خبر وتعليق الدولة تفرض العلمانية على مساجد الله
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الخبر:
نشر عدد من المواقع الرقمية بتاريخ 2014/07/03 صدور ظهير ملكي جديد بالجريدة الرسمية بتاريخ فاتح يوليو 2014 يؤطر عمل الأئمة والمرشدين والقيمين الدينيين. ويمنع الظهير الملكي المذكور الأئمة وخطباء الجمعة ووعاظ المساجد من كل انتماء حزبي أو سياسي أو نقابي طيلة المدة التي يمارسون فيها مهامهم في مساجد المملكة تحت رعاية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
كما نص الظهير على أن الأئمة وخطاب الجمعة ووعاظ المساجد لا يمكنهم التعبير عن أي موقف سياسي أو نقابي أو أي ممارسة يمكن أن تعيق الشعائر الدينية أو تشوش عليها.
التعليق:
لا تزال الدولة تنسج الحلقة تلو الحلقة لفرض العلمانية على كل مرافق الدولة، فبعد أن فرضتها في الاقتصاد والتعليم والقضاء وسائر المعاملات، ها هي اليوم تقتحم مساجد الله لتفرضها فيها أيضاً. وقد احتاطت الدولة لذلك بأن روَّجت أن الهدف من الظهير هو الحرص على ضمان عدم إقحام المساجد في الصراعات السياسية وعدم التشويش على المصلين خصوصاً مع اقتراب مواسم الانتخابات، إلا أن الحقيقة لمن أوتي قليلاً من الاطلاع هي أن الدولة تريد الاستئثار حصرياً بالمساجد ليتسنى لها، ولها وحدها، تمرير ما تريده دون تشويش من أحد. فالكل يكاد يحفظ على سبيل المثال الخطب المكررة الباردة التي يلقيها خطباء الجمع في المناسبات "الوطنية" التي تمجد الدولة والملكية بأجيالها الثلاثة. أفليست هذه الخطب تعبيراً عن موقف سياسي؟ وهل يتوقع على ضوء هذا الظهير أن تتوقف وزارة الأوقاف عن فرض مثل هذه الخطب؟ الجواب: قطعاً لا.
إن الدولة ليست حريصة على السلامة الدينية كما تدّعي، ولكنها خائفة من انطلاق أصوات من هنا أو هناك، من خطباء أبوا أن يسايروا الدولة، وعزموا أن يصدعوا بكلمة الحق، فليس شيء يخافه الظلمة أكثر من صرخة العلماء وجهرهم بالحق على رؤوس الأشهاد. لذلك، ولما كانت الدولة تعلم مدى شيوع المظالم والنهب والفساد والإفساد، لأنها هي من تقف خلفه بالأساس، ولما كانت عازمة على الاستمرار في نهجها وعدم الحيد عنه، فهي تحاول أن تستبق الأحداث فتكمم الأفواه قبل أن يعكر صفو الأجواء عالم جريء.
ولو أن الدولة حريصة على السلامة الدينية فعلاً كما تدَّعي، فإن من يفسدونها معروفون، وعلى رأسهم الأصوات النشاز التي تنطلق بين الفينة والأخرى تجرئ الناس على محارم الله المعلومة من الدين بالضرورة، كالإفطار العلني في رمضان والشذوذ الجنسي والزنا... إلا أن هؤلاء المفسدين الحقيقيين مُعزَّزون مُكرَّمون، وفي مأمنٍ من فزع الأجهزة الأمنية والمخابرات التي لا همَّ لها إلا مطاردة كل من نبتت لحيتُه بتهمٍ جاهزةٍ أقلها الإرهاب وتشكيل خلايا لتجنيد المقاتلين وإرسالهم إلى جبهات القتال في سوريا أو العراق.
أيها العلماء، يا ملح البلد،
إن السياسة ليست هي النفاق والخداع كما يدعي أبناء المدرسة الميكيافيلية، وهي ليست قذارة يجب على الدين والمتدينين أن يبتعدوا عنها حتى يبقى الدين طاهراً كما يزعمون، ولكن السياسة كما عرفها الإسلام ومارسها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم من بعده هي رعاية شؤون الناس بأحكام الإسلام والإشراف على قضاء مصالحهم إما بقضائها مباشرة (إن كانوا هم الحكام) أو بمحاسبة من وَلِيَ الحكم إن بدر منه تقصير (إن كانوا خارج الحكم). والسياسة شرفٌ وأيما شرف، ويكفيها شرفاً أنها عملٌ من أعمال الأنبياء وعلى رأسهم سيدنا محمد القائل: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي،... » [صحيح البخاري]. واعلموا أن عدم التعبير عن أي موقف سياسي في المساجد هو في حد ذاته موقف سياسي، فهو تكريس صريح للعلمانية وإقصاء للإسلام عن واقع الحياة، وحرف للمساجد عن الدور الذي لعبته منذ فجر الإسلام، فأنتم تعلمون بدون شك أن المساجد كانت على الدوام مركز اجتماع المسلمين لاتخاذ القرارات الصعبة ومركز جمع الغنائم وتوزيعها ومنها كانت تخرج ألوية الجيوش الفاتحة، ... أفترضون أن تُنزَل المساجد من عليائها، ويُقزَّم دورها رسمياً لأداء الصلوات الخمس فقط؟
إن تحجيم دور المساجد هو نتيجة لتحجيم دور العلماء من قبل، وسينتج عنه مزيد من التحجيم والتقزيم لدور العلماء وحصر له في مواضيع الحيض والنفاس والإرث والعبادات. فإياكم أن تقبلوا به، وانهضوا للقيام بما أوكله الله إليكم وخصكم به، وأعيدوا سيرة الجهابذة من علماء المسلمين أمثال سعيد بن المسيب والإمام أحمد والعز بن عبد السلام وغيرهم، واذكروا المرتبة التي جعلها الله لكم دون باقي عباده، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر، من الآية 28]، وقال أيضاً: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة، من الآية 11]، وقال صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» [سنن ابن ماجه، صححه الألباني].
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد عبد الله