مقالة التدرج في تطبيق الإسلام
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
كثر الحديث وخاصة في السنوات الثلاث الماضية عن التدرج وأنواعه وما يجوز منه وما لا يجوز، إلا أني سأتناوله هنا من جانبين اثنين فقط. الجانب الأول يتعلق بالناحية الشرعية لفكرة التدرج في تطبيق أحكام الإسلام أو بعض منها. والجانب الثاني يتعلق بأحد مبررات التدرج وهو عدم جاهزية الأمة لأن تحكم بالإسلام.
أما الجانب الأول المتعلق بالناحية الشرعية لفكرة التدرج في تطبيق أحكام الإسلام أو بعض منها، فإنه من المعلوم بأن هناك فرقا بين التدرج في نزول الأحكام الإسلامية وبين التدرج في تطبيقها والذي هو موضوعنا. فصحيح أن القرآن الكريم لم ينزل دفعة واحدة، ولكن الإلتزام بما نزل كان فورا دون تدرج وهذا هو بيت القصيد، والشواهد على ذلك كثيرة جدا منها:
ما رواه البخاري عن تحويل القبلة، أن رجلا ممن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله قِبَل مكة، فداروا كما هم قِبَل البيت.
استجابة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الفورية لترك الخمر عند سماعه لقوله تعالى (فهل أنتم منتهون).
إن التدرج في تطبيق أحكام الإسلام أو بعض منها يعني تطبيق بعض أحكام الكفر إلى حين تطبيق الإسلام كاملا، وهذا حرام شرعا، قال تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، وفي آية أخرى (فأولئك هم الظالمون)، وفي أية أخرى (فأولئك هم الفاسقون)، وقال تعالى (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك)، وقال صلى الله عليه وسلم (من عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتدرج في تطبيق أحكام الإسلام في المدينة المنورة رغم وجود عدد كبير من المنافقين الذين كانوا يبدون إسلامهم ويخفون كفرهم، ومعلوم كذلك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لم يتدرج في تطبيق الإسلام حيث لم يسمح لمانعي الزكاة بعدم دفعها، ومعلوم أيضا أن الفاتحين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده لم يتدرجوا في تطبيق الإسلام في البلاد المفتوحة كالشام أو مصر حيث لم يسمحوا بالخمر أو الربا مثلا رغم أن أهلها حديثي العهد بالإسلام.
ولا يقال بجواز الحكم بالكفر استدلالا بعمل سيدنا يوسف عليه السلام بزعم البعض، بحجة أن شرع من قبلنا شرع لنا. لا يقال ذلك لأن يوسف عليه السلام نبي معصوم يستحيل أن يحكم بالكفر، خاصة وقد قال الله تعالى على لسانه (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ). وأما شرع من قبلنا، فإن القاعدة الشرعية عند الأصوليين الذي يأخذون بهذه القاعدة هي أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالف شرعنا، وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة في وجوب الحكم بالإسلام وحرمة الحكم بغير ما أنزل الله أو التحاكم إلى الطاغوت، وعليه لا تنطبق هذه القاعدة الشرعية هنا ولو من باب التسليم بأن شرع من قبلنا يُجيز الحكم بالكفر.
أما ما يروى عن عمر بن عبد العزيز مثلا بأنه قال لابنه "لا تعجلْ يا بني، فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين، وحرمها في الثالثة، وإني أخشى أن أحمل الناس على الحق جملة، فيدفعوه جملة، ويكون من ذا فتنة"، فلا يجوز الاستدلال بهذه الرواية في التدرج في تطبيق أحكام الإسلام للأسباب التالية:
إن الأحكام الشرعية تؤخذ من النصوص الشرعية (القرآن والسنة)، ولا تؤخذ من روايات التاريخ.
تتحدث هذه الرواية عن التروي في رد المظالم والحقوق، وليس في تطبيق الإسلام، لأن الإسلام كان مطبقا أصلا، فلا يقول أحد بأن الحكم قبل عمر بن عبد العزيز كان غير إسلامي، لنقول بأن عمر بن عبد العزيز قد تدرج في تطبيق الإسلام.
أن هذه الرواية لا سند لها، ومثلها مثل الحكايا والقصص
وجود رواية أخرى مخالفة للرواية أعلاه تقول بأن عمر بن عبد العزيز أراد رد بعض المظالم بعد العصر وكان الوقت وقت قيلولة، فرد عليه ابنه: وهل تضمن أن تعيش إلى العصر.
أما الجانب الثاني المتعلق بعدم جاهزية الأمة لأن تُحكم بالإسلام، فإن كانت المسألة مسألة جهل الأمة ببعض أحكام الإسلام فإن أفضل الطرق لإفهام الناس إسلامهم هو بتطبيقه عمليا عليهم ليلمسوه في حياتهم اليومية. أما إن كانت المسألة مسألة رضا الأمة بأن تُحكم بالإسلام، فإن تطبيق الإسلام يجب أن لا يكون بناء على رضا الناس، بل يجب أن يكون امتثالا لله فحسب، مثل ذلك كمثل من يطيع والديه امتثالا لأوامر الله وبين من يطيعهما امتثالا لأوامر أستاذه في المدرسة أو شيخه في المسجد أو رفيقه في الحي مثلا. أما إن كانت المسألة مسألة جاهزية الأمة بأن تُحكم بالإسلام، فالأمة التي شبهها صلى الله عليه وسلم بالمطر لا يُدرى أوله خير أم آخره والتي نهانا صلى الله عليه وسلم عن نعتها سلبا لقوله (من قال هلك الناس فهو أهلكُهُم) فهي جاهزة اليوم لأن تُحكم بالإسلام، والشواهد على ذلك كثيرة منها:
- فوز الإسلاميين في كل الانتخبات التي جرت في بلاد المسلمين( تركيا، ومصر، وتونس، والمغرب، وحتى غزة).
أن الأمة الإسلامية بمجموعها قد تركت أفكار الاشتراكية والشيوعية والقومية والناصرية وغيرها، وأصبح الإسلام هو مركز تنبهها
تمسك المسلمين بإسلامهم في أوزباكستان والعراق وتونس وسوريا مثلا، رغم أنهم حُكموا بالحديد والنار لعقود لإبعادهم عن دينهم
خروج الناس بمليونيات نصرة للشريعة كما في مصر وتونس
فشل مليونية الدولة المدنية ومقاطعة أهلنا في مصر لها
إقبال الناس على الشهادة كما في سوريا وليبيا وغيرهما
خروج الناس بهتافات مؤثرة مثل (على الجنة رايحين، شهداء بالملايين )، وجمعة "الله معنا"، وجمعة "لن نركع إلا لله" كما في سوريا
خروج الناس في مسيرات في كثير من بلاد المسلمين تقول للحاكم يا ظالم بعد صمت دام عقود
صدور تقارير كثيرة كالتقرير الذي نقله موقع إسلام أونلاين بقلم نصر فريد بأن استطلاعا للرأي أجرته مؤسسة "جالوب" الأمريكية أظهر أن أكثر من 90% من الشعب المصري يؤيد تحكيم الشريعة الإسلامية، وأن حوالي ثلثي المصريين يطالبون بجعل الشريعة المصدر الوحيد للتشريع. وكذلك تقرير ميريلاند الذي أوضح أن المسلمين في باكستان وإندونيسيا والمغرب ومصر يؤيدون تحكيم الشريعة الإسلامية، حيث كان السؤال الذي كان حوله التقرير بكل وضوح: هل تفضل العيش في دولة خلافة تطبق الشريعة أم في نظام ديمقراطي؟ فكانت الإجابات على النحو التالي:
76% من المغرب يفضلون العيش في دولة خلافة تطبق الشريعة
74% من مصر كذلك
79% من باكستان كذلك
53% من اندونيسيا كذلك
فكيف بعد كل ذلك نقول بأن أمة الإسلام غير جاهزة لأن تُحكم بالإسلام؟!
وما سلوك بعض المسلمين السلبي الذي قد يظن البعض أنه مؤشر على عدم جاهزية الأمة لأن تُحكم بالإسلام، فإن أغلبه من إفرازات الأنظمة الحالية المطبقة علينا، ولا يستقيم الظل والعود أعوج، فإذا ما زالت تلك الأنظمة واستُبدلت بأنظمة الإسلام زال الأثر.
وأما ما نشاهده هذه الأيام بما يسمى بالثورات المضادة فهي عائدة إلى أيدي الغرب وأدواته الحريصة على حرف الثورات عن مسارها الصحيح، وعائدة أيضا إلى إدراك الناس أن الإسلام لم يصل إلى الحكم، فالناس قد انتخبوا (الإسلاميين) ليطبقوا الإسلام، لا ليستمروا في نفس نهج من ثاروا عليه، فاستمروا في وضع أيديهم بأيدي أمريكا، وأخذ القروض من أدوات الإستعمار، ومغازلة كيان يهود وغير ذلك...
فعلى من أراد أن يكون من العاملين لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي بشر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بها، أن يكون على مستوى هذه الخلافة، فيترك فكرة التدرج في تطبيق الإسلام، ويعمل، تأسيا بطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناء الدولة، على إنضاج الرأي العام على الإسلام أكثر وأكثر، وفي الوقت نفسه يطرق باب أهل القوة والمنعة من ضباط الجيش وشيوخ القبائل وغيرهم، إلى أن تلتحم الدعوة مع المنعة فتقوم الدولة، وعندها تقطع الدولة أيدي الغرب العابثة، وتُسرع في تطبيق الإسلام كاملا وبشكل جذري ليلمس العالم أجمع ثمار تطبيق الإسلام وحسن رعايته.
كتبها: أبو عيسى