الجمعة، 04 ربيع الأول 1446هـ| 2024/09/06م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

سقوط الأندلس دروس وعبر ح7

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله مالك الملك, وخالق الخلق, يؤتي الملك من يشاء, وينزع الملك ممن يشاء, ويعز من يشاء, ويذل من يشاء, بيده الخير, وهو على كل شيء قدير. أما بعد :


أيها الأحبة:

 

والمؤسف أن كثيرا من طلاب العلم، لا يمسكون عن شيء إلا عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر! وابن حزم يقول: " يجب أن نمسك ألسنتنا عن كل شيء إلا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذم جميع هؤلاء. فمن عجز عن ذلك فهو معذور، فلو اجتمع كل من ينكر المنكر بقلبه لما غلبونا، أي النصارى، فأما الفرد الذي لا يستطيع الأمر بالمعروف، فإنه لا يعين ظالما بيده ولا بلسانه، ولا أن يزين له فعله, ويصوب شره". رحم الله ابن حزم فهو يقول: الواجب أولا ألا نتكلم إلا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، ومن عجز عن ذلك وبذل جهده, فهو معذور، ولكن الشيء الذي لا يعذر فيه أحد أن يساعد أحد من طلاب العلم الظالم على ظلمه، وأن يزين له هذا الأمر, وأن يقره على هذا العمل لا عذر له في ذلك، ما هو عذره أمام الله سبحانه وتعالى؟ وهو يحكي عن واقعه رحمه الله, ولهذا يقول: "لما وجد من يزين لأهل المنكر منكرهم، ويبرر لهم تصرفاتهم حل بالأندلس ما حل بها. هنا ننتهي من هذا السبب، أو من هذه العبرة.


ثانيا:

 

ونقف مع درس آخر وهو أثر الجهاد في حياة الأمة. الأمة بدون الجهاد لا خير فيها، والأمة بدون الجهاد لا حياة فيها يقول الله سبحانه وتعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} ويقول جل وعلا: {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله}. ويقول سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}.
وفي السنن بسند حسن قال صلى الله عليه وسلم: "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله". وقال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد". وهو حديث صحيح، وقال: "لغدوة في سبيل الله، أو روحة خير من الدنيا وما فيها". (متفق عليه). وقد نعى الله سبحانه وتعالى على القاعدين فقال جل من قائل: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}.


أيها الأحبة:

 

الجهاد من الدروس التي نتعلمها من الأندلس: لما وجد الجهاد بقيت الأمة. لما دخل طارق بن زياد, وموسى بن نصير ميادين الجهاد، وجاء عبد الرحمن الداخل, وعبد الرحمن الناصر بقيت الأمة، لما قام بعض ملوك الطوائف بالجهاد بقيت الأمة، ولكن عندما تهاون المسلمون وتخاذلوا حلت الكارثة بالمسلمين وبالمؤمنين.


أيها الأحبة:

 

هناك مؤامرة كبرى تحاك ضد جهاد المسلمين لأعدائهم الكفار، الله الله أن يسقط الجهاد أمام أعيننا ونحن نتفرج! أعداؤنا يكيدون لنا، أعداؤنا يتآمرون علينا، كادوا للمسلمين في فلسطين فأسقطوها في يد يهود, فحدثت في فلسطين مأساة. كادوا للمسلمين في الأندلس, فحدثت في الأندلس مأساة. كادوا للمسلمين في العراق فحدثت في العراق مأساة وهكذا. نواصل أيها الأحباب حديثنا مع الدروس والعبر فنقول: هناك مواقف شجاعة تسجل لأصحابها بأحرف من نور في سجل التاريخ الإسلامي المشرق والمشرف، سأذكر لكم واحدا منها: لما أراد ابن الأحمر أن يسلم غرناطة، وزين له أصحابه وحاشيته أنه لن يستطيع أن يبقى في مقاومة النصارى، جاء أحد رجاله المقربين اسمه موسى بن أبي غسان, وقال له: "لا تسلموا غرناطة، دعونا نجاهد في سبيل الله! دعونا نقاتل في سبيل الله!". ولكن صيحته ذهبت سدى، وقال لابن الأحمر رجاله: إن النصارى عرضوا علينا معاهدة، فيها حفظ لكيان المسلمين، ولن يؤت المسلمون بأذى ولا بشر. فهيا نسلم الأندلس، حتى نحافظ على ما بقي لنا بالعهود والشروط، فقال لهم هذا الرجل: "إياكم أن تركنوا إلى النصارى، إياكم أن تثقوا في النصارى". لكنهم رفضوا أن يستمعوا إليه، ولما أعيته الحيلة قال: لا تخدعوا أنفسكم، ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم، ولا تركنوا إلى شهامة ملكهم، إن الموت أقل ما نخشى، فأمامنا نهب مدننا, فهو يذكر لهم ما حدث بالأندلس, قال الشاعر، معبرا عن هذه القصة على لسان موسى بن أبي غسان:

 

أنا لـن أقـر وثيقــة فرضت وأخضع للعـدا
ما كان عذري إن جبنت وخفت أسبـاب الردى
والموت حق في الرقـاب أطال أم قصـر المـدى
إني رسمـت نهايتــي بيــدي ولـن أتـرددا
كنـت الحسـام لأمتـي واليـوم للوطـن الفـدا
أنا لـن أعيـش العمـر عبدا بـل سأقضي سيدا


ثالثا: ونقف مع الدرس الثالث وهو أثر المعاصي والغفلة على واقع المسلمين في الأندلس: إن المعاصي ما وقعت في بلد وفي أمة إلا فتكت بها. اسمعوا إلى قصة أبي الدرداء عندما فتح المسلمون قبرص، وبدؤوا يجمعون الغنائم ويتقاسمونها. عندها بكى أبو الدرداء, فجاءه أحد المشاركين في هذه المعركة، وقال له: يا أبا الدرداء! هذا يوم فرح! فكيف تبكي؟ قال له ويحك! ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره! هذه روما التي نقتسم أموالها الآن! الروم عندما عصوا الله، انظر كيف حل بهم! ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره! ولذلك قلت لكم ما قاله كوندي يبين عن مأساة المسلمين: "العرب هووا عندما نسوا فضائلهم التي جاؤوا بها، وأصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح والاسترسال في الشهوات، ولذلك قال المتوكل بن الأفطس أحد ملوك الأندلس: "أما ما وهى المسلمين من ضعف أحوالهم، فبسبب الذنوب المركوبة جاء في الحديث القدسي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه قال الله تعالى: "من عصاني وهو يعرفني، سلطت عليه من لا يعرفني".


قال المرابط كاتب ابن الأحمر:

 

سودت وجهك بالمعاصي تلتمس وجها للقيـــا الله غير مسود
مـن ذا يتوب لربه مـن ذنبـه أو يقتـدي بنبـيه أو يهتـدي


أيها الأحبة:

 

نشكركم على حسن استماعكم, ونواصل حديثنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

أخوكم محمد أحمد النادي.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع