في ذكرى سقوط الأندلس ماذا خسر المسلمون بسقوط الاندلس ج1
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدي رسولِ اللهِ وعلى آلهِ وصحبِهِ ومن والاه,
فتحَ المسلمون الأندلسَ في السنةِ الثانيةِ والتسعينَ للهجرةِ الموافقةِ للسنةِ الحاديةِ عشرة بعد السبعمائة للميلاد (92هـ=711م) واستمرَ وجودُهُم في الأندلسِ إلى حينِ سقوطِها في السنةِ السابعةِ والتسعينِ بعد الثمانِمائةِ للهجرةِ (897هـ= 1492م)؛ أي أن حُكمَ المسلمينَ للأندلسِ استمرَ زهاءَ ثمانمِائةٍ وخمسَ سنينَ هجريًّا.
ولا بدَ من طرحِ السؤالِ: لماذا سقطَتْ الأندلسُ؟ وماذا خسرَ المسلمونَ بسقوطِها، وما هي العبرُ التي تُستفادُ من هذا التاريخِ الإسلاميِّ الطويلِ.
سأقفُ وقفاتٍ منتقاةٍ مع محطاتٍ من تاريخِ الأندلسِ، أبدؤها بخروجِ جيشِ الفتحِ بقيادةِ موسى بن نصير من الشامِ مرورا بشمالِ أفريقيا كلِه، إلى أقصى المغربِ، ومن ثم قطعَهُم للبحرِ المتوسطِ ليفتحوا الأندلسَ، واستمرارِهم في السيرِ باتجاهِ فرنسا، وكانت وجهَتُهُم ونيتُهُم فتحَ القسطنطينيةِ بحصارِها من غربِها، فيا لها من همةٍ عظيمةٍ لا يزرعُ مثلُها في النفوسِ إلا دينٌ عظيمٌ!
لما علمَ الخليفةُ الأمويُ الوليدُ بنُ عبدِ الملكِ بنيةِ موسى بن نصير طلبَ منه الرجوعَ إلى الشامِ، وخافَ على الجيشِ الإسلامي من متاهاتِ أوروبا، وكان اللهُ قد منَّ على المسلمينَ ودولتِهم بفتحِ الأندلسِ.
مرَّتْ الأندلسُ بعصرِ الولاةِ الأول، كانت الصلةُ بينَهُم وبينَ قلبِ دولةِ الخلافةِ تعلو وتهبطُ وذلك لانشغالِ الدولةِ الإسلاميةِ بحروبِ الخوارجِ في المغربِ والعراقِ،
ومن أشهرِ الولاةِ: السمحِ بنِ مالك، الذي ولاهُ الخليفةُ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ رضي اللهُ عنه في رمضانَ من العامِ مائةٍ للهجرةِ، فانطلقَ هذا القائدُ الربانيُ مجاهدا في فرنسا، وكانت في فرنسا مدينةٌ واحدةٌ إسلاميةٌ هي مدينةُ أرْبُونَة، تلكَ التي فتحها موسى بنُ نصير/ بسريةٍ من السرايا، لكن السمح بن مالك الخَوْلاني فتحَ كل منطقةِ الجنوبِ الغربيِ لفرنسا، ثم أسَّسَ مقاطعةً ضخمةً جدًّا وهي مقاطعةُ سبتمانيا، وسبتمانيا الآن هي ساحلُ الريفييرا، وتُعَدُّ من أشهرِ المنتجعاتِ السياحيةِ في العالم، أخذ السمحُ الخولاني يستكملُ الفتوحَ في جنوبِ غربِ فرنسا، وفي الوقتِ ذاتِهِ أرسلَ يُعَلِّم الناسَ الإسلامَ؛ سواءَ في فرنسا أو في الأندلسِ، إلى أن لقيَ ربَهُ شهيدًا في معركةِ تولوز بطرسونةِ يومَ عرفةِ سنةِ مائةٍ واثنين للهجرةِ 102 هـ.
لما سقطَ السمحُ بنُ مالكِ شهيدًا في أرضِ الجهادِ، اختارَ أهلُ الأندلسِ عبدَ الرحمنِ بنَ عبدِ الله الغَافِقِيَّ -رحمَهُ اللهُ- أميرًا عليهم، واستطاعَ بمهارتِه العسكريةِ أن يجمعَ شتاتَ المسلمين، ويعودَ إلى الأندلسِ في (ذي الحجة سنة مائةٍ واثنينِ للهجرة 102هـ)، وكانت هذه ولايتُهُ الأولى، ولم تدُمْ إلاَّ شهرين؛ فقد عزلَهُ يزيدُ بنُ أبي مسلم عاملُ إفريقية، وولَّى بدلاً منه عَنْبَسَة بْن سُحَيْم -رحمهُ الله- وذلكَ في (صفرٍ عام مائةٍ وثلاثة للهجرة 103هـ).
كان عنبسةُ بنُ سُحَيْم -رحمَهُ اللهُ- قائدًا تقيًّا وَرِعًا، وإداريًّا فذًّا، ومجاهدًا حَقَّ الجهادِ، حكمَ بلادَ الأندلسِ من سنةَ مائةٍ وثلاث للهجرة الموافق سنةَ سبعِ مائةٍ وواحدٍ وعشرين للميلاد (103هـ=721م) إلى سنةِ مائةٍ وسبع للهجرة الموافق سبعِ مائةٍ وخمسٍ وعشرين للميلاد (107هـ=725م)، فوصلَ في جهادِهِ إلى مدينِة (سانس (Sens)، وهي تبعدُ عن باريسٍ بنحوِ ثلاثين كيلو مترًا، وهذا يعني أن عنبسةَ بنَ سُحيم -رحمَهُ اللهُ- قد وصلَ إلى ما يقربُ من سبعين بالمائة 70٪ من أراضي فرنسا، ويعني هذا -أيضًا- أن سبعين بالمائةِ 70٪ من أراضي فرنسا كانت بلادًا إسلاميةٌ، فقد أوغلَ عنبسةُ بن سحيم -رحمهُ اللهُ- في غزوِ الفرنج.
وبعد سنواتٍ خمسٍ من التردي، عادَ المسلمون فاختاروا عبدَ الرحمنِ الغافقي فعادَ يَبُثُ في المسلمينَ روحَ الجهادِ وروحَ الإسلامِ كما كانت عليه أيامَ الفتح، وكان استشهاده في معركة بلاط الشهداء في سنة 114 للهجرة.
ثم ولي عبد الملك بن قطن سنتين فأعقبه اختيار عبيد الله بن الحبحاب لولاية الأندلس مجاهدًا فذًّا يُسَمَّى عقبة بن الحجَّاج السلولي -رحمه الله، الذي تولَّى من سنة 116هـ=734م إلى سنة 123هـ=741م.
قال ابن عذاري: «أقام عقبة بالأندلس بأحسن سيرة وأجملها، وأعظم طريقة وأعدلها".
وقد قام عقبة بن الحجاج -رحمه الله- خلال سنوات إمارته السبع بأكثر من سبع حملات داخل فرنسا، وكان ينزل إلى الأسرى بنفسه يُعَلِّمهم الإسلام؛ حتى إنه أسلم على يديه ألف من الأسرى.
بدأ عقبة بن الحجاج -رحمه الله- يُعيد أمجاد الجهاد الإسلامي في بلاد فرنسا، فثبَّت أقدام المسلمين في بروفانس -جنوب شرقي فرنسا، وأقام فيها الرباطات، واستولى عقبة على بلاد الدوفينيه -شرقي ليون-، وفتح مدينة سان بول، وفتح -رحمه الله- مدينة أرْبُونَة عاصمة مقاطعة سبتمانيا، وقرقشونة إحدى مدنها، واتسعت فتوحات المسلمين حتى وصلت إلى مقاطعة بيدمونت بشمال إيطاليا، وواصل عقبة جهاده لإقرار الفتح في المدن الأندلسية لا سيما في الشمال الغربي في أرض جيليقية، ولقد ظلَّ عقبة بن الحجاج -رحمه الله- مجاهدًا حسن السيرة بين جنده إلى أن استشهد سنة 123هـ=741م، وباستشهاده انقضى العهد الأول من عهد الولاة، وكانت السمة الطاغية عليه سمة الجهاد والفتوحات، ونشر الإسلام في الأرض، وكان أغلب الولاة يقضون شهداء، بهذا توطدت أركان دولة الإسلام، وتوطدت المهابة في صدور الأعداء.
كتبه العبد الراغب رحمة ربه أبو مالك،
مستقيا جل مادته من موقع قصة الإسلام.