مع القرآن الكريم- ألا إن نصر الله قريب-2
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
قال اللـه تعالى: { يـأَيُّها الذين ءامَنوا اذكروا نعمةَ اللـه عليكم إذْ جاءتْكُمْ جُنودٌ فأَرسلنا عليهمْ رِيحاً وجُنوداً لمْ تَرَوْهاج وكانَ اللـه بما تَعملونَ بصيراً . إذْ جاءوكمْ مِنْ فَوْقِكُمْ ومِنْ أَسفلَ منكمْ وإذْ زاغتِ الأَبْصرُ وبلغتِ القُلوبُ الحـَناجِرَ وتَظُـنُّونَ باللـه الظنوناْ . هنالكَ ابْتُلِيَ المؤمنونَ وزُلْزِلوا زِلْزالاً شديداً }.
وقال تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أن تدخُلوا الـجَـنَّةَ ولَمّـا يأْتِكُم مَثَلُ الذينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكم مَسَّتْهمُ البأْساءُ والضَّرّاءُ وزُلْزِلوا حتى يقولَ الرسولُ والذين ءامَنوا معهُ متى نَصْرُ اللـه أَلاَ إنَّ نَصْرَ اللـه قريب } .
الآيات المذكورة أعلاه من سورة الأحزاب نزلت بمناسبة غزوة الخندق (غزوة الأحزاب) التي حصلت في السنة الخامسة للـهجرة. والآية الأخرى المذكورة أعلاه من سورة البقرة نزلت أيضاً في غزوة الأحزاب، حسب قول غالبية المفسرين، وكلمة (الرسول) الواردة فيها تعني محمد بن عبد اللـه صلى اللـه عليه وآله وسلم.
والذي نريد أن نلفت النظر إليه في هذه الآيات هو كلمة (زُلْزِلوا)، وعبارة (وتظنون باللـه الظنونا).
هل طال الزِّلزال إيمانهم أم اقتصر على أجسامهم؟ وهل ظنهم باللـه خالطه ظن سيّء أو كان ظنّاً حسناً فقط؟
رُسُلُ اللـه معصومون في إيمانهم، وفي ظنهم باللـه، أما المؤمنون فإنه قد يحصل عندهم زلزال في الإيمان، وقد يحصل منهم ظن سيء باللـه، وإذا حصل هذا فإنهم قد يخرجون من الإيمان إلى النفاق أو الكفر، وهذا ليس مستحيلاً فالرسول صلى اللـه عليه وآله وسلم يقول: «يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً، ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل» .
يصف اللـه سبحانه حال المؤمنين يوم الخندق بقوله: { وإذ زاغت الأبصر وبلغت القلوب الحناجر وتظنون باللـه الظنونا } وزيغ البصر هو ميله، وبلوغ القلوب الحناجر هو كناية عن شدة الخوف. أما الظنون فهي مختلفة، فالمؤمنون الثابتون على إيمانهم كان ظنهم أن اللـه سينجز وعده لرسوله وسينصر دينه ويظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وظَنَّ المنافقون أن محمداً صلى اللـه عليه وآله وسلم سيُستأصَـل هو وأصحابه. وقد برز النفاق عند بعض المسلمين حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمر بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر على أن يذهب إلى الغائط.
ويضيف اللـه في وصف حال المؤمنين بقوله{ هنالك ابتُلِيَ المؤمنون } أي اختُبِروا. { وزُلزلوا زلزالاً شديداً } وهذا الزلزال لم يكن في عقيدتهم ولا في يقينهم بدينهم، وإنما في أبدانهم وعيشهم والتضييق عليهم. وهذا بعث الخوف في نفوس قسم كبير منهم. وهناك بعض المسلمين الذين لم يكن إيمانهم راسخاً، وهؤلاء تعدّى الزلزال أبدانهم ليؤثر في إيمانهم.
وآية سورة البقرة تبيّن لنا أن سنّة اللـه الغالبة في المؤمنين أنه يبتليهم بالبأساء والضراء، أي بالفقر والمصائب في البدن والمال والخوف والجوع... فإذا صبروا ونجحوا في الامتحان، فإن عاقبتهم النصر في الدنيا والجنة والرضوان في الآخرة. والرسل يصيبهم ما يصيب أتباعهم المؤمنين من الابتلاء، ويجأرون إلى اللـه بالدعاء طالبين ذهاب الابتلاء وسرعة الفرج والنصر { حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه: متى نصر اللـه }؟ فيأتي الجوابُ الـمُـطَمْئِنُ { ألاَ إنّ نصْرَ اللـه قريب }.