مؤتمر جنيف ومحاولات إنقاذ نظام بشار!
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يعد خافيا على المتابع السياسي أن نظام بشار قد أصبح أمام خطر كبير، يهدد بقاءه وكيانه من جذوره، وأن هذا الخطر - الذي تسميه أمريكا الإرهاب الأصولي المتشدد - أصبح يسيطر على أجزاء واسعة من الشام في مناطق عدة في الشمال والجنوب والشرق والغرب، وأنه يزداد يوما بعد يوم، وتتسع دائرة التأييد الشعبي لمشروعه الحضاري، لذلك أدركت أمريكا هذه الحقيقة جيدا منذ عامين تقريبا، وأدركت أن النظام لا يقوى على الصمود طويلا، وأنه ينهار اقتصاديا وسياسيا أمام هذا "الخطر"، لذلك رأت أنه لا بد لها من اتخاذ خطوات عملية لإنقاذه حتى لا ينهار، وينهار هيكله ومنظومته العسكرية بشكل كامل، فتصبح أمريكا ودول المنطقة المحيطة أمام معضلة يصعب - وربما يستحيل - حلها أو التعامل معها.
لقد حاولت أمريكا بشتى الطرق العسكرية والسياسية إنقاذ النظام، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل، وعندما صار الانهيار في تسارع - وخاصة في منطقة دمشق (مركز النظام) - عمدت أمريكا إلى دعم النظام من الخارج بقوات مساندة من إيران وحزبها في لبنان، كي تطيل عمر بقائه إلى أن تتمكن من إيجاد حل سياسي بعد فشل كل الحلول السابقة ومنها الحل العسكري... فكانت هذه الفكرة الخبيثة (فكرة مؤتمر جنيف للسلام في سوريا)، وقد مهدت أمريكا لهذه الفكرة الخبيثة بأعمال سياسية وعسكرية عدة حتى تتمكن من إنجاح هذا المؤتمر... وقبل ذكر بعضٍ من هذه الأعمال نقول: بأن أمريكا لا يعز عليها الدم السوري كما تكذب وتدّعي، ولا يعز عليها الدمار ولا الخراب، لأنها هي أصلا من أوجدته وعملت على استمراره حتى لا ينهار النظام، وكل كلام أمريكا عن إنقاذ أو دعم الشعب السوري هو كذب ودجل سياسي، الهدف منه إبقاء نفوذها في سوريا، والمحافظة على مصالحها في الشرق الأوسط من خلال الإبقاء على هذا النظام الشرير المجرم...
أما بالنسبة للأعمال التي قدّمت أمريكا بها لهذا المؤتمر فهي:
1. العمل على تشجيع النظام لزيادة مأساة الشعب السوري؛ سواء أكان ذلك بالقتل أم التهجير أم التضييق الاقتصادي أم غير ذلك... وفي الوقت نفسه منع مجلس الأمن من اتخاذ أي قرار دولي يقف في وجه هذا النظام وإدانته دوليا، سواء أكان ذلك عن طريقها أم عن طريق روسيا أم الصين... فهذا الأمر الهدف منه زيادة الضغط على الشعب من جانب، وعلى القوى المقاتلة من جانب آخر لدفع الجميع نحو الحل السياسي...
2. محاولة إيجاد شرخ بين القوى المقاتلة عن طريق المال السياسي، الوارد من دول الخليج أو عن طريق الإمداد بالسلاح عن طريق تركيا... فحاولت مدَّ بعضِ التشكيلات العسكرية بالمال والسلاح بطريقة غير مباشرة، وذلك حتى تتمكن من السيطرة على قرارها السياسي، وتُوجهها في المستقبل الوجهة التي تريد.
3. تنظيم مجموعة من العسكريين - وخاصة الضباط الكبار - لتولي مسئوليات مستقبلية، وهؤلاء الضباط يوجد قسم كبير منهم في تركيا، وهم بانتظار الحلول السياسية التي تمهد لحكومة انتقالية، يتولون فيها صلاحيات معينة بدل من تلطخت أيديهم بالدماء من قادة الفرق العسكرية في الجيش ـ كما يدعون ـ.
4. العمل على إبراز بعض السياسيين ممن تظاهروا بالانشقاق المصطنع، أو ممن تظاهروا بعدم رضاهم عن النظام أو ما زالوا موجودين داخله، وادّعت أمريكا وغيرها من قوى المعارضة السياسية أن أيديهم ليست ملطخة بالدماء؛ مثل فاروق الشرع أو غيره... وفعلا بدأت الأصوات هذه الأيام تتحدث عن حكومة انتقالية برئاسته - أي فاروق الشرع - عن طريق مؤتمر جنيف2.
5. محاولات توحيد المعارضة السياسية في الخارج في المجلس الوطني، وفي الائتلاف السوري، وتوسيع قاعدتها لتشمل كل شرائح الشعب السوري... وذلك كمقدمة لتمثيل الشعب السوري في مؤتمر جنيف تماما كما جرى تمثيل الشعب الفلسطيني عن طريق منظمة التحرير في مؤتمر أوسلو...
6. العمل على إيجاد قوى عسكرية تساند الائتلاف السوري، وتؤيد الحل السياسي وتوسيع دائرة هذه القوى بضم فرق عسكرية مقاتلة لها، سواء أكان ذلك عن طريق المال السياسي أم عن طريق إنشاء فرق جديدة بالمال السياسي وانضمامها لهذه القوى العسكرية، وفعلا بدأت نواة هذا العمل بتشكيل المجلس العسكري، ويحاول هذا المجلس باستمرار في منطقة حلب بالذات إقناع بعض القوى العسكرية المقاتلة بالانضمام إليه وتأييد المشروع السياسي، ويتذرع باشتداد الأمر على الشعب وكثرة المعاناة وبطول الفترة الزمنية وصعوبة الحسم العسكري... وهذا الجناح يتمثل الآن (بسليم إدريس)؛ قائد المجلس العسكري، ويتلقى مساعدات مباشرة من أمريكا... وينال تأييد الائتلاف السوري..
هذه الأمور مجتمعة أوجدتها أمريكا بمساندة دول دولية وإقليمية كي تُنجح مؤتمر جنيف 2، وذلك لإيجاد مخرج سياسي لهذا النظام كي لا ينهار، وكي تحافظ على هيكليته العسكرية والسياسية...
فهل ستنجح أمريكا في هذه المؤامرة الدولية، أم أنها ستواجه الفشل تماما كما تواجهه الآن في مقدمات الأعمال التي ذكرناها؟!
الحقيقة أنه رغم عظم المؤامرة الدولية، وكثرة الأدوات التي تعمل على إنجاحها، وشدة المعاناة التي يواجهها الشعب السوري وتعلقه بحبال النجاة والخلاص فإننا نقول:
إن مكر الله هو أكبر من مكر أمريكا "بل الله أسرع مكرا"، وإن الشام وأهل الشام هم في كنف الله عز وجل وكفالته، ولن يضيع الله من كان في كفالته قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله تكفل لي بالشام وأهله»، وإن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها على الشام من مكر أمريكا وشرها وكفرها..
هذا من الجانب العقديّ، أما من الجانب الواقعي العملي فإن شكل الحلول المطروحة لا تخفى على الشعب السوري، ولا على المقاتلين وخاصة أنها تمد حبل النجاة، بل إنها تبقي على أركان النظام الذي سفك الدماء الزكية الطاهرة، وهذا الأمر لا يجرؤ أحد على القبول به بهذه الطريقة، لأنه سوف يوصف ويوصم بالخيانة لله وللدين وللشعب...
الأمر الثالث؛ هو أن هذا الحل لا يمكن أن يتم بقرارات على الورق في جنيف أو غيرها، إنما يحتاج إلى أموال طائلة، ويحتاج إلى إيجاد مناطق حماية مؤقتة لترسيخ الحكومة الانتقالية، ويحتاج هذا الأمر إلى جيوش سلام وقوات دولية ونفقات باهظة في ظل أزمات مالية تعصف بالعالم.
والأمر الأهم من هذا وذاك، هو أن هذا الحل يحتاج إلى "ترويض" القوى الإسلامية على الساحة، والوقوف في وجهها، وهذه عملية معقدة جدا ومحفوفة بالمخاطر، وغير مأمونة النجاح بالنسبة للقوى الدولية، ولا تستطيع أمريكا ولا غيرها اتخاذ قرارات دولية بإنزال قوات مقاتلة أجنبية على أرض الشام... والأمر الأخير في العقبات هو أن الشعب السوري ليس عنده قناعة بهذا الحل رغم المعاناة التي يعيشها، وانتظاره الخلاص منها... فالشعب ناقم على النظام وأزلامه وأدواته وقادته العسكريين، ولن يقبل بأي حلّ هزلي على هذه الشاكلة... وخاصة أن هناك من يعمل ليل نهار على توعيته على هذه المهازل من شباب حزب التحرير وغيرهم من المخلصين الواعين في أرض الشام.
لهذه الأسباب وغيرها فإن موضوع إنقاذ النظام عن طريق الحل السياسي في جنيف أو غيره هو مشروع فاشل قبل أن يبدأ، لأن مقدماته فاشلة ولا توجد أرضية لإنجاحه في الواقع، بالإضافة إلى رعاية المولى عز وجل وهي الأساس في هذه القضية.
وفي الختام نقول بأن الحل لأزمة الشام هو قول رسولنا عليه الصلاة والسلام «عقر دار المؤمنين بالشام»، أي أن الشام ستكون إن شاء الله قاعدة للإسلام ينطلق منها الإسلام إلى كل الدول المجاورة بعد سقوط هذا النظام المتهاوي والذي يوشك على الانهيار... وبشر عليه الصلاة والسلام أيضا فقال بحق الشام ودمشق على وجه الخصوص: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة» رواه أبو يعلى كما في مجمع الزوائد، قال الهيثمي: رجاله ثقات.
فنسأله تعالى أن يكرم أهل الشام وأمة الإسلام عن قريب بقيام دولة الإسلام في أرض الشام، وأن يمكر بكل هذه المؤامرات الدولية...
﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ، فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حمد الطبيب - بيت المقدس