معالم الإيمان المستنير الإيمان بالملائكة ح5
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
نتابع معكم أيها الكرام الحديث حول الإيمان بالملائكة. فنقول وبالله التوفيق:
لم يطلع الله عز وجل الناس على شيء من غيبه إلا وكان فيه نعمة عظيمة وفائدة كبيرة لهم، ومن فضل الله علينا أن عرفنا بهذه المخلوقات الكريمة. وجعل الإيمان بها من الإيمان بالغيب الذي يعد أول صفة للمتقين. قال تعالى: ( الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ). (البقرة1-3) وللإيمان بالملائكة ثمرات عظيمة، منها:
أولا: عدم الوقوع في الخرافات: فعندما أطلعنا الله عز وجل على أمر هذه المخلوقات المؤمنة وأفعالها، فإنه بذلك قد حفظنا وجنبنا الوقوع في الخرافات والأوهام التي يقع فيها من لا يؤمنون بالله، وهذه نعمة كبيرة تستحق الحمد الدائم للمولى سبحانه على عنايته بعباده.
ثانيا: الاستقامة وتقوى الله: فإن من يستشعر وجود الملائكة معه وعدم مفارقتها له، ويؤمن برقابتهم لأعماله وأقواله، وشهادتهم على كل ما يصدر عنه ليستحيي من الله ومن جنوده، فلا يخالفه في أمر, ولا يعصيه في العلانية أو في السر، فكيف يعصى الله من علم أن كل شيء محسوب ومكتوب؟ ولله در الشاعر أبي العتاهية حيث يقول:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل: خلـوت ولكـن قل: علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفــل ساعة ولا أن مــا يخفـى عليه يغيب
لهونا لعمر الله حتى تتابعت ذنوب على آثارهـن ذنوب
فيا ليـت أن الله يغفـر ما مضى ويأذن في توباتنا فنـتــــوب
إذا ما مضى القرن الذي كنت فيهم وخلفــت في قرن فأنــت غريب
وإن امرءا قد ســار خمسين حجـة إلى منهــل من ورده لقريـب
نسيبـك من ناجـاك بالود قلبه وليس لمن تحـت التراب نسيب
فأحسن جزاء ما اجتهدت فإنما بقرضك تجزى والقروض ضروب
ثالثا: الطمأنينة: فالمسلم مطمئن إلى حماية الله له، فقد جعل الله عليه حافظا من الملائكة الحفظة يحفظونه من الجن والشياطين ومن كل شر: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللـه ). (الرعد11)
رابعا: حب الله عز وجل: فالمسلم عندما يؤمن بالملائكة وأعمالهم ويرى كيف أن الله عز وجل وكل ملائكة بالسماء، وملائكة بالأرض، وملائكة بالجبال، وملائكة بالسحاب, وملائكة بالبحار وغيرها, وكل ذلك من أجل الإنسان وراحته؛ فتزداد محبة الله في قلبه, ويعمل على طاعته, ويتوجه إليه بالحمد والثناء.
خامسا: الصبر عل طاعة الله: ومن ثمرات الإيمان بالملائكة الصبر، ومواصلة الجهاد في سبيل الله، وعدم اليأس, والشعور بالأنس والطمأنينة، فحينما يدعو المؤمن إلى الله ويجد من أهله وقومه الصد والاستهزاء فإنه يجد من ملائكة الرحمن أنيسا ورفيقا يصحبه ويطمئنه ويشجعه على مواصلة السير في طريق الهدى؛ لأن جنود الله معه، يعبدون الله كما يعبد المؤمن ربه، ويتجهون إلى خالق السماوات والأرض كما يتجه؛ فيشعر بأنه لا يسير وحده إلى الله بل يسير مع موكب إيماني من مخلوقات الله تعالى.
سادسا: العلم بعظمة الله وقوته وسلطانه: ما أضعف الإنسان حين يصر على معصية الله، وهو يعرف أن البيت المعمور في السماء يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، وأن ملكا واحدا كان يستطيع بقدرة الله أن يطبق جبلي مكة على من فيها من المشركين. قال تعالى: (وخلق الإنسان ضعيفا) (النساء28) ولكن المؤمن يعلم عظمة الله, ويقدره حق قدره فلا يعبد غيره، ولا يطيع سواه.
روى البخاري في صحيحه عن عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: "لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك, وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا".
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.