعنا تقدير الخطبة لأنها أقصر من الصلاة. وقد ورد في الصلاة أي صلاة الجمعة عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم: " كان يقرأ الجمعة والمنافقون ". وفي حديث النعمان بن بشير أنه صلى الله عليه وسلم: " كان يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى, وهل أتاك حديث الغاشية". وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم "كان يقرأ بالجمعة والمنافقين ".
هذه الأحاديث الثلاثة رواها مسلم. فأطول صلاة جمعة له صلى الله عليه وسلم يمكن تقديرها بالمدة التي كان صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها الجمعة والمنافقون، مضافا إليهما مدة قراءة الفاتحة مرتين مع ركوعين وأربع سجدات وجلوس للتشهد والصلاة الإبراهيمية فهذه أطول صلاة جمعة، وأقصر منها ما كان يقرأ فيها بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية مع الإضافات التي ذكرت. وبناء على ذلك، وكون صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت أطول من خطبته صلى الله عليه وسلم، فإن الخطيب يمكنه معرفة السنة في مقدار خطبته.
ثانيا :
استعمال الأسلوب الخطابي على المنبر لا أسلوب الدرس أو المحاضرة أو المقالة أو القصص أو الشعر، ولمعرفة أسلوب الخطبة والتفريق بينه وبين غيره من الأساليب يرجع إلى كتب اللغة التي تعنى بهذا البحث.
ثالثا :
الحرص على تجنب اللحن، فإنه يقبح بالخطيب أن يلحن في كلامه، وأشد منه قبحا اللحن في قراءة القرآن على المنبر!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي