الأحد، 27 صَفر 1446هـ| 2024/09/01م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

معالم الإيمان المستنير التوكل على الله ح1

بسم الله الرحمن الرحيم


أيها المؤمنون:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:


التوكل معناه: الاعتقاد بأن هناك إاول خالقا يعتمد عليه المسلم في جلب الخير أو دفع الضر. وقد أمر الله تعالى بالتوكل فقال: { الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون }. (التغابن: 13) كما أمرت به السنة النبوية, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير, تغدو خماصا, وتروح بطانا".


أيها المؤمنون:


التوكل جزء من إيمان المسلم وعقيدته, يفهمه بأنه طاعة الله, وذلك بإحضار كافة الأسباب المطلوبة لأي عمل من الأعمال التي يريد القيام بها والدخول فيها, فلا يطمع في ثمرة دون أن يقدم أسبابها, ولا يرجو نتيجة ما دون أن يضع مقدمتها, غير أن موضوع إثمار تلك الأسباب, وإنتاج تلك المقدمات يفوضه المسلم إلى الله تعالى إذ هو وحده القادر عليه دون سواه. فالتوكل الصادق على الله تعالى هو دين الأنبياء والصالحين. والتوكل عند المسلم عمل وأمل, مع هدوء قلب وطمأنينة نفس, واعتقاد جازم بأن ما شاء الله كان, وما لم يشأ لم يكن, وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.


أيها المؤمنون:


ولكن يبرز الآن سؤال هو: كيف ينبغي أن تكون نظرة المسلم إلى الأسباب؟ للإجابة نقول: والمسلم إذ يؤمن بسنن الله في الكون, فيعد للأعمال أسبابها المطلوبة لها, ويستفرغ الجهد في إحضارها وإكمالها, ولا يعتقد أبدا أن الأسباب وحدها كفيلة بتحقيق الأغراض, وإنجاح المساعي, لا, بل يرى أن اتخاذ الأسباب أمر لا بد منه, وهو مما أمر الله به, يجب أن يطاع فيه كما يطاع في غيره مما يأمر به وينهى عنه, أما الحصول على النتائج, والفوز بالرغائب فقد وكل أمرهما إلى الله تعالى, إذ هو القادر على ذلك دون غيره, وأن ما شاء الله كان, وما لم يشأ لم يكن, فكم من عامل كادح لم يأكل ثمرة عمله وكدحه, وكم من زارع لم يحصد ما زرع.


ومن هنا كانت نظرة المسلم إلى الأسباب أن الاعتماد عليها وحدها, واعتبارها هي كل شيء في تحقيق المطلوب كفر وشرك يتبرأ منهما, وأن ترك الأخذ بالأسباب المطلوبة لأي عمل وإهمالها, وهو قادر على إعدادها وإيجادها فسق ومعصية يحرمهما الإسلام ويستغفر المسلم الله تعالى منهما. إذا فعلى المسلم أن يتوكل على الله وهو آخذ بالأسباب, وأن يأخذ بالأسباب وهو متوكل على الله؛ لأنهما أمران متلازمان لا ينفكان عن بعضهما.


أيها المؤمنون:


والتوكل يفهمه الجاهلون بالإسلام, ويفهمه خصوم عقيدة المسلمين بأنه مجرد كلمة تلوكها الألسن ولا تعيها العقول, وتتحرك بها الشفاه ولا تفهمها العقول أو تترواها الأفكار. أو هو نبذ الأسباب وترك العمل, والقنوع والرضا بالهون والدون تحت شعار التوكل على الله, والرضا بما تجري به الأقدار! وأما التواكل فهو التظاهر بالتوكل دون اعتقاد في الحقيقة، والاعتقاد من أعمال القلب "أي العقل" فإذا قال العبد: إنه متوكل على الله بلسانه دون اعتقاد بقلبه فهو يتظاهر بالتوكل، وهو متواكل.


أيها المؤمنون:


المتواكل مقصر في واجب أوجبه الله, والمتواكل كالمتباكي الذي يتظاهر بالبكاء، والمتعامي الذي يتظاهر بالعمى، والمتناسي الذي يتظاهر بالنسيان، والمتغافل الذي يتصنع الغفلة وهكذا. فالمتواكل لا ينفعه تواكله بلسانه دون اعتقاد بقلبه. ويكون مقصرا في واجب أوجبه الله، وطلبه في آيات وأحاديث كثيرة.


أيها المؤمنون:


وإليكم هاتان الفائدتان المأخوذتان من كتاب الله تعالى, ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم:


الفائدة الأولى: من كتاب الله: قال تعالى: { وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك ر‌طبا جنيا * فكلي واشر‌بي وقر‌ي عينا فإما تر‌ين من البشر‌ أحدا فقولي إني نذر‌ت للر‌حمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا }. في قوله تعالى:{ وهزي إليك بجذع النخلة }. أي حركي جذع النخلة اليابسة, وهذا الخطاب لمريم عليها السلام حين وضعت مولودها عيسى عليه السلام, وهي في هذه الحالة امرأة ضعيفة, لا تقوى على تحريك الجذع. بل ربما يعجز عن تحريكه الرجال الأقوياء الأشداء, فدل ذلك على أن الله يعلمنا أن الحركة والسعي أمران ضروريان لطلب الرزق.


الفائدة الثانية: من سنة رسول الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير, تغدو خماصا, وتروح بطانا". في قوله صلى الله عليه وسلم : "تغدو وتروح" دلالة واضحة على أن الحركة والسعي أمران ضروريان لطلب الرزق أيضا.


ورحم الله الإمام الشافعي حيث يقول:

 

توكلت في رزقي على الله خالقي وأيقنت أن الله لا شك رازقي
وما يك من رزقي فليس يفوتني ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي به الله العظيم بفضله ولو لم يكن مني اللسان بناطق
ففي أي شيء تذهب النفس حسرة وقد قسم الرحمن رزق الخلائق

 

أيها المؤمنون:


نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع