شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام (127-128-129-130)
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أما المادة 127 والتي نصها:
( الملكية ثلاثة أنواع, ملكية فردية , وملكية عامة, وملكية الدولة).
إن مصطلح الملكية هو مصطلح جديد, لم يكن مستعملا عند الفقهاء من قبل, فهو وكأي مصطلح, من المباحات التي تستعمل للتعبير عن معنى شرعي, على أن تكون الأدلة عليه كلها مستنبطة من الشرع, سواء من ناحية التعريف أو من ناحية الأنواع,
فالمادة مائة وثلاثة وعشرون من الدستور, تبين أن الملكية تحتوي ثلاثة أنواع من الملكيات, ملكية فردية, وملكية عامة, وملكية الدولة.
وتعريف الملكية هو: (أذن الشارع المقدر بالعين).
وهو مستنبط من الكتاب والسنة, وكذلك أنواعها الثلاثة جاءت من استقراء هذه الملكيات من خلال الأدلة الشرعية.
ومن المقطوع فيه أن الملكية لله تعالى ودليلها آية: {.. وَآتُوهُم مِّن مَّالِ..} النور33، وان الله سبحانه جعل الحق للإنسان بتملك المال, والدليل على ذلك آية الاستخلاف {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}الحديد7، وأذن سبحانه وتعالى للفرد ليمتلك بالفعل أشياء فأباحها ولم يأذن له التملك لأشياء أخرى فحرمها, فقد جاء الأذن بالتملك بالدليل العام, وهذا هو الأصل, قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} البقرة29، وقال: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ... }الجاثية13
أما المادة 128 والتي نصها:
(الملكية الفردية هي حكم شرعي مقدر بالعين أو المنفعة, يقتضي تمكين من يضاف اليه من انتفاعه بالشيء وأخذ العوض عنه).
من تعريف الملكية الفردية بأنها: (إذن الشارع بالإنتفاع بالعين) والمستنبط من الأدلة الشرعية, وهو يشمل الإذن ويشمل الانتفاع فالإذن قد ورد الدليل عليه, أما الانتفاع فهو يحتاج إلى دليل على كل انتفاع , لأنه فعل للعبد, فلا بد من خطاب من الشارع يتعلق به, ويشمل كذلك إذنه أي اذن الشارع بالنسبة للعين نفسها, هل يُنتَفع بها أم لا؟ وهو لا يحتاج إلى دليل لكل عين, بل الأصل في كل عين أنه قد أُذن بتملكها بالدليل العام في قوله سبحانه تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ... }الجاثية13، فإذا منع الشارع ملكية عين فلا بد من نص من القرآن أو السنة أو مما ارشدا اليه من قياس وإجماع.
فمن المعلوم أن أدلة الأذن بالانتفاع أباحت حيازة الشيء, وأدلة إباحة جميع الأشياء للإنسان أطلقت له حيازة كل شيء,فأستنبط منها تعريف الملكية بأنها ( إذن الشارع بلأنتفاع بالعين).
وأما لتوضيح هذه المادة نسوق هذا المثال, انك لو ملكت سيارة مثلا, فالسيارة هي العين, والحكم الشرعي المقدر فيها هو إذن الشارع للإنسان بالانتفاع بها استهلاكا, ومنفعة, ومبادلة, وهذا الإذن بالانتفاع يستوجب أن يمكن المالك من هذه العين, وهو من أضيف اليه الأذن, من استعمال السيارة أو بيعها أو مبادلتها, فالحكم الشرعي المقدر بالعين أي بالسيارة هو الإذن بالتصرف بها من مالكها على الحقيقة وهو الله تعالى, وهذا ما تبينه المادة مائة وأربعة وعشرون.
أما المادة 129 من الدستور والتي نصها:
(الملكية العامة هي إذن الشارع للجماعة بالاشتراك في الانتفاع بالعين).
فدليلها جاء من النصوص الواردة فيما هو ملكية عامة, أي ان الأدلة الشرعية دلت على تعريف الملكية العامة, بأنها إذن الشارع بالاشتراك في الانتفاع بالعين, كقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار)، وما روي عن أبيض بن حمال (أنه أستقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ,الملح بمأرب فلما ولى قيل يا رسول الله, أتدري ما أقطعته له؟ إنما أقطعت له المال العد, فرجعه منه, والمال العد هو الذي لا ينقطع, أي أقطعت له معدنا لا ينقطع).
وفي حديث أخر, قال صلى الله عليه وسلم: (منى مناخ من سبق) ومنى المكان المعروف بالحجاز الذي ينزل اليه الحجيج بعد وقوفهم بعرفات, هو لجميع الناس ينيخ ناقته فيه كل من سبق اليه, وقد أقرّ الرسول صلى الله عليه وسلم اشتراك الناس في الطريق العام, من كل هذا يستنبط منه تعريف الملكية العامة.
أما ملكية الدولة فهي التي نصت عليها المادة 130 ونصها:
( كل مال مصرفه موقوف على رئيس الدولة واجتهاده يعتبر ملكا للدولة, كأموال الضرائب والخراج والجزية).
إن الأدلة الشرعية دلت على تعريف ملكية الدولة بأنها إذن الشارع للخليفة بأن يصرف المال برأيه واجتهاده، فكان ذلك هو تعريف ملكية الدولة, ولهذا تجد أموال الزكاة لم يترك صرفها للخليفة برأيه واجتهاده, ولذلك لم تكن من أموال الدولة, فالدولة تكون فقط قَيِّمةً على جمعها وحفظها في بيت المال على جهة منه, لتعطي لمستحقيها الثمانية إن وجدوا.
وعليه فكل ما جعل الشارع للإمام أن يصرفه برأيه واجتهاده, كان نص الشارع هذا إذناً للإمام بالصرف, وكونه إذنا مطلقاً لم يعين فيه الجهة التي يصرفها عليها , كان إذنا له بالصرف برأيه واجتهاده.
ومن هنا كانت أموال الفيء والخراج والجزية وما شاكلها من أموال الضرائب التي أجاز الشرع استيفاءها, وريع أملاك الدولة من أجرة العقارات التي تمتلكها الدولة أو ما شاكلها, فإنها كلها أموال للدولة, ينطبق عليها التعريف المستنبط من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم, وعمومية النصوص التي جاءت تأمر بصرف هذه الأموال, وعلى هذا الأساس وضعت هذه المادة.
وإلى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الاقتصادي فى الإسلام نستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله
أبو الصادق