نداءات القرآن الكريم ح46 الأمر بطاعة الله والرسول وأولي الأمر من المؤمنين ج4
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا). (النساء 59)
الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء الثاني والعشرون نتناول فيه الآية الكريمة التاسعة والخمسين من سورة النساء التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا). نقول وبالله التوفيق:
تعرضنا في الحلقة السابقة إلى بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي تبين كيف ينبغي أن تكون العلاقة بين الحاكم والمحكوم, وفي هذه الحلقة نتناول أقوال الأئمة الأثبات الثقات من السلف الصالح، الذين أجمعت الأمة على إخلاصهم، وترفعهم عن مداهنة السلطان، وبعدهم عن شبهة كتمان ما أنزل الله من البينات والهدى.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لماذا أمرنا بقتال الخوارج, ولم نؤمر بقتال السلطان الظالم؟ فأجاب: "ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنه أنهم لا يرون الخروج على ألأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم, لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة, فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما, ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته". ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في السياسة الشرعية: "يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين, بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض, ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم". رواه أبو داود، من حديث أبي سعيد وأبي هريرة"، وقال أيضا: "ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل, وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم. وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة؛ ولهذا روي: "إن السلطان ظل الله في الأرض" والتجربة تبين ذلك. ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل رحمهما الله وغيرهما يقولون: "لوكان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان!". وقال رحمه الله تعالى: "فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله؛ فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات, وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال بها". (السياسة الشرعية 28/39)
أيها المؤمنون:
ويقول الماوردي رحمه الله عن الإمامة: "فإن الله جلت قدرته ندب للأمة زعيما خلف به النبوة, وحاط به الملة, وفوض إليه السياسة؛ ليصدر التدبير عن دين مشروع، تجتمع الكلمة على رأي متبوع، فكانت الإمامة أصلا عليه استقرت قواعد الملة وانتظمت به مصالح الأمة"، ويقول الماوردي أيضا: "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع, وإن شذ عنها الأصم" (الأحكام السلطانية ص 5)
ويقول أيضا والقول للماوردي مبينا أهمية القيام بهذا الغرض, وخطورة التقاعس عنه أو التهاون فيه قال: "ثم لما في السلطان من حراسة الدين والدنيا والذب عنهما ودفع الأهواء منه، وحراسة التبديل فيه، وزجر من شذ عنه بارتداد، أو بغى فيه بعناد، أو سعى فيه بفساد، وهذه أمور إن لم تنحسم عن الدين بسلطان قوي ورعاية وافية، أسرع فيه تبديل ذوي الأهواء، وتحريف ذوي الآراء، فليس دين زال سلطانه إلا بدلت أحكامه، وطمست أعلامه، وكان لكل زعيم فيه بدعة، ولكل عصر فيه وهاية أثر.
كما أن السلطان إن لم يكن على دين تجتمع به القلوب حتى يرى أهله الطاعة فيه فرضا، والتناصر عليه حتما،لم يكن للسلطان لبث ولا لأيامه صفو، وكان سلطان قهر، ومفسدة دهر، ومن هذين الوجهين وجب إقامة إمام يكون سلطان الوقت, وزعيم الأمة؛ ليكون الدين محروسا بسلطانه، والسلطان جاريا على سنن الدين وأحكامه، قال عبد الله بن المعتز: الملك بالدين يبقى، والدين بالملك يقوى". (أدب الدين والدنيا ص115)
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام وأن يعز الإسلام بنا وأن يكرمنا بنصره وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها إنه ولي ذلك والقادر عليه نشكركم لحسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد أحمد النادي