الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

سرعة البديهة عند التعاطي مع الحدث في ظل تسارع وتيرة تقلبات المشهد السياسي ج1

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وأعز الإسلام بدولة الإسلام لتطبقه في كل شأن من شؤون الحياة، وأعز دولة الإسلام بأن كلفها بحمل رسالته بالدعوة والجهاد لتنشره في العالم أجمع، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا وقائدنا ومعلمنا وقدوتنا، المبعوث رحمة للعالمين، السياسي الأول، والمقيم للدولة الإسلامية الأولى في المدينة، بعد تكتيل للمؤمنين، وكفاح وصراع للمشركين، ونصرة من المخلصين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، الأنصار منهم والمهاجرين، الذين جعل منهم الخلفاء والولاة والقضاة والفاتحين. وعلى من نهج نهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين وبعد..


إن الصورة التي تنطبع في أذهان الناس عن أي شخصية من الشخصيات سواء أكانت شخصية حقيقية كشخصية قائد أو حاكم، أو كانت شخصية معنوية كشخصية حزب سياسي أو جمعية خيرية، هي التي تكيف تصرف الناس تجاه هذه الشخصية وتحدد سلوكهم نحوها. لذلك فإن الصورة التي يجب أن ترسخ في أذهان الناس لمن يحمل مشروعا سياسيا حضاريا هي صورة تجعل الناس على أثرها تنقاد لهذا الشخص، أي أن من مقتضيات إنجاز أي تغيير سياسي حقيقي أن يمرر حملة هذا المشروع لأذهان الناس صفتهم وقدراتهم السياسية والقيادية والفكرية، بحيث تكون صورتهم في أعين الناس وأذهانهم صورة القائد الواعي والسياسي المبدع والمفكر الحصيف والحاكم العادل، ولا يكون ذلك كله إلا ممن أتقن التفكير السياسي، وتجسدت فيه صفة السياسي.


الإخوة الكرام:


برغم صعوبة التفكير السياسي، وكون الفكر السياسي أرقى وأعلى أنواع التفكير على الإطلاق، حيث أنه التفكير المتعلق برعاية شؤون الأمة، ويندرج فيه على قمته التفكير المتعلق بالإنسان والعالم من زاوية خاصة، إلا أنه في مقدور كل إنسان، مهما كان تفكيره، ومهما كان علمه، فالعادي والنابغة والعبقري كل منهم في مقدوره أن يكون سياسيا. فالتفكير السياسي لا يتطلب درجة معينة من العقل، ولا درجة معينة من المعرفة، بل يتطلب التتبع المتصل للوقائع والحوادث الجارية، أي تتبع الأخبار، فمتى وجد هذا التتبع وجد التفكير السياسي .والتفكير السياسي هو تفكير بالعلوم السياسية والأبحاث السياسية، وكذلك هو التفكير بالحوادث السياسية والوقائع السياسية، أما التفكير الأول (أي التفكير بنصوص العلوم والأبحاث السياسية) فمن متطلباته أن تكون المعلومات السابقة له في مستوى الفكر الذي يبحث، وكذلك لا بد أن تكون تلك المعلومات في موضوع البحث نفسه، ولا يكفي أن تكون متعلقة به أو مشابهة له أو مما تصلح لتفسير التفكير، ولذلك يعتبر هذا النوع من التفكير هو من نوع التفكير بالنصوص الفكرية، ويعطي معلومات ويعطي فكرا عميقا أو مستنيرا، إلا أنه مع أهمية الإلمام بالعلوم والأبحاث السياسية للمساعدة على فهم الأخبار والوقائع باعتبارها ضوابط! لكنه لا يجعل المفكر سياسيا وإنما يجعله عالما بالسياسة، أي عالما بالأبحاث السياسية، ومثل هذا يصلح أن يكون معلما، ولا يصلح أن يكون سياسيا، لأن السياسي هو الذي يفهم الأخبار والوقائع ومدلولاتها، ويصل إلى المعرفة التي تمكنه من العمل. أما التفكير السياسي بالوقائع والأخبار والربط بين الحوادث، فهو التفكير الذي يصح أن يكون تفكيرا سياسيا بما تعنيه هذه الكلمة، وتتمثل الصعوبة به من حيث إنه غير مقيد بقاعدة معينة، كباقي أنواع التفكير (من تفكير في نصوص فكرية أو تشريعية، أو أدبية)، ويكاد لا يربطه رابط ثابت، ولعدم وجود قاعدة له يبنى ويقاس عليها مما يجعل المفكر محتارا، وفي أول أمره معرضا لكثير من الخطأ وفريسة للأوهام والمغالطات، وما لم يمر بالتجربة السياسية، ويدم اليقظة، ويغتنم كل وسيلة لتلقي المعلومات المتعلقة بالحوادث اليومية يظل غير متمكن من التفكير السياسي.


وهذا التفكير وهذه التجربة السياسية يحتاجان لتحقيقهما إلى أمور خمسة مهمة هي:


أولا: تتبع الأخبار وتجميع المعلومات المتعلقة بالأحداث محلية كانت أم إقليمية أم العالمية منها، ومن ذلك معرفة الموقف الدولي الصادر من الدولة الأولى، ومن الدول التي تنافسها، والوقوف على واقع أو مواقع السياسيين الموجودين في صورة الحدث وتبعاته، وتصريحاتهم وتحركاتهم.


ثانيا: معلومات ولو أولية، أو مقتضبة عن ماهية الوقائع والحوادث، أي عن مدلولات الأخبار، سواء أكانت معلومات جغرافية، أم معلومات تاريخية -سيما الحقائق التاريخية- أم معلومات عن التصرفات والأشخاص، ومعلومات سياسية من قبيل المعرفة للوسط السياسي الموجود في الساحة وطبيعته وارتباطاته وما يؤثر عليه وبه سلبا وإيجابا، ومعلومات عن العلاقات السياسية سواء بين الأفراد أو الجماعات أو الدول أو الأفكار، فهذه المعلومات هي التي تكشف معنى الفكر السياسي، سواء أكان خبرا، أم عملا، أم قاعدة - عقيدة كانت أم حكما - وبدون هذه المرتكزات الرئيسة أي المعلومات، لا يستطيع المرء فهم الفكر السياسي والخبر السياسي مهما أوتي من ذكاء وعبقرية، لأن المسألة مسألة فهم مبني على معطيات معلوماتية، لا مسألة عقل مبنية على قدرات ذهنية.


ثالثا: عدم تجريد الوقائع من ظروفها، سواء الظروف المحلية أو الدولية، وسواء الظروف الاقتصادية أم الفكرية أم غير ذلك، وعدم التعميم للوقائع أو القياس الشمولي، فمما لا يجوز أن يغفل عنه السياسي أن الأحداث السياسية مهما تشابهت لا يجوز أن يطبق عليها القياس الشمولي ولا التعميم، فلا بد من أن تؤخذ الواقعة أو الحادثة مع ظروفها أخذا واحدا، بحيث لا يفصل بين الحادثة والظرف الذي حصلت فيه، ولا تعمم على حادثة مثلها ولا يقاس عليها قياسا شموليا، بل تؤخذ حادثة فردية، ويصدر الحكم عليها بوصفها حادثة فردية.


رابعا: تمييز الحادثة والواقعة، أي حسن اختيار الأخبار السياسية من طريق تمحيصها تمحيصا تاما، فيعرف السياسي مصدر الخبر، وموقع وقوع الواقعة والحادثة، وزمانها، والوضع الذي حصلت فيه، وأهمية الخبر وعدم أهميته، والباعث والقصد من وجود الحدث أو من سوق الخبر عنه، أو تسليط الضوء عليه، ومدى إيجاز الخبر والإسهاب فيه، ومدى صدقه وكذبه، والأهداف المرجوة للجهات الفاعلة للحدث وموقع الحدث، في دائرة نفوذ من؟! إلى غير ذلك مما يتناوله التمحيص. وبدون هذا التمحيص والتمييز لا يمكن أن يأخذ السياسي هذه الحادثة أو الواقعة وخبرها بعين الاعتبار، لأنه يصبح عرضة للتضليل وفريسة للخطأ.


خامسا: ربط الخبر بالمعلومات، ولا سيما ربطه بغيره من الأخبار، وهذا الربط هو الذي يؤدي إلى الحكم الأقرب للصواب على الخبر، فالخبر إذا ربط بغير ما يجب أن يربط به فإن الخطأ يقع حتما، إذا لم يقع التضليل والخداع، لذلك فإن ربط الخبر بما يتعلق به أمر بالغ الأهمية، وأن يكون هذا الربط على وجهه الصحيح، أي أن يكون ربطا للفهم والإدراك، لا ربطا لمجرد المعرفة، أي ربطا للعمل لا للعلم فقط.


والتفكير السياسي حتى يكون تفكيرا منتجا لا يكتفى به أن يوصل إلى عمل، بل كان لا بد أن يكون هذا الفكر السياسي المؤدي إلى عمل سياسي لأجل تحقيق غاية وهدف ما، أي أن من لزوم إنتاجية هذا الفكر السياسي هو أن يكون تفكيرا سياسيا واعيا، والوعي السياسي يتمثل في النظرة إلى العالم من زاوية خاصة، أو هي النظرة إلى الأحداث والوقائع لا من زاوية قاصرة على إملاءات الواقع وحدوده الضيقة، بل أن تكون النظرة من زاوية التوجه الفكري ومتطلبات المشروع السياسي الذي يحمله المفكر السياسي.

 

يتبع في حلقة قادمة إن شاء الله

 

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير ياسر أبو خليل

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع