الإثنين، 30 محرّم 1446هـ| 2024/08/05م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

خبر وتعليق أمريكا ليست في الحقيقة دولة ديمقراطية ليبرالية

بسم الله الرحمن الرحيم


الخبر:


في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 2013، قدّم بعض المسؤولين الأمريكيين تنازلات بشأن تكتيكات التجسس في الخارج، حيث قال مسؤولون أمريكيون أنه تم تعديل إجراءات المراقبة الخصوصية على كيفية إدارة الحكومة الأمريكية لبرامج مراقبة الإنترنت والهاتف، طالما أنها لا تؤثر على نجاعة البرامج.


التعليق:


يقول الكاتب الأمريكي مايكل باين: "إنّ العلاقة القائمة بين الحكومة والشعب علاقة عدائية، وغير مفهومة، وأكثر من مأساوية، يسودها الخوف وانعدام الثقة بين الطرفين، والسياسات والإجراءات الحكومية تهدم الأسس الدستورية لهذا الشعب، وإن لم يتم التخلص من هذه الشمولية الحالكة بطريقة أو بأخرى؛ فإنّ أمريكا ستصبح جحيماً لا يطاق".


تتصدر أخبار تجسس الولايات المتحدة على الداخل والخارج العناوينَ في جميع أنحاء العالم، حيث تتكشف أسرار جديدة عن هذه العمليات مع كل يوم يمر. أما من يتجسس في الداخل فهي وكالة الأمن القومي (NSA)، التي تقوم بالتجسس على ملايين المواطنين من خلال التنصت على مراكز البيانات في كبرى الشركات الأمريكية مثل جوجل. ولقد انتقد الرئيس التنفيذي لشركة جوجل (إريك شميدت) ممارساتِ وكالة الأمن القومي، حيث قال: "إنّه لأمر مشين حقاً أن تتجسس وكالة الأمن القومي على مراكز بيانات جوجل! وانتهاك الوكالة لخصوصية الناس أمرٌ غير مقبول".


ومع ذلك، لا تُعفي تصريحات شميدت الشركاتِ الأمريكية من فضيحة التجسس، بل على العكس من ذلك، فإنّ وجود برنامج (PRISM) سيئ السمعة، الذي يجمع اتصالات الإنترنت بالتعاون مع كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية، مثل جوجل، وياهو، ومايكروسوفت، يبدد استنكارَ شميدت. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ برنامج (PRISM) هو المصدر الرئيسي للمخابرات المستخدمة في تقارير وكالة الأمن القومي التحليلية، والتي تشكل 91% من حركة المرور على الإنترنت لوكالة الأمن القومي التي تحصل عليها بموجب قانون "مراقبة المخابرات الأجنبية 702"، وهذا يضع شركات التكنولوجيا الأمريكية بشكل مباشر في طليعة ممارسات التجسس الرقمية.


إنّ الحجم الهائل والضخم لعمليات التجسس التي تقودها وكالة الأمن القومي (NSA) مبهرٌ للعقول، فعلى سبيل المثال، قامت الوكالة في فترة ما بين 10 كانون الأول/ديسمبر 2013م و 8 كانون الأول/يناير 2013م، بالتجسس على أكثر من 70 مليون مكالمة هاتفية في فرنسا، وفي إسبانيا. وفي شهر واحدٍ فقط تنصتت الوكالة على 60 مليون مكالمة هاتفية في إسبانيا، وتجسست الوكالة أيضاً على 35 زعيماً أجنبياً على الأقل، منهم أنجيلا ميركل، التي تم التنصت على هاتفها لأكثر من 10 سنوات، ولقد ألغى الرئيس البرازيلي (ديلما روسيف) زيارة له إلى الولايات المتحدة للاحتجاج على ذلك، وورد في بيان صدر باسم ميركل: "ينبغي أن يكون هناك مثل هذا الرصد من الاتصالات بين الأصدقاء والشركاء"، وورد في البيان أن السيدة ميركل قالت لأوباما: "يجب إيقاف هذه الممارسات فوراً".


وإذا نحينا أعداءَ أمريكا جانباً، فإنّ المواطنين الأمريكيين وحلفاء أمريكا في الخارج يجب أن يتساءلوا عن جرائمهم التي ارتكبوها لتبرير مثل هذا الاقتحام واسع النطاق على خصوصياتهم، لكن حكومة أوباما عملت على تهدئة الغضب من ممارسات الوكالة بتقديم مبررات ضعيفة، مثل أن أمريكا ليست الدولة الوحيدة التي تمارس التجسس، ومثل أنها تهدف من خلال التجسس إلى مكافحة الإرهاب، فقد ادّعى مدير وكالة الأمن القومي (الجنرال كيث ألكسندر) بأنّ وكالة الأمن القومي (NSA) ساهمت في إحباط 54 مؤامرة إرهابية، ولكن نائب مدير وكالة الأمن القومي اعترف بعد الضجة الإعلامية بأن الوكالة لم تحبط إلا مؤامرة إرهابية واحدة.


وكان من تداعيات برنامج التجسس الأمريكي مواجهة عمالقة التكنولوجيا الأمريكية، مثل مايكرسوفت، وجوجل، وفيريزون، وAT & T، لقضايا مصداقية بعد أن ضبطت بالجرم المشهود وهي تساعد وكالة الأمن القومي الأمريكي. كما أن الاتحاد الأوروبي يعيد النظر في التعاون الاستخباراتي مع الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه أسرعت البرازيل وروسيا والهند والصين (دول البريك) لاستكمال بناء خط جديد للإنترنت.


واضحٌ أنّ الأزمة التي تمر بها أمريكا لا تهدد الثقة المبنية بينها وبين الحلفاء والدول الأخرى فحسب، بل إنّ الحرية والديمقراطية التي تفتخر بها أمريكا تواجه تهديداً أخطر بكثير، بسبب سلوكها غير المتوافق مع القيم التي تعتنقها. وبالفعل، فإنّ بعض الشخصيات الأمريكية البارزة رفعت صوتها بهذا الخصوص، فجيمي كارتر مثلاً، عندما سُئل عن تعرض إدوارد سنودن لنظام المراقبة العالمية السري لواشنطن، قال: "أمريكا ليست لديها ديمقراطية فاعلة في هذا الوقت".


لقد وضع الإسلام قواعد واضحة تحرم على الدولة الإسلامية التجسسَ على رعاياها، قال الله سبحانه وتعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)).


وفيما يتعلق بهذه الآية، فقد ورد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: "أَنَّهُ حَرَسَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَيْلَةً بِالْمَدِينَةِ، فَبَيْنَا هُمْ يَمْشُونَ شَبَّ لَهُمْ سِرَاجٌ فِى بَيْتٍ، فَانْطَلَقُوا يَؤُمُّونَهُ حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنْهُ إِذَا بَابٌ مُجَافٍ عَلَى قَوْمٍ لَهُمْ فِيهِ أَصْوَاتٌ مُرْتَفِعَةٌ وَلَغَطٌ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِىَ اللَّهِ عَنْهُ، وَأَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: أَتَدْرِى بَيْتُ مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: هَذَا بَيْتُ رَبِيعَةَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَهُمُ الآنَ شُرَّبٌ فَما تَرَى. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَرَى قَدْ أَتَيْنَا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ (وَلاَ تَجَسَّسُوا) فَقَدْ تَجَسَّسْنَا، فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ عُمَرُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَرَكَهُمْ".


بعودة الخلافة الإسلامية فإنّ علامة فارقة جديدة ستوجد في الحكم وفي كيفية عيش الناس بأمن وسلام، ولن يكون عند الناس ريب من التعرض للتجسس من قبل السلطات، أو من التعرض للمراقبة واسعة النطاق من قبل الغرب كما هو الحال الآن.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عابد مصطفى

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع