السبت، 21 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

سرعة البديهة عند التعاطي مع الحدث في ظل تسارع وتيرة تقلبات المشهد السياسي ج2

  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم


إن الخوض في موضوع التفكير السياسي يقتضي منا أن نكون قد عرجنا وأشرنا إلى حقيقة التفكير وأركان العملية الفكرية من الأساس، فكما نعلم أن التفكير هو نقل الإحساس بالواقع إلى دماغ صالح للربط عن طريق الحواس مع وجود معلومات سابقة تفسر هذا الواقع للحكم عليه، و إدراك ما يترتب على هذا الحكم.


فالتفكير الفعال المتجاوب مع مستجدات الوقائع هو التفكير السريع غالبا أو في غالب الوقائع، بمعنى أنه هو التفكير المتميز بسرعة البديهة، فسرعة البديهة أو ممارسة القدرة على سرعة الحكم السليم على الأشياء تتمثل في ثلاثة عوامل من ضوابط العملية الفكرية، وهي عوامل محورية عندما يكون التفكير في نصوص ووقائع سياسية:


أولا: سرعة الإحساس، وهي أيضا سرعة التنبه، والتنبه هو اليقظة وتقصد تفحص الشيء المحسوس، والأشياء المحسوسة إما أن تكون مادية، وإما أن تكون غير مادية، كأن تكون أفكارا ومشاعر، فالأشياء المادية يحصل الحس بها طبيعيا بلا كثير عناء، أما الأمور غير المادية فالإحساس بها يعتبر أقوى أنواع الإحساس، وهو الإحساس الفكري، أي الإحساس الذي يقويه ويعمقه الفكر.


ثانيا: سرعة الربط و قوته، وسرعة الربط تتمثل عمليا بالمعلومات السابقة، وتعتمد على غزارتها ودقتها، فكلما زادت المعلومات السابقة عن الشيء والحدث الذي يبحث ويدرس - أي الحدث الذي هو محل التفكير- كانت القدرة وسرعة الربط بين المعلومات والواقع أكبر، وبالتالي كانت القدرة أكبر على إعطاء إجابات سريعة وصحيحة.


ثالثا: وجود قاعدة فكرية عقدية ينظر للأحداث من زاويتها، تعتبر خطا ومنهجية خاصة في التفكير، تأخذ الطابع السياسي من حيث انبثاق المعالجات اللازمة لرعاية شؤون الناس، أي كيفية ما لربط الواقع بالمعلومات السابقة بقياسها على قاعدة واحدة أو قواعد معينة.


الإخوة الكرام:


إن معضلة التفكير البطيء ناتجة عن النظرة السلبية لسرعة اتخاذ القرارات واعتبار كل مغامرة منقصة وشذوذا، على أساس وجوب فلسفة كل الأمور والتعامل معها على قدم المساواة دون التمييز بين الأمور والأشياء العميقة التي لا بد من فلسفتها (كمفهوم النهضة والتحرير والمناورات)، والأمور الواضحة التي لا تحتاج إلى ترو في التفكير وفلسفة تزيدها غموضا. أضف إلى ذلك محاولة الجمع بين المتناقضات والتوفيق بينها، مما يؤدي إلى حرف التفكير عن مساره المنتج، وإعاقة القدرة على الربط السريع، وبذلك ينعدم الذكاء أو يصبح استعماله أمرا عسيرا. في حين أن الطرح المتناسق والمتجانس والمنسجم يحطم معضلة التحجر الفكري غير القادر على مواكبة الحدث السياسي واللحظة التاريخية، والتعامل معه بحنكة لتسخيره واستثماره لخدمة التوجه الفكري والمشروع السياسي البديل.



الإخوة الكرام:


في ضوء ما سبق وبناء على ما يمر به المشهد السياسي، وما تعلق به من تغيرات، سواء على مستوى الأمة أم على مستوى التقدم في وسائل الاتصال والتواصل، وما كان لذلك من انعكاسات انقلابية في طبيعة التفاعل السياسي لابن الشارع مع كل مستجد، وكل طرح وتوجه يجعل التغيير والحلول السياسية عنوانا له، وما شاهدته المنطقة العربية عامة من ثورات في بلاد ما يسمى الربيع العربي، وما أثمر عنه من كم هائل من مشاهد المجازر والقتل والدماء المهراقة والأعراض المغتصبة والبيوت المدمرة والأسر المهجرة، مما شكل هزة أصابت المجتمع، لتدب فيه الحيوية على إثر تنامي هاجس الهلاك، وبروز استهداف الأمة في هويتها الإسلامية، وبالتالي حصول إحساس جماعي مشترك، مما ولد العملية الفكرية المقتضية بضرورة السير في خط ما بحثا عن مخرج منقذ للحالة. وفي وقت أصبحت فيه وسيلة الإعلام الحر غير المرتبط بأجندة أجنبية، ونشر الخبر وتوثيقه من الأمور الميسرة، ومن السهل وجودها في متناول شرائح كبيرة من أبناء المجتمع إن لم يكن أغلبه، ومن ذلك ما يسمى مواقع التواصل الاجتماعي (الإعلام البديل) وأدوات تسجيل الأحداث عبر كاميرات الجوالات وبرامج خدمات الرسائل القصيرة، مما ذلل لأبناء الأمة الوصول إلى أكبر قدر ممكن من معلومات وحقائق عن الأحداث وعن المتحركين في المشهد السياسي، ومتابعة لذلك شبه متواصلة، ما يعني اتساع رقعة قطاع المتابعين للسياسة أي السياسيين، ورفع قدرات ابن الشارع العادي منهم في سرعة الربط، ودقته، وبالتالي الوصول إلى فهم وتحليل لمجريات الأحداث والشأن السياسي أقرب للصواب، سيما مع ما يعيشه كل متابع سياسي من مشاهدة شبه يومية لسقوط أصنام مجدت وقدست وروج لها إعلاميا لعقود من الزمان، سواء أكانت أصناما بشرية من قيادات ورموز عاملة في الشأن العام، أم تيارت وتوجهات فكرية ألبست لبوس مجد وعز زائف موهوم، أم جماعات وأوساطا سياسية سقطت عنها ورقة التوت فانكشفت جليا عوراتها للقاصي والداني، أم مشاريع سياسية ومساعي دبلوماسية تنتقل بشكل مفضوح من فشل إلى فشل.


الإخوة الكرام:


إن مجريات الأحداث كفيلة بتحقيق وتوفير تلقائي لعاملين من عوامل سرعة البديهة عند الأمة، وفي مجملها تسير بالأمة طبيعيا لإيجاد العامل الثالث وإيجاد الوعي السياسي، وهو بالالتفات الفطري لعقيدتها باعتبارها عقيدة سياسية، وما ينبثق عنها كذلك من معالجات سياسية، وما على حملة الدعوة إلا إنضاج هذا الوعي، وترشيد هذا التوجه، وتنبيه الأمة على ضرورة جعل سرعة البديهة سمة وسجية مرحبا ومرغوبا بها، وكذلك حث ودفع الأمة إلى مزيد من الثقة بنفسها وبمبدئها.


في هذه المرحلة وهذه الظروف يشتد ثقل الحمل على كاهل حامل الدعوة الصادق، فغريمه وغريم أمته الكافر الغربي المستعمر، وهو يرى نفوذه يتلاشى، وصروح عملائه تنهار، وسيطرته تنعدم يوما بعد يوم بشكل أكبر، حتما لن يقف مكتوف اليدين حيال هذا المشهد المأساوي في حق مصالحه، بل إنه سيلجأ لكل حيلة ومكيدة، وسيغدق الأموال على كل أعوانه وأبواقه من أوساط سياسية ومتنفذين وإعلاميين ومعارضين وعسكر، وسيعمل جاهدا لتشويه تحرك الأمة وثورتها، وتلميع لقيادات جديدة بديلة ترفع رايته وتسير في مشاريعه وفي الوقت نفسه قد تفضح بنفسها بعض عملاءها وارتباطاتهم بها، لتحبط من عزائم المنتفضين عليها بتصوير المشهد السياسي وكأنه لا يحتوي إلا على عميل أو سائر في مسار عميل للغرب الكافر، ولا مفر لنا إلا الاختيار بين العميل والعميل.


الإخوة الكرام:


إن التشخيص الصحيح الواعي للواقع، وطرح المشروع الإسلامي والرؤية الإسلامية للحل الجذري، وربط حلول المشاكل الموجودة والمتجددة بكل وضوح وجرأة بالعقيدة الإسلامية بلفت الأنظار إلى ما يجب أن يكون عليه المجتمع، وتوعية الأمة بضرورة البحث في الأسباب الموجبة لأي مشروع دستور يقدم إليها، وحسن استقبال الأمة، وإعمال العقل في أساليب احتوائها، من عدم إظهار تشف وشماتة بها على إثر سقوط مشاريعها السياسية بعد وضعها على المحك بوصولها للحكم، وكذلك خطابها الخطاب الموقد لأحاسيسها الإسلامية المولد للعملية الفكرية، وتكثيف التفاعل معها، وبث روح التفاؤل فيها، باعتبارها أمة ذات رسالة سماوية سياسية حضارية عالمية، وصاحبة مشروع ومؤهلات لدولة عظمى بلا منازع، وتذكيرها بامتلاكها لحزب سياسي مبدئي ذي باع طويل في التصدي لمؤامرات الغرب وعملائه، وذي تجربة سياسية عريقة، وذي تاريخ حافل بالمواقف المشرفة والمخلصة، وكتلة سياسية مترامية الأطراف كما ونوعا ووعيا، يقف هذا كله حائلا منيعا دون عودة الأمة إلى عزلتها الناتجة عن اليأس والجبن، والسير قدما إلى خلافتها.


وختاما نقول: إنه كلما زادت المتابعة للأحداث السياسية، وتعددت مصادر ووسائل تلقي الخبر، وكان هناك نظرة من زاوية خاصة أي عقيدة ومشروع سياسي بديل ومعالج للحال والواقع السياسي، نتج عن ذلك نمو في ملكة التوظيف التلقائي للأحداث في خدمة المشروع السياسي المقدم للأمة.

 

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير ياسر أبو خليل

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع