الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

نداءات القرآن الكريم ح49 رسم استراتيجية المعارك ج2

  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

رسم استراتيجية المعارك, والأمر بأخذ الحذر, والنفير الانفرادي والجماعي (ج2)


(يا أيها الذين آمنوا خذوا حذر‌كم فانفر‌وا ثبات أو انفر‌وا جميعا). (النساء 71)


الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.


أيها المؤمنون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء الثالث والعشرين نتناول فيه الآية الكريمة الحادية والسبعين من سورة النساء التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذر‌كم فانفر‌وا ثبات أو انفر‌وا جميعا). نقول وبالله التوفيق:


يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "ولفظة "ليبطئن" مختارة هنا بكل ما فيها من ثقل وتعثر, وإن اللسان ليتعثر في حروفها وجرسها، حتى يأتي على آخرها، وهو يشدها شدا, وإنها لتصور الحركة النفسية المصاحبة لها تصويرا كاملا بهذا التعثر والتثاقل في جرسها، وذلك من بدائع التصوير الفني في القرآن، الذي يرسم حالة كاملة بلفظة واحدة. وكذلك يشي تركيب الجملة كلها: (وإن منكم لمن ليبطئن) بأن هؤلاء المبطئين وهم معدودون من المسلمين (منكم) يزاولون عملية التبطئة كاملة، ويصرون عليها إصرارا، ويجتهدون فيها اجتهادا، وذلك بأسلوب التوكيد بشتى المؤكدات في الجملة! مما يوحي بشدة إصرار هذه المجموعة على التبطئة، وشدة أثرها في الصف المسلم, وشدة ما يلقاه منها! ومن ثم يسلط السياق الأضواء الكاشفة عليهم، وعلى دخيلة نفوسهم ويرسم حقيقتهم المنفرة، على طريقة القرآن التصويرية العجيبة: فها هم أولاء، بكل بواعثهم، وبكل طبيعتهم, وبكل أعمالهم وأقوالهم، ها هم أولاء مكشوفين للأعين، كما لو كانوا قد وضعوا تحت مجهر، يكشف النوايا والسرائر, ويكشف البواعث والدوافع، ها هم أولاء - كما كانوا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم, وكما يكونون في كل زمان وكل مكان - ها هم أولاء ضعافا منافقين ملتوين صغار الاهتمامات أيضا, لا يعرفون غاية أعلى من صالحهم الشخصي المباشر، ولا أفقا أعلى من ذواتهم المحدودة الصغيرة، فهم يديرون الدنيا كلها على محور واحد، وهمهم هذا المحور الذي لا ينسونه لحظة! إنهم يبطئون ويتلكؤون، ولا يصارحون، ليمسكوا العصا من وسطها كما يقال! وتصورهم للربح والخسارة هو التصور الذي يليق بالمنافقين الضعاف الصغار: يتخلفون عن المعركة، فإن أصابت المجاهدين محنة، وابتلوا الابتلاء الذي يصيب المجاهدين في بعض الأحايين, فرح المتخلفون وحسبوا أن فرارهم من الجهاد، ونجاتهم من الابتلاء نعمة: (فإن أصابتكم مصيبة قال: قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا)، إنهم لا يخجلون وهم يعدون هذه النجاة مع التخلف نعمة أن ينسبوها لله. الله الذي خالفوا عن أمره فقعدوا! والنجاة في هذه الملابسة لا تكون من نعمة الله أبدا. فنعمة الله لا تنال بالمخالفة، ولو كان ظاهرها نجاة! إنها نعمة! ولكن عند الذين لا يتعاملون مع الله، عند من لا يدركون لماذا خلقهم الله، ولا يعبدون الله بالطاعة والجهاد لتحقيق منهجه في الحياة، نعمة عند من لا يتطلعون إلى آفاق أعلى من مواطىء الأقدام في هذه الأرض .. كالنمال .. نعمة عند من لا يحسون أن البلاء في سبيل الله وفي الجهاد لتحقيق منهج الله وإعلاء كلمة الله هو فضل واختيار من الله، يختص به من يشاء من عباده ليرفعهم في الحياة الدنيا على ضعفهم البشري، ويطلقهم من إسار الأرض يستشرفون حياة رفيعة، يملكونها ولا تملكهم. وليؤهلهم بهذا الانطلاق وذلك الارتفاع للقرب منه في الآخرة، في منازل الشهداء ..

 

إن الناس كلهم يموتون! ولكن الشهداء في سبيل الله هم وحدهم الذين "يستشهدون" وهذا فضل من الله عظيم. فأما إذا كانت الأخرى فانتصر المجاهدون الذين خرجوا مستعدين لقبول كل ما يأتيهم به الله, ونالهم فضل من الله بالنصر والغنيمة، ندم المتخلفون أن لم يكونوا شركاء في معركة رابحة! رابحة بحسب مفهومهم القريب الصغير للربح والخسارة! (ولئن أصابكم فضل من الله، ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما). إنها أمنية الفوز الصغير بالغنيمة والإياب، هي التي يقولون عنها: (فوزا عظيما). والمؤمن لا يكره الفوز بالإياب والغنيمة بل مطلوب منه أن يرجوه من الله، والمؤمن لا يتمنى وقوع البلاء بل مطلوب منه أن يسأل الله العافية، ولكن التصور الكلي للمؤمن غير هذا التصور الذي يرسمه التعبير القرآني لهذه الفئة رسما مستنكرا منفرا.. إن المؤمن لا يتمنى البلاء, بل يسأل الله العافية، ولكنه إذا ندب للجهاد خرج غير متثاقل, خرج يسأل الله إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، وكلاهما فضل من الله وكلاهما فوز عظيم، فيقسم له الله الشهادة، فإذا هو راض بما قسم الله أو فرح بمقام الشهادة عند الله، ويقسم له الله الغنيمة والإياب، فيشكر الله على فضله، ويفرح بنصر الله، لا لمجرد النجاة! وهذا هو الأفق الذي أراد الله أن يرفع المسلمين إليه وهو يرسم لهم هذه الصورة المنفرة لذلك الفريق "منهم" وهو يكشف لهم عن المندسين في الصف من المعوقين، ليأخذوا منهم حذرهم كما يأخذون حذرهم من أعدائهم! ومن وراء التحذير والاستنهاض للجماعة المسلمة في ذلك الزمان، يرتسم نموذج إنساني متكرر في بني الإنسان، في كل زمان ومكان، في هذه الكلمات المعدودة من كلمات القرآن! ثم تبقى هذه الحقيقة تتملاها الجماعة المسلمة أبدا. وهي أن الصف قد يوجد فيه أمثال هؤلاء، فلا ييأس من نفسه، ولكن يأخذ حذره ويمضي، ويحاول بالتربية والتوجيه والجهد، أن يكمل النقص، ويعالج الضعف، وينسق الخطى والمشاعر والحركات! ثم يمضي السياق يحاول أن يرفع ويطلق هؤلاء المبطئين المثقلين بالطين! وأن يوقظ في حسهم التطلع إلى ما هو خير وأبقى (الآخرة)، وأن يدفعهم إلى بيع الدنيا وشراء الآخرة، ويعدهم على ذلك فضل الله في الحالتين، وإحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة". (انتهى الاقتباس).


أيها المؤمنون:


نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام وأن يعز الإسلام بنا وأن يكرمنا بنصره وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها إنه ولي ذلك والقادر عليه نشكركم لحسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 


محمد أحمد النادي

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع